الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الأنبـا بيشوى حارس اللاهوت وصانع الأزمات

الأنبـا بيشوى حارس اللاهوت وصانع الأزمات
الأنبـا بيشوى حارس اللاهوت وصانع الأزمات




كتب ـ ميرا ممدوح والسيد الشورى

 

«الرجل الحديدى» داخل الكنيسة القبطية، الذى ترأسه المجمع المقدس لمدة تزيد علي ربع قرن، فضلاً عن توليه رئاسة لجنة المحاكمات الكنيسة، عرف بالشدة فى محاكمته، فهو الرجل الذى استبعد ثلاثة من أهم أساقفة الكنيسة، وهم الأنبا تكلا أسقف دشنا، والأنبا متياس أسقف المحلة، والأنبا أمونيوس أسقف الأقصر.
الأنبا بيشوى مطران كفر الشيخ ودمياط وتوابعها، ورئيس دير الشهيدة دميانة، الرجل الذى أشعل معارك كثيرة، وكان سببًا فى خلق أزمات كبيرة داخل الكنيسة، توفى مساء أمس الأربعاء عن عمر يناهز الـ 76 إثر أزمة قلبية، تاركًا وراءه إرثًا كبيرًا من الكتب والأبحاث.

المطران الذى خاض معركة ضد رواية عزازيل، وكاد يتسبب فى معركة طائفية عقب مؤتمر «تثبيت العقيدة» فى عام 2010، والذى هاجم فيه الإسلام، وهى الأزمة التى انتهت بإصداره بيانا توضيحيا عما كتبه خلال هذا المؤتمر.
الراحل الذى شغل منصب سكرتير المجمع المقدس منذ عام 1985 وحتى وفاة البابا شنودة الثالث فى 2012، تولى هذا المنصب بعد غضب البابا شنودة على الراحل الأنبا يؤانس السكرتير الأسبق، أسقف الغربية، بسبب قبوله الانضمام إلى اللجنة الخماسية التى شكلها الرئيس الراحل محمد أنور السادات، لإدارة شئون الكنيسة أواخر حكمه، بسبب خلافه مع البابا شنودة، ثم أصبح مطرانًا فى عام 1990.
ترأس الحوار مع الكنيسة البيزنطية، ووضع الاتفاق اللاهوتى الأول حول طبيعة المسيح، عقب توليه رئاسة المجمع المقدس، وقال عنه البابا شنودة إنذاك: «قدموا التهنئة لنيافة الأنبا بيشوى، فهو الذى بذل جهدًا كبيرًا فى إعداد هذا الاتفاق والوصول إليه»، والذى تبعه رفع الحروم بين العائلتين الأرثوذكسيتين، وأرسل للمجامع المقدسة لكنائس العائلتين لكى تصدر قراراتها وذلك فى عام 1990.
الأنبا بيشوى هو الأسقف الوحيد فى تاريخ الكنيسة الذى ترأس ديرا للسيدات «دير القديسة دميانة»، ويذكر تاريخ الكنيسة أن البابا يوساب الثانى كان البطريرك الثانى الذى ترأس نفس الدير بعد تحديد إقامته فيه لأسباب أخلاقية.
ومن أبرز مؤلفات الأنبا الراحل، كتاب عن الأدفنتست السبتيين، وكتاب عن التكلم بألسنة، وكتاب طبيعة المسيح عريس الكنيسة بالاشتراك مع الأنبا موسى، وخدمة الكهنوت، والاتضاع سلاح الغلبة، وكتاب لماذا الصليب بالذات، وكتاب شخصية المسيح الفريدة، وكتاب المجىء الثانى من منظور روحى، وكتاب عقيدة الكفارة والفداء وإعلان محبة الله وعدله على الصليب، بالاشتراك مع د. جوزيف موريس فلتس.

رسامته أسقفاً

قبيل رسامته أسقفاً كان الأنبا بيشوى يرفض هذا المنصب، بالرغم من وجود تزكية لإختياره أسقفًا بعد أن قام وفد من مدينة دمياط يحملون تزكية لاختيار القس توما السريانى أسقفًا علي الإيبارشية.
وواجه قداسة البابا شنودة، أبونا توما بالتزكية، وقال له: «اختار لك حاجة من اثنين، إما أن ترسم أسقفًا عامًا بمدينة القاهرة، وتهتم بضاحية مثل مصر الجديدة، أو ترسم أسقفًا لإيبارشية دمياط وكفر الشيخ والبرارى»، فأجاب أبونا توما، قائلاً: «يعني يا سيدنا الواحد يوضع بين نارين».
وفى أول مرة عرض عليه الأمر اعتذر مما اضطر قداسة البابا أن يجيب علي وفود الحاضرين، قائلاً: «اعتبروا أن هذه الإيبارشية تابعة لى… وأتركوا الأمر لتدبير الله»، كما أرسل أبونا توما خطابًا إلى البابا يعتذر فيه عن قبول السيامة.
فرد قداسة البابا الخطاب دون أن يفتحه، قائلاً: «إن قداسة البابا رفض أن يتسلم الخطاب، أنا لا أتعامل بالخطابات»، وبعد عدة لقاءات واعتذارات قبل »بيشوى» المنصب.

مقابلة ورموز ونبوءة

قصت والدة أبونا توما، قصة حدثت لها منذ وقت خطوبتها من المهندس إسكندر نقولا، والد أبونا توما، وكانت الخطبة قد بدأت بدير القديسة دميانة برارى بلقاس، وحدث أن أهداها فى ذلك الوقت خاتماً ألماظ له فص زمرد أخضر، ولكن بعد نياحة والد أبونا توما المهندس إسكندر، انتقلت لتعيش مع والدتها بالقاهرة، ضاع الفص الزمرد وإنخلع من الخاتم، وبحثت عنه كثيرًا ولم تجده، وكانت تتشفع بالقديسة دميانة من أجل أن تجده، خاصةً أنه كانت له معزة عندها.
فحلمت الوالدة أثناء نومها حلماً أيقظتها منه شابة فى ثوب نورانى لونه أخضر فاتح ويحيط بوسطها حزام مرصع بالجواهر الجميلة وعلي رأسها طرحة، وقالت لها: «أنا دميانة لا تزعلى، فص الخاتم لم يفقد هو هنا قومى خذيه، فتطلعت فرأت فص الخاتم يلمع بالفعل أسفل الدولاب ولكنها بعدما قامت من الفراش تحسست المكان أسفل الدولاب وحوله فلم تجد شيئًا».
وبعد مدة وأثناء تنظيف الشقة بالقاهرة، كان الابن مكرم وعمره نحو 7 سنوات واقفًا أثناء عملية ترتيب الشقة، وفيما هو يلعب مندفعًا نحو الدولاب الذى كان موجودًا هناك، صدمت يده مكنسة تحت الدولاب فطار فص الخاتم الأخضر، إذ كان واقعًا يلمع داخل شق بالمشمع الذى يغطى الأرضية أسفل الدولاب، وعندما صدمت المكنسة الأرض ظهر، فمضى الابن مكرم يخبر والدته، قائلاً: «رأينا الفص كما قالت الست دميانة»،  حينئذ أجاب أبونا صرابامون، قائلاً «إن الفصوص درجات كهنوتية كما ظهر من رؤيا يوحنا اللاهوتى».

أزمة «عزازيـل»

انفجرت فى عام 2008، بين الأنبا بيشوى، والكاتب يوسف زيدان رئيس قسم المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، الذى وصفه المطران الراحل بـ«صديقه السابق» عقب نشر رواية «عزازيل»، وتبعها إصدار «بيشوى» كتاب بعنوان «الرد على البهتان فى رواية يوسف زيدان، بحث وثائقى وتاريخى وعقائدى لمواجهة عزازيل».
وسبق الكتاب بيان أصدره المطران الراحل، قائلاً فيه: «لم نكن نتوقع من صديقنا السابق د. يوسف زيدان، أن يهاجم القديس كيرلس عامود الدين بطريرك الإسكندرية الرابع والعشرين، بمثل هذا العنف فى روايته العجيبة «عزازيل» التى حاول أن يأخذ فيها منحى المؤلف «دان براون» فى روايته «شفرة دافنشى».
ووصفه مطران دمياط، بأنه يحاول تدمير العقيدة المسيحية الأصيلة، مضيفًا: «نتعجب من تدخله السافر بهذه الصورة فى أمور داخلية تخص هذه العقيدة المسيحية، خاصةً أنه فى موقع وظيفى له ثقله التاريخى والدولى، يقتضى عليه أن يكون محايدًا».

الهجوم على البروتستانت

فى عام 2009، وقع اشتباك بين الأنبا بيشوى، والكنيسة الإنجيلية فى مصر، وشهد مؤتمر تثبيت العقيدة الهجوم على الكنيسة الإنجيلية متهمًا إياها بمحاولات لاستقطاب الشباب القبطى.
وأطلق الأنبا بيشوى لقب «المخطط البروتستناتى» لزيادة عددهم فى مصر، ومضاعفته فى العشرين عامًا القادمة، مستندًا على خطة وضعتها الكنيسة لانشاء استاد يسع عشرة آلاف متفرج، ملحق بالاستاد ملاعب مغطاة وحمام سباحة مغطى وفندق ضخم.

أزمة تثبيت العقيدة

فى سبتمبر 2010، قال الأنبا بيشوى: «الأقباط هم أصل البلد وأن المسلمين حلوا ضيوفًا فى بلدنا «مصر»، واعتبرناهم إخواننا، كمان عايزين يحكموننا»!، كما تتسبب فى موجة شديدة من الغضب بعد أن لوح بـ«الاستشهاد» للحيلولة دون إخضاع الأديرة تحت رقابة الدولة، أسوة بالمساجد»، وهو ما اعتبره مثقفين أقباطا «فتيل لإشعال فتنة طائفية».
وفى تصريح آخر له طالب الأنبا بيشوى، بضرورة مراجعة بعض آيات القرآن الكريم التى تتحدث عن المسيحية، لعدم تأكده من توقيت نزولها، قائلاً: «إن النص الذى يكفر المسيحيين لا أعرف متى قيل، هل فعلاً فى عهد رسول الإسلام، الذى أكد أننا أشد مودة للمسلمين أم لا، لأن النص به تجريح».
وبعد تصاعد التنديدات بتصريحاته، ومطالبة بعد الهيئات الإسلامية بمحكامته واتهامه بإثارة الفتنة الطائفية، تراجع الأنبا بيشوى، وأصدر بيانًا أكد فيه حرصه على سلامة الوطن بمسلميه ومسيحييه، وحماية الوحدة الوطنية.
وأكد: «أعلن أننى دائمًا أحرص على المناداة بمبدأ عدم التجريح فى الأديان ورموزها، وعدم المساس بالديانة الإسلامية على وجه الخصوص، لأن إخوتنا المسلمين هم شركاء فى الوطن، ولأن تعاليم السيد المسيح والآباء الرسل تدعونا إلى احترام الآخر وعدم المساس به».

استبعاده من المجمع المقدس

عقب انتشار شائعة عزله من سكرتارية المجمع المقدس، خاض «بيشوى» معركة للحفاظ على موقعه من الشائعات، حيث أصدر بيانا وصف فيه هذه الشائعات بـ«كاذبة ومغرضة»، بدأها رئيس جمعية الإيمان بالمحلة الكبرى، وأضاف إليها البعض من جهات أخرى، ولا يجب إن يلتفت إليها أحد.
وأكد بيشوى أن البابا أنابه فى افتتاح المؤتمر الدولى للقبطيات الذى يقام هذا العام فى الأنبا رويس بالقاهرة، 14-21 سبتمبر 2008، والذى سيحضره نحو 300 من علماء القبطيات و250 منهم من الأجانب.

المحاكمات الكنسية

«إننى أحافظ على قدسية المذبح»، شعار رفعه المطران الراحل خلال ترأسه للمجلس الإكليريكى، مؤكدًا أن كان عمل الأسقف هو التوجيه والإرشاد فإن عمله الأول أيضًا أن يحفظ قدسية الكنيسة التى هى بيت الله وأن يعاون المسئولون عن الخدمة بها أن يحيوا حياة القداسة.
وخلال ترأسه لجنة المحاكمات الكنسية، والتى كانت تتم بدون «قانون مكتوب»، والتي نالت من الأنبا متياس أسقف المحلة، وتم إيقافه والأنبا أمونيوس أسقف الأقصر، والتي تم سجنه فى الدير، وكذلك الأنبا تكلا أسقف دشنا، والذي كان له نفس المصير السابق، إلي جانب عدد من الآباء الكهنة منهم القس داوود عبدالسيد، والباحث جورج حبيب بباوى.

حلم البطريركية

 وفاة البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريك الكرازة المرقسية، خرجت بعد الآراء التى زعمت أن البابا القادم لن يخرج عن شخصيات ثلاث هم الأقوى داخل الكنيسة المصرية ما لم تحدث مفاجآت، وهم: الأنبا بيشوى سكرتير المجمع المقدس، والأنبا موسى أسقف الشباب، والأنبا يؤانس سكرتير البابا شنودة.
إلا أن عددًا من الطعون تقدمت ضده أدت إلى استبعاده من الانتخابات البابوية، فتقدمت حركة الكرسى المرقسى، بطعن على ترشح الأنبا بيشوى لمنصب الكرسى البابوى، وأوضح الطعن الذى تم إرسال نسخة منه للأنبا باخوميوس القائم مقام، وللجنة الطعون، بضرورة البحث حول ما أثير عن زواج «شقيقة» الأنبا بيشوى من مسلم، بالإضافة إلى تصريحاته المثيرة للجدل، والتى دائمًا ما تعبر عن عدم قبول الآخر، مثلما جاء بالطعن.