الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

البهجورى: شايف الغلابة «لسه غلابة» والفقراء «لسه فقراء»




 واحد من طليعة رسامى الكاريكاتير المصريين، اشتهر فى بداية مشواره برسمه للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إنه فنان «الخط الواحد»، المتمرد، العفوي، الصادق، إنه الفنان جورج عبد المسيح بشاى شنودة جرجس الشهير جورج البهجورى، الذى يشع رغم ثقل أعوامه الثمانين البهجة فى حضوره، ورغم إقامته فى باريس منذ 40 عاما، لازال يرسم مصر أكثر من الموجودين بالقاهرة، منحته باريس مزيدا من الحرية والتحرر فى الشكل الفنى والفكرى والفلسفى للفن، إلى إن أصبح فنانا تشكيليا، رسام كاريكاتير، نحات، كاتب، يأتى لمصر بشكل دائم والحنين لا يترك قلبه وعقله وخطوطه، كان لنا معه هذا الحوار الذى غلب عليه الحكى والبسمة والتفاؤل.
 
 

 
■ حدثنا عن المواقف التى أثرت بك فى بداية مشوارك الفنى؟
 
- انا عندى 80 سنة ولازلت ارسم، قبل اتجاهى للرسم كنت أريد دخول كلية الطب، لأعرف أسرار جسم الإنسان، وأعرف ماذا يحدث داخله كل دقيقة، ثم انقلبت الفكرة، وقررت أن أبحث عن روح الإنسان ومشاعره وأفكاره، الرسم حبى الأول والأخير وعشرة سنين، عندما كنت طفلا كنت أحب أن أرسم أهلى وانتقدهم، لأنهم كلهم يلبسون عمائم على رأسهم، كنت دائما اضحك عليهم ويطرودنى من جلسة الكبار فقد كنت طفلا مشاغبا، يزعلوا منى شوية وبعدين يضحكوا، كنت أدخل غرفتى وأرسمهم، لكن الهزار تطور وبدأت أرسم المدرسين والزملاء فى المدرسة بالطباشير، وكنت أرسم وجوه حزينة فى بداية مشوارى بسبب فقدى لأمى مبكرا.
 
■ وماذا عن فترة دراستك فى كلية الفنون الجميلة وذكرياتك؟
 
- أثناء دراستى بالكلية كنت أرسم كل أصحابى، ومرة رسمت بيكار أستاذى فى الكلية، وزملائى توقعوا أن يزعل منى، لكنه ضحك وأخذنى عرفنى على «صاروخان» و»رخا» ثم دخلت «روزاليوسف»، وعندما شاهد الحسين فوزى رسوماتى قال لى: «العب يا ابنى بالقلم العب يعنى يقصد اتحرر فى خطوطى اكثر، فى الكلية قابلت صلاح طاهر وجمال السجينى وعبد الهادى الجزار وغيرهم، كنت متمردا على الدراسة المنهجية والطبيعية الصامتة، كنت مؤمنا برأى هربرت ريد: أن الفنان يرسم ما يعرفه ويحسه ولا يرسم ما يراه»، أى البصيرة قبل البصر، والعقل قبل العين.
 
■ نعلم أنك ناصرى ولك ذكريات مع فترة الستينيات حدثنا عن بعض هذه الذكريات!
 
- أنا أعشق فترة الستينيات، فأنا ناصرى بشدة، لو كان عبد الناصر موجود كانت مصر اتغيرت كثير، كنا كلنا أبطال، حالة كده حلوة ... أم كلثوم بتغنى وحجازى وأنا ورجائى ونيس وصلاح جاهين نرسم، وفؤاد قاعود وفؤاد حداد يكتبون شعرا، لأن كل شيء عندى يعتمد على الخط، وإيمانى بقيمة الخط يجعلنى دائما أحمل بيدى كراسة فى الشارع، قابلت الفنان أبو العينيين نجم الفن فى «روزاليوسف»، وكان وقتها مديرا للتحرير وقدمنى لإحسان عبد القدوس، وقتها رسمت مناخير عبد الناصر، كنت كل يوم أرسمها وأزيد فى طولها، وفى مرة قال لى أبوالعينين: صغر المناخير شوية علشان هانحطها لك غلاف «صباح الخير»، ومش عارفين لما الرئيس يشوفها هايقول إيه، عبد الناصر كان يغضب أحيانا وفى مرات أخرى يضحك قوى، لكن بعض قيادات حوله كانت تمنع رسوماتى من جريدة «الجمهورية».
 
 

 
■ حدثنا عن إقامتك فى باريس منذ 40 عاما؟
 
- سفرى إلى فرنسا لاستكمال دراستى وليس لسبب آخر، سافرت قبل موت عبد الناصر، تعلمت المذاهب الفنية ودرست فى مدرسة الفنون بمعهد اللوفر وتعلمت النحت فى فرنسا جعلتنى فنانا شاملا لكن مصر لا تفارقني، باريس نقطة تحول فى حياتى فجرت فى داخلى مواهب كثيرة، فاكتشفت أهمية الكتابة، عام 1995 بدأت الكتابة، كنت وقتها منبهراً بقراءة ما يصدره أغلب الكتاب والروائيين فى العالم، وقد أنتجت كتابتى الثلاثية الأيقونة، كان اسمها «أيقونة فلتس»، كانت حكايات سيرة ذاتية عنى وعن أسرتى، وبعدها «أيقونة باريس»، و»يهجرنى فى المهجر» وآخرها «أيقونة شعب»، وشجعنى على الكتابة كبار النقاد ووصفإدوارد الخراط أسلوبى فى الكتابة بأنه يشبه خطوطى فى الرسم، أنا أحب البحث دائما، وعندى حكايات عنى أنا والقلم، وعنى أنا والريشة، كلها حكايات موجودة بداخلى لم أكتبها بعد.
 
■ كيف تختار موضوع الفنى لتحديد المعرض؟
 
- لا أحدد شيئا بشكل مسبق، قبل بدء العمل الفني، وإلا سأتحول لموظف بالفن مش فنان، فى البداية تكون عندى رغبة فى تنفيذ عمل فنى ثم أكتشف الفكرة أثناء التنفيذ، وتتكون الفكرة على الورق أو على القماش أو على أى خامة، ثم يتم اختيار التقنية، لأن الفكرة هى التى تفرض التقنية وليس العكس، أنا أفضل أن يترك الفنان انفعاله مع الخامة ويرسم، ولا يحدد شيئا إلا فى أضيق الحدود، لو فى موضوع يفرض نفسه زى رسوم الكاريكاتير الخاصة بالثورة مثلاً الحدث قائم وموجود.
 
■ كيف ترى ما يحدث من منع الرسومات رسامى الكاريكاتيرى؟
 
- منع الرسوم اعتبره إهانة للفنان والفن طبعا، كل دول العالم تحترم فن الكاريكاتير وتقدره، هو فن تحريض على الحق ونقد وتعبير عن غصب وممكن كمان يكون حب وفكاهة بسيطة بأسلوب راق مش بتجريح، رسامين كثير دخلوا السجون ومنعت رسوماتهم هذا أمر معتاد على مدار التاريخ فى عداه بين رسامين الكاريكاتير والسلطات أو المسئولين، لكن لازم نقاوم ونكمل، من أيام السادات وأيام مبارك ونحن ننتقد السياسية وتعرضنا للهجوم، أنا بسبب رسوماتى كنت من القائمة السودة اللى وجهوا لهم أنهم يشوه سمعه مصر نفس التهمة التى توجه للمعارضين اليوم من الفنانين والإعلامين، ولا يجب التعامل مع الفنون على أنها عورة يجب إخفاؤها.
 
المنع يزيد من شهرة الفنان ومن شهرة الرسمة، والناس هاتدور على الرسم الممنوع فتنتشر وتنجح أكثر، فأنا عندى رسومات كثيرة ممنوعة، نشرتها فى كتاب، وحققت شهرة أكثر.
 
■ أنجزت أعمالا فنية عن الثورة .. صف لنا بعضها؟
 
- أعتبر رسومى عن الثورة قرارًا اخذته بالخطوط والألوان، أدافع عن الثوار اللى ضحوا بحياتهم علشان مصر، شباب زى الورد، أنا رسمت صينية ميدان التحريرعلى شكل دائرة، زى الشمس اللى يرسموها الأطفال فى كراسة الرسم، وطلعت منها أشعة فى شكل خطوط طلعت منها أيادى، وهذا معنى الثورة عندى أنها الشمس التى تضيء ظلمة مصر، ورسمت النسر وعملت وأيدى الثوار هى جناحه فم النسر مفتوح تعبيرا عن صوت الصرخة والاحتجاج الهادر والفتيات لهن وجود واضح وقد ظهرت رقبة النسر مثل رقبة جمال عبد الناصر لأنه أول ثائر أشاهده فى حياتي، ورسمت موقعه الجمل، رسمت الحصان بالمقلوب لأن من شيم الحصان انه يحمل بداخله نبل الفارس فرفض الحصان الهجوم على الثوار، وبتجذبنى جدا جملة « الشعب يريد « إحنا شعب مبدع إنا كنت موجودًا فى الثورة وكنت مع الشباب فى ميدان التحريروعندى منهم أصدقاء يتصلون بى دائما.
 
■ كيف ترى الشارع المصرى اليوم بعين رسام الكاريكاتير؟
 
- يا خبر .. إيه الزحمة دى ... كراكيب وناس وبشر زهقانه وناس تانية متفائلة فى حالة لخبطة نفسية، أنا كل يوم أمشى فى الشارع وأشوف عربة الفول وأشوف الغلابة لسة غلابة والفقراء لسة فقراء، مفيش تغيير، الجميع ينتظر العدالة الاجتماعية، كلهم أصحابى ويعرفونى كويس، أنا رسمت الفاشية والديكاتورية والارتباط بالكرسى من زمان، لأن شوفنا كتير ناس متسلطة ومسيطرة، والفساد موجود مش جديد على مصر، وأتذكر أنه أثناء تواجدى فى «روزاليوسف» رسم حجازى فى عهد إحسان عبد القدوس ولويس جريس وأحمد بهاء الدين، العسكر وهم يتحكمون فى الغلابة، فيما يشبه ما حدث فى الثورة.
 
■ وصلت للعالمية كما تنبأ لك الأديب نجيب محفوظ، حدثنا عن هذا التنبؤ.
 
- ارتبطت بنجيب محفوظ به منذ الخمسينيات، كان فى «روزاليوسف» مع الفنان جمال كامل بالدور السابع، ثم أصبحت عضوا فى شلة «الحرافيش»، أثناء وجودى فى مصر، وكان يشجعنى دائما، نعم حققت الكثير من الطموحات، وأقمت معارض فنية فى مختلف دول العالم، وعرضت أعمال فى باريس فى كوراسول اللوفر تحت الهرم الزجاجى كفنان مصرى معاصر، وكتب اسمى بجوار جان كوكتو وشارل ازنافور، وحصلت على لقب رسام البورتريه الأول فى العالم، وجائزة من إسبانيا عن رسمى لفرانكو، بس لسة عندى أحلام مفيش فنان حقيقى أحلامه بتخلص، إلا لو انتهت أيامه.
 
■ ما شعورك اليوم بمصر فى هذه الفترة؟
 
- انا من معارضى الدستور ومقاطع الاستفاء ومروحتش، قرأت الدستور كله ورافضه، لأنى متألم جدا للشباب المصابين من أول الثورة إلى مشهد قصر الاتحادية، وخائف على مصر، خائف على مصر أقول إيه تانى؟! الوضع غرقان فى المشاكل ومفيش حد بيحل حاجة، ومع ذلك متفاءل شوية، متفاءل بالشباب أصحاب الثورة الحقيقيين، أخشى أن يسيطر الفكر الدينى على كل الفنون، وأقول للفنان خليك شجاع وتحمل مسئولية فنك، ولا تجعل الخوف يدخل قلبك، ولا تجعل الخوف يتحكم فى خطوطك وألوانك، أرسم ولون الحياة زى ما بتلون الرسمة، لأن من يكتب التاريخ ه م المثقفون والمبدعون والأدباء، لأنهم تخطوا الخوف وعبروا الجسر الحديدى.