الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«كلباء للمسرحيات القصيرة» بين منصة العرض والحوار!

«كلباء للمسرحيات القصيرة» بين منصة العرض والحوار!
«كلباء للمسرحيات القصيرة» بين منصة العرض والحوار!




تجربة فريدة قدمتها دولة الإمارات العربية، على مدار خمسة أيام متواصلة انطلقت على مسرح مدينة كلباء فعاليات مهرجان المسرحيات القصيرة، تحت رعاية الدكتور سلطان بن محمد القاسمى عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وبرئاسة أحمد أبو رحيمة مدير إدارة المسرح، كرم المهرجان الفنان فيصل الدرمكى باعتباره شخصية المهرجان بهذه الدورة تقديرا لجهوده بالمسرح المدرسي، ثم شارك ضمن فعالياته 10 عروض مسرحية بعد التصفية من 20 عرضا متقدما، وتعتبر هذه الدورة السابعة من المهرجان الذى بدأ يتحسس خطاه نحو تأسيس حركة مسرحية منذ عام 2012 بهدف اكتشاف  الموهوبين وفتح باب الإنتاج لشباب لم تتجاوز أعمارهم السادسة عشر عاما!

بالطبع يعتبر المهرجان خطوة حقيقية وجادة للبدء فى تأسيس حركة مسرحية كبيرة بوضع بذورها الأولى بمدنية الشارقة قوامها الخبرة والتراكم؛ حتى وإن شابت بعض العروض أخطاء التجربة الأولى إلا أن التجربة فى حد ذاتها تكفى لشرف المحاولة، يمنح المهرجان دعما ماديا لأى مخرج لديه مشروع مسرحى جاد وليس لفرقة مسرحية، ولا توجد لائحة أوشروط سوى شرط واحد أن تقدم عروضه باللغة العربية الفصحى، يتيح المهرجان لهؤلاء الشباب الصغار فرصة الوقوف على خشبة المسرح وتقديم انفسهم وما يشغلهم من قضايا سواء بالاستعانة بمسرحيات عالمية أو عربية ولديهم فرصة الاختيار بين النصوص القصيرة التى كتبت خصيصا فى شكل الفصل الواحد بحيث لا تتجاوز الثلاثين دقيقة أو أن يقوم المخرج أو الدراماتورج بتكثيف وإعداد نص مسرحى كامل يناسب الوقت المحدد، وبالتالى يساهم المهرجان فى عمل صحوة وحراك مسرحى بهذه المدينة الصغيرة بجانب استفزازه وتحفيزه لمشاعر هؤلاء الشباب بمنحهم جوائز مالية مع نهاية فعالياته، تجربة شديدة التميز والابتكار ليس فقط فى فكرة المنح والدعم، لاختيار شباب فى أعمار متباينة أصغرهم لم يتجاوز السادسة عشرة ولم يسبق له تقديم تجارب من قبل، بل تعتبر هذه تجربته الأولى على خشبة المسرح تشارك فى حلبة تسابق لمحكمين من دول مختلفة، وهو ما يفتح المجال  لاكتساب المزيد من الخبرات التراكمية وبناء موهبة تتدرج وتنضج بمرور الوقت والزمن، ثم تفتح الأفق لصناعة وتشكيل حركة مسرحية مقبلة بقوة بدولة الإمارات العربية.


إبراز العنصر النسائى


لم يكتف المهرجان بتقديم مواهب شابة لا تزال فى عمر الزهور بل يرسخ ويفعل إطلاق حركة فنية نسائية وبقوة وهو ما بدا واضحا بفتح المجال لمشاركة قوية وواثقة للعنصر النسائى وهو ما اثنى عليه جميع الحضور وكانت منهم المخرجة آمنة النقبى والتى تقدمت بعرض «الأعمى والمقعد» للمؤلف السريلانكى درما سينا باتيراجا، «الصورة» للمخرجة دينا بدر وتأليف سيلافومير مروجيك، «روميو وجوليت» إخراج شمسة النقبى وتأليف وليم شكسبير وبالتالى تسعى الإمارات لتغيير موروث ثقافى ظل عالقا بدول الخليج وهو زوال التحفظ تجاه المرأة وعملها فى مجال الفن على وجه التحديد فما كان ملفتا وبشدة اتساع فرص المشاركة النسائية بمراحل عمرية متفاوتة.


بين «الطاعون» و«حالة الطوارىء»

 

كما سبق وذكرنا شارك ضمن فعاليات المهرجان عشرة عروض مسرحية وافتتح فعالياته بعرض «الطاعون» عن نص «حالة طوارىء» للمؤلف ألبير كامو إخراج سعيد الهرش يعد سعيد أحد ابناء المهرجان الذين بنيت لديهم خبرة تراكمية من طول التجارب والمشاركة وهو الآن أصبح فى طريق التأهل للمشاركة بالمهرجانات الكبرى مثل أيام الشارقة المسرحية، كتب كامو المسرحية عن مدينة يعانى أهلها مثل باقى البلاد من ظلم وتعسُّف القضاة وتملّقهم، وسكوت الفقراء ورضاهم بأقدارهم، ثم تأتى حالة الطوارئ، بهجوم الطاعون على المدينة، لكن الكاتب لم يستخدم الطاعون مثل المتعارف عليه كداء وعدوى، بل جسده فى صورة رجل، وربما كان من أفضل وأشد الممثلين تميزا بالعرض محمد جمعة الذى لعب دور الطاعون ويجسد المخرج رؤيته هنا على الواقع العربى والطاعون الذى يراه اليوم فى 2018 فى الحكام ورجال الدين المتناقضون الذين يقولون مالا يفعلون تناول ذكى لمخرج العمل فى تقديم رجل الدين بزى إسلامى وهو ما جعل الإسقاط جليا على الواقع العربى الحالى لما يشهده من فساد رجال الدين وهو الطاعون الذى اصبح يهدد الأمة الإسلامية بأكملها وذلك برغم إحتفاظه بالأسماء المسيحية للنص الأصلى وهو ما أدى بالضرورة لحالة التناقض الحقيقية التى يعانى منها هذا الرجل بعدم اتساق اسمه مع ملبسه، كان العمل من بين العروض المميزة وحصل مخرجه على جائزة لجنة التحكيم الخاصة وجائزة أفضل ممثل لمحمد جمعة عن دور الطاعون، قدم المخرج محمد الحنطوبى رؤية أخرى لنفس النص «حالة طوارىء» لألبير كامو ربما اعتمد وتميز فى تقديم صورة وتشكيلات جماعية جيدة أكثر من تقديمه لمواهب تمثيلية قوية وحصل الحنطوبى على جائزة أفضل سينوغرافيا.


«مغامرة رأس المملوك جابر»


حملت هذه الدورة الكثير من المفاجآت أولها أعمار المشاركين بها ثم مستوى الوعى المرتفع لهؤلاء برغم صغر سنهم جميعا بدا هذا جليا واضحا فى عرض «رأس المملوك جابر» لمخرج شاب لم يتجاوز العشرين عاما قام بتكثيف وضبط النص الأصلى لسعد الله ونوس واختزاله فى نصف ساعة وهو من أهم وأمتع نصوص ونوس لكن المخرج بذكاء وجرأة كثف واختزل النص لتوضيح رسالته مباشرة، لخص فكرته الأساسية بحصر الصراع فى بداية العرض بين الخليفة والوزير على كرسى الحكم فى مشهد حركى حمل معنى عميق دون كلمة واحدة بوضع الكرسى فى المنتصف وشده بحبل من طرفيه فكليهما يشد السلطة وينزعها من الآخر لينفرد بها وحده، ثم استعراضه لحيرة وطموح المملوك جابر الذى يتراقص على الأروجوحة يمينا ويسارا متمنيا الزواج من زمردة والتى يضحى بنفسه من أجلها ومتمنيا الوصول إلى مكانة مرموقة فى الدولة، لكن هل يملك هذا المملوك حلمه أو بمعنى أدق هل يملك رأسه التى تفيض بهذه الأحلام، هنا يدخل المخرج والمعد فى صلب القضية فهذا الرجل لم يملك حتى أن يحلم لأن رأسه وعقله أصبحوا ملكا لغيره فهى رأس استغلتها السلطة لتحقيق مصلحة ما ثم قطعتها بعد انقضاء هذه الملصحة، فمن أجل مطامع الوزير فى عزل الخليفة وتولى السلطة يستعين بملك العجم كى يساعده فى التخلص منه وفى هذا الوقت يتطوع المملوك جابر ببيع رأسه للوزير كى يكتب عليها رسالته لملك العجم طمعا فى أن يزوجه حبيبته زمردة وأن يمنحه مكانة مرموقة فى المجتمع وكتب الوزير على رأس جابر «لكى يظل الأمر سرا بيننا أقتل حامل الرسالة من غير إطالة» وهكذا دفع جابر ثمن حلمه رأسه التى صمتت إلى الأبد، كما ذكرنا قدم المخرج بتكثيف غير مخل وموحى الفكرة الرئيسية لمسرحية ونوس وجاء مشهد القتل بقطع رأسه شديد القوة والإيحاء بنهاية العرض استحق عليه المخرج جائزة أفضل عرض وافضل ممثل لعبد الله الخديم فى دور جابر الذى قدمه بمهارة وإحتراف.


«الصورة» و«شايلوك»


كان من بين الأعمال المميزة أيضا عرض «الصورة» للمخرجة دينا بدر الذى تناول قصة رجل يمر بأزمة نفسية طاحنة بعد ارتكابه لجريمة قتل صديقه أثناء تأدية واجبه يظل هذا الرجل فى حالة من الشعور بالندم وتأنيب الضمير ويحاول الاعتراف بخطيئته كى ينجو من هذا الذنب لكن دون جدوى قدمت المخرجة والممثلون لحظات مسرحية شديدة التميز والإيحاء باستخدام برواز له ستارة بيضاء يبقى الممثلون وراءه فى وضع الظل وكأنهم اشباحا متحركة أسيرة أفكار وتقلبات نفسية متلاحقة، شارك بطولة العرض هانى الطمبارى، محمود النجار ودينا بدر وحصلت مخرجة العرض على جائزة أفضل مخرج وأفضل ممثلة، وفى عرض «شايلوك والعاصفة السوداء» عن نص تاجر البندقية قدم المخرج رامى مجدى معالجة درامية مبتكرة لشخصية شايلوك اليهودى الذى يطالب بقطع رطل لحم نظير المبلغ الذى اقترضه منه انطونيو تتوالى الأحداث ويكشف المخرج عن فكرته ومعالجته الدرامية التى اعتبرت شخصية شايلوك امتدادا للجماعات الإرهابية فهم أحفاد هذا الرجل كما اشارالى أسقط هذه الشخصية على الواقع الحالي، فهذه الجماعات اصبحت ترتكب جرائم باسم حقها فى الحياة والجهاد فى سبيل الله، معالجة درامية جيدة ومبتكرة لنص شكسبير الأشهر لكن كان ينقصه تخفيف حدة المباشرة والإصرار على تكرار المعنى فى أكثر من مشهد بدمج هذه الشخصية بحياتنا الواقعية فمنذ المشهد الأول لظهور الجماعات الإرهابية وضحت رؤية المخرج ولم يكن بحاجة إلى تكرارها فيما بعد، لكن إجمالا يعد العمل خطوة جيدة فى تقديم معالجة درامية تحاكى الواقع العربى والمصرى على وجه الخصوص، وحصل الممثل أحمد بركات على جائزة أفضل ممثل فى دور انطونيو، كما شارك ضمن فعاليات المهرجان عروض «الأعمى والمقعد» تأليف درما سينا باتيراجا وإخراج آمنة النقبى، «روميو وجوليت» إخراج شمسة النقبى تأليف وليم شكسبير، «صديق» تأليف أدموند ساى وإخراج محمد حاجى، «فى العربة» تأليف أرتو آداموف وإخراج يوسف المغني، «أناس فى الريح» تأليف ويليام انج وإخراج على بيشوه، وحصلت الممثلة اسيل زين العابدين على جائزة افضل ممثلة عن عرض «أناس فى الريح»، ومريم النقبى فى دور الأخت عن عرض «العربة».


تجاوز المحلية

 

ينفرد هذا المهرجان ويتميز بمحليته باقتصاره على المشاركات من أهل البلد فقط وتشجيعهم وتنمية حب المسرح والفن داخلهم، بينما فى الوقت نفسه لم يشأ صناعه الانغلاق على انفسهم؛ فأكسبوه صبغة دولية عن طريق دعوة عدد كبير من الباحثين والنقاد من دول عربية متنوعة للمشاهدة والمشاركة بالنقد والتحليل والمتابعة من خلال الندوات التطبيقية التى اعقبت كل عرض مسرحى بجانب الملتقى الفكرى الذى نظمه المهرجان وشارك به أساتذة وباحثون لبحث وتعريف فكرة المسرحيات القصيرة ومنحهم ورشا فنية على يد متخصصين من بلدان عربية مختلفة ولجنة التحكيم التى ضمت أعضاء من تونس فاطمة فالحى ومن العراق هيثم عبد الرازق ومن الجزائر محمد بوكراس برئاسة وليد الزعابى من الإمارات ونبيل إبراهيم المازمى الإمارات؛ وجاء الملتقى الفكرى بعنوان «المسرحيات القصيرة بين النص والعرض» شارك بهذا المحور هبة بركات من مصر، هشام شكيب فرنسا، حليم هاتف العراق، محمد بن هانى الأردن، مرعى الحليان الإمارات، نوفل عزارة تونس، خالد الجنبى المغرب، رضا جاسم العراق، ثم ملتقى الشارقة السادس للبحث المسرحى وشارك فيه أحمد عبد المنعم من مصر، سليم شنة الجزائر، الحسين ابوعسرى المغرب، هكذا حقق المهرجان معادلته الصعبة بتقديم منتج محلى منحه صبغة دولية باستدعاء ودعوة المشاركين لإقامة منصة مسرحية تناقش هذه الأعمال التى غلف معظمها ببكارة التجربة الأولى، بينما كان من اهم اللقاءات والندوات التى عقدت بهذه الدورة ندوة الاستماع إلى أفكار ومطالب المشاركين بحضور مدير إدراة المسرح أحمد أبو رحيمة والذى استمع بصدر رحب لأقوال الجميع الناقدة والمؤيدة ووعد بتحقيق والإجابة عن كل التساؤلات التى تدور بأذهان الشباب المشاركين ومنها ضرورة منح فسحة من الوقت للتدريب والتحضير للعروض قبل موعد المهرجان بمدة كافية وإعادة النظر فى المعايير التى يتم عليها اختيار عروض المهرجان بجانب ذكر هذه المعايير وتوضيحها للمشاركين عن طريق عقد لقاءات ومحاضرات معهم، طالب أحدهم بأهمية الخضوع لفترة طويلة من التدريب والتعليم قبل اتخاذ القرار بالوقوف على خشبة المسرح، كما ذكرت لجنة التحكيم فى توصياتها ضرورة مراعاة الفرق العمرى بين الشباب المشاركين الذى وصل إلى 15 عاما بين مخرج وآخر، وضرورة منح ورشات فى الصوت والإلقاء لتطوير الأجهزة الصوتية للممثل على ضبط الإيقاع والتنفس، تكرار ظاهرة الممثل المخرج والمخرج الممثل قد يربك العملية الإبداعية خاصة فى المراحل الأولى من التجربة المسرحية.