الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

النصوص المسرحية استلهام من الشرق أم انفتاح على الغرب؟ 2

النصوص المسرحية استلهام من الشرق أم انفتاح على الغرب؟ 2
النصوص المسرحية استلهام من الشرق أم انفتاح على الغرب؟ 2




المصرى القديم كما نقش تاريخه وانتصاراته على جدران المعابد.. لم ينتظر دعماً من الدولة لإبداعه فلم يوفر له فرعون مسرحاً وديكورات وملابس وأدوات تجميل، وإنما استلهم أدواته من الطبيعة ودعم إبداعه بيده وتواصل مع جمهوره على طريقته فظهر المسرح الشعبى الذى انتشر بين عامة الناس فى قرى ومدن مصر، وتمثل فى فرق الرحالة المتجولين منهم الراقصين والموسيقيين والممثلين، اللذين قدموا روايات قصيرة لا تتعدى 10 دقائق ولفتوا الأنظار لهم بالموسيقى والرقص وجمعوا أجورهم من الناس غلة وبيض كطريقة المصرى القديم فى المقايضة قبل صك النقود.

الأقاليم هى البداية
يرى المخرج المسرحى إنتصار عبد الفتاح أن غياب استراتيجية الإدارة هى السبب فى الأزمة التى يعيشها المسرح المصرى الآن فيقول كل المفاهيم اختلطت ببعضها لاتوجد استراتيجية منهجية خاصة بالمسرح تصنيفه والفرق بين القومى والطليعة والحديث والتجريبي، لا توجد خطة موضوعية وخاصة فى الأقاليم رغم كون هناك مواهب لاحصر لها قصور الثقافة كان لها ور فعال فى الكشف عنها لكن الآن تراجع، وقتما رأس سمير سرحان هيئة المسرح كان هناك إهتمام ملحوظ بالأقاليم ولم يكن الإهتمام منصب على القاهرة وحدها، فى رأيى هيئة قصور التقافة فى الأقاليم تؤدى دور روتينى لايليق ودورها الثقافى المستنير، صدارة البداية الحقيقية خطة لتنمية الأقاليم والكشف عن المواهب وإعادة النظر فيما يقدم على مسارحها المعروفة القومى والطليعة والحديث من خلال خطة ثقافية واضحة ممنهجة لإعادة المسرح المصرى للصدارة، فلا أحد ينكر أن هناك إنتاج مسرحى لكن دون المستوى المرجو لذلك لابد من إعادة النظر للمنظومة الثقافية كاملة.
قبلة الحياة للمسرح
ويبدو أن الأقاليم هى نقطة إلتقاء لجيلى الرواد والشباب إذ يرى محمد الشرقاوى المخرج المسرحى الشاب أن بوادر إنفكاك أزمة المسرح كانت على يد الشباب وقوافلهم التى تجوب محافظات مصر لتشهد الأقاليم تحول من فترة ركود إلى فترة حراك.
ويؤكد الشرقاوى أن جيل الشباب أثبت جرأة منذ عام 2012 فى الوقت الذى كانت فيه كل المسارح مغلقة ومايقدم عليها نصوص سطحية بعيدة عن مشاكل الناس الحقيقية منح المسرح قبلة الحياة، لكن الشباب استطاع الوصول إلى الشارع ومعاناة الناس وقضاياهم اليومية بمسرحيات ونصوص مميزة مثل «منزل الغرباوى « وحدث فى بلاد السعادة» و»ولاد البلد»، و»عاشقين ترابك»مسرحيات وصلت إلى حلايب وشلاتين وتجولت فى محافظات الصعيد، الشباب هو الحل فى انفراجة الأزمة فهو لم يعتمد على منح واعتمد على مجهوده بعدما كان هناك 3 أو 4 مخرجين هم المسيطرين على الساحة المسرحية.
