السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قمة «التعاون الثلاثى» بشرق المتوسط

قمة «التعاون الثلاثى» بشرق المتوسط
قمة «التعاون الثلاثى» بشرق المتوسط




أرسى الرئيس عبد الفتاح السيسى قاعدة التعاون الثلاثى بين مصر واليونان وقبرص لحماية تأمين المصالح المصرية فى جنوب المتوسط خلال السنوات الأربع الماضية، ومواجهة التحديات المشتركة وتحقيق التعاون المشترك فى مختلف المجالات.
وقدم التحالف الثلاثى نموذجا للتعاون الإقليمى المشترك، ذلك أنه على مدار السنوات الماضية شهدت عواصم الدول الثلاث انعقاد خمس قمم ثلاثية بين قادة تلك الدول ويستعدون لانعقاد القمة السادسة بجزيرة كريت اليونانية اليوم الأربعاء.
وسبق وأن استضافت القاهرة القمة الاولى فى نوفمبر ٢٠١٤، ثم أقيمت الثانية فى ابريل ٢٠١٥ بنيقوسيا، والثالثة فى ديسمبر ٢٠١٥ بأثينا، لتعقد الرابعة مرة أخرى فى أكتوبر ٢٠١٦ بالقاهرة، والخامسة فى نوفمبر الماضى بنيقوسيا.
وحقق انعقاد القمم السابقة لزعماء مصر وقبرص واليونان نتائج عدة، ترجمت فى اتفاقيات نص عليها إعلان القاهرة ونيقوسيا وأثينا بشأن التعاون المشترك ومواجهة التحديات المشتركة فى عدد من المجالات من بينها الزراعة والاستزراع السمكى والسياحة والطاقة والنقل البحرى المشترك والتبادل التجارى، إضافة إلى بحث القضايا الإقليمية والدولية، وجهود مكافحة الإرهاب.

توثيق العلاقة بالاتحاد الأوروبى

فلسفة التعاون الثلاثى بين مصر وقبرص واليونان تحقق فى الأساس عدد من الأهداف والنتائج الخاصة بالأمن القومى المصرى وأمن منطقة المتوسط .. هذه الأهداف يمكن تحديدها فيما يلى:
حسب ما جاء فى إعلان القاهرة 2016 عن القمة الثلاثية، فإن الشراكة الثلاثية تعد نموذجا لتعزيز الحوار وتشجيع العلاقات بين دول الاتحاد الأوروبى ودول المنطقة، وتُرجم