ويضيف الشرقاوى أن الجيل القديم ينتصر للنص الغربى على حساب النص المصرى عكس الشباب فهم يحاولون قدر الإمكان العودة إلى النص المصرى الذى يمس حياة المصريين، والمخرجين الشباب ينتصرون للنص المصرى ولجيلهم وعروضهم استهدفت حتى الآن 50% من مساحة مصر حلايب وشلاتين وجنوب سيناء، قنا وأسوان الأقصر الفيوم والبحر الأحمر والدلتا، مادامت لديهم الرغبة فى الوصول سيصلون إلى أهدافهم.
الشباب يبتكر أدواته للظهور
ويرى د.علاء الكاشف مؤلف ومخرج مسرحى أن تفعيل آليات التواصل يضمن وصول النص المسرحى إلى الجمهور، ولانستطيع فرض المخاطرة على أصحاب دور النشر إذا ً لم يتبق لنا سوى العرض إلى الجمهور وأساس هذه العملية هو المخرج فهو من يقوم باختيار النص، لذا اضطررت إلى إخراج النص المسرحى الخاص بى ليرى النور ويدخل مسابقة ليراه الجمهور والنقاد ويقيموا العمل تلك هى آليات التواصل المفترضة مخرج واعى ينتقى نص جيد فيعرضه ومصر لاتخلو من المبدعين وهذا مايمكن للجميع لمسه فى مسابقات المسرح لا تخلو مسابقة من كاتب مصرى يتصدر المراتب الثلاثة الأولى لكاتب مصرى شاب.
ورش اعتماد المخرجين
الروتين هو أحد أعظم الأمور التى تعانى منها مؤسسات الدولة ومن الخطوات الإجرائية التى قد تتسبب فى تأجيل وتأخير وربما إلغاء بعض الأمور والفعاليات التى تنظمها، من بينها ما تعانيه الهيئة العامة لقصور الثقافة، وبالتحديد مشروع ورش اعتماد المخرجين الذى أطلقته إدارة المسرح، التابعة للإدارة المركزية للشئون الفنية بالهيئة، لاعتماد مخرجين جدد، لكن رغم أن المشروع بدأ منذ نحو عامين لم تكن هناك خطة زمنية واضحة له..
الهواة هم مستقبل المسرح وكانت خطوة جيدة من الدولة فى اعتماد مخرجين منهم لأن معظم خرجين المعاهد يلجأون إلى التليفزيون ويبقى الهواة وحدهم مؤمنين بدور المسرح وتجديده، وكون قصور الثقافة تتبنى مشروع لإعتمادهم هو شيء مشرف فلماذا توقف.
يرى الكاشف أن الشباب هربوا من عبادة النصوص السياسية إلى رحاب الإشتباك الإنسانى وهو الأوسع والأكثر صمود عبر الزمن فكل ماكتب عن أيدلوجيات معينة انقضى وقتها وظروفها، لكن القضايا الإنسانية نصوصها عاشت ومستمرة عبر الزمن، لكن المخرجين يركنون إلى المنطقة الآمنة مع النصوص العتيقة فى حين أن المسرح تجربة بحاجة إلى جرأة لابد أن يتحمس لها الشباب والرواد نصاً وعرضاً، مؤسسات الدولة تدعم نشر النصوص المسرحية ولكن لديها تكدس وأولويات أمثال الهيئة العاملة للكتاب وقصور الثقافة كذا العروض المسرحية للشباب على مسارح الدولة فآخر عرض لى كان على مسرح الغد، لذا لايمكننا أن نلقى المسئولية كاملة على مؤسسات الدولة ميزانية الإنتاج والإقامة والعرض أين رجال الأعمال أين دور النشر الخاصة العروض المدعومة بالدعاية الكافية الجميع يخشى المغامرة، علماً بأن رغم الدعاية المحدودة إستطاع الشباب جذب شريحة عريضة من الجمهور يبحثون عن أعمالنا ويتابعون عروضنا ويحضرونها..
يقترح الكاشف عمل مسابقة للنصوص المسرحية للشباب ولجان متخصصة لتقييمها والنصوص الفائزة منها يتم ضمها إلى مكتبة ضخمة للنصوص المسرحية تكون مرجعاً للمبدعين فى إختيار نصوصهم المقدمة للمسرح.
النص المصرى فى مواجهة الأجنبى
غياب النص المصرى عن المهرجان القومى للمسرح لاقى حالة غضب من قبل كثير من كتاب ونقاد المسرح أمثال الكاتب والناقد المسرحى جرجس شكرى الذى خصص مقاله فى «أخبار الأدب» للحديث عن تفشى الظاهرة بعنوان «المهرجان الأجنبى للمسرح المصرى والهروب من الواقع»وأعتبره شكرى بمثابة بلاغ إلى الرأى العام وإلى من يهمه الأمر للتحذير من غياب المؤلف المسرحي، بل ولن أبالغ إذا قلت من إهماله واستبعاده تماماً من الحياة المسرحية والدليل المشاركة المحدودة للنصوص المصرية فى المهرجان القومى للمسرح فى دورته الحادية عشرة، وخاصة فى مسرح الدولة!
ويشير شكرى فى مقاله أن لجنة التحكيم وجدت نفسها فى مأزق سببه ندرة النصوص المسرحية المصرية المشاركة فى المهرجان والتى من المفترض أن تحصل على جوائز التأليف والإعداد، حيث أعتمد السواد الأعظم من العروض على النصوص الأجنبية وبعض العروض القليلة على الإرتجال تحت عنوان التأليف الجماعى.
من السابق يتبين لنا أن هناك أزمة حقيقية فى إنتاج النص المسرحى المصرى وعرضه والهروب إلى النصوص الإجنبية والتى يرى د.خالد رسلان الناقد المسرحى أنها ترجع لعدة أسباب على رأسها أن العملية الفنية فى ظل الوسائل المتعدد تحتاج لإدارة مدربة فى وزارة الثقافة فهناك خلل فى الكوادر الإدارية، لا يوجد لينا إداريين مهتمين بالعمل مع المنتج الثقافى الفنى المقدم، ولكن لدينا موهوبين طوال الوقت وتبقى المعضلة فى كيفية إكتشافهم وإدارتهم، أنا لا أستطيع أن أعين عسكرى مرور يمنع النص الأجنبى فالمسرح هو الحياة يخاطب أكثر من ثقافة فى كل زمان ومكان والمخرج ينتقى النص وفقاً لرؤيته، وربما تتشابه مع قضية معينة الفنان مهموم بها فيستعين بالنص الأجنبى الأقرب، ربما كان النص المصرى بعيداً عن واقع الشباب وهو فى حالة أزمة، فالسياق الثقافى والإجتماعى الحالى غاية فى الإضطراب.
الناقد يعتمد على قواعد معينة فى تقييم العمل ويصدم بهذه النوعية من النصوص بما تحويه من سيولة، لذلك يهرب الكاتب المسرحى للنص الأجنبى الذى يتناول حقبة معينة تتجاوب مع فكرته غالباً الفترة التى تخرج فيها أوروبا من عباءة مشاكلها إلى الحداثة وهى محاولات من مفكرين الغرب للخروج من العصور المظلمة وسيطرة الكنيسة، وغالباً ما يلجأ الكاتب المسرحى المصرى لتجربة مجتمعات مشابهة لتجربة مجتمعه الذى لم يستطع تجاوزها وتجاوزتها هذه المجتمعات بنجاح.
النموذج المصرى ليس تكرارا لتجارب أحد
ويرى رسلان أنه لصناعة النموذج المصرى «النص المصرى» يجب أن نلقى الضوء على تجربته أولاً بما فيها من فكر جديد لكننا نبحث عن تصورات مسبقة لنماذج قديمة حتى فى الفن نبحث عن أم كلثوم جديدة عبد الحليم الجديد لماذا لانشجع اللون الجيد والذوق الجديد ربما كان أكثر قوة من الماضى أو قدم نموذج مختلف عنه، من الطبيعى أن نجد أن معظم مايقدمه الشباب من نصوص وأعمال للمسرح مايسخرون به من المنتج الثقافى فى الستينات لأنه لم يحقق لهم تطور مقبول ويلجأون إلى التراث العالمى مثل « الساعة الأخيرة، سبارتكوس
المبدع لو تناول واقعه لسخر منه ومن ماضيه لأنه لم يقدم له جديد واقع مغاير لما هو فيه..وهو ما نجده فى مسرحية 1980 وأنت طالع بمشاهده المنفصلة، الناقد لا ينظر للإبداع من داخل سياق مايقدمه الشباب من فترة تاريخية لفترة تاريخية أخرى، والجديد دائماً مرفوض من قبل السلطة النقدية والنخبة الثقافية كما كان الحال مع شكسبير موليير وراسين.
ويضيف رسلان قائلاً: أنا عضو لجنة مسئولة عن إختيار النصوص فى البيت الفنى للمسرح الغريب أن معظم النصوص التى نرفضها تنتج وتعرض لأن هناك ترتيبات أخرى لمديرى الفرق فرغم قرار اللجنة بضعف العمل إلا أنه يتم إنتاجه ويعرض والأعمال المميزة يتم إرجاءها وترفض، لا يوجد دراسة لنوعية الجمهور المستهدف للمسرح لذلك هناك خلل إدارى فى كل أجهزة الدولة الثقافية نشر وإنتاج الأعمال الفنية.
عودة التجريبى للساحة
على الجانب الآخر يرى الكاتب المسرحى محمد عبد الحافظ أن إلغاء مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى لم يكن حلا صائباً، فقد ظل هناك شيء مهم مفتقد نبحث عنه وهو فرصة مشاهدة المسرح العالمى الذى كان يأتى إلينا سهلاً ميسورا ويقول : أعتقد أن إضافة لفظة المعاصر للتجريبى قد فتحت الباب واسعا لمشاهدة عروض عالمية أكثر تنوعا وبعيدا عن حيز التجريب فقط، وهذا الأمر صار متاحا تحت ظل العنوان الجديد، وبدأت الأصوات المستنيرة مسرحيا تطالب بعودة التجريبى مرة أخرى لفتح الباب لمشاهدة هذا المسرح العالمى المتنوع، وتبقى العهدة على لجنة مشاهدة العروض التى يجب أن تختار كل ما هو جيد ومناسب ويفتح آفاق وعيون محبى المسرح على كل ما هو جديد ومختلف وتجريبى ومعاصر.
 وتمنى عبد الحافظ مع عودة المهرجان بدورته الجديدة شيئين قد يضيفا جديد أولا استمرار دعوة الفرق العالمية طوال العام من خلال أجندة سنوية للمهرجان، على أن تكون تلك الفرق جيدة ومتميزة وتقدم إضافة حقيقية للمسرح المصرى شكلا وموضوعا،و يتم استضافتها لمدة لا تقل عن أسبوع وقد تتجول فى أقاليم مصر مثل الاسكندرية وأسيوط وطنطا والمنصورة والأقصر،وتعامل معاملة الفرق العالمية التى تستضيفها الأوبرا والتى تشهد إقبالا كبيرا من الحضور، ويتم ذلك من خلال برنامج سنوى معروف ومعد سلفا، ومن الممكن أن تكون هناك إدارة بقطاع الانتاج الثقافى وبالتعاون مع إدارة المهرجان تقوم بتنفيذ هذا الأمر.
ثانيا:يجب أن نراجع أنفسنا ثانية فى مسألة جوائز مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى والمعاصر التى توقفت منذ الدورة السابقة،و التى أراها روح أى مهرجان ودافعه الأكبر للعمل والحماس وذاكرته التى يجب أن تظل وتتواجد وتنشط وتفعل،فذاكرة المشاركة وإن كانت جيدة ورائعة لا تغنى عن ذاكرة الجائزة التى تنتزع الفرحة من القلوب وتؤكد الجدارة وتظل معلقة فى رقبة الفرق والأعضاء الفائزين طوال العمر كتاج للنصر والفوز، وهذا أمر أيضا لصالح مصر من حيث الدعاية لها والإعلان عنها فى المحافل الدولية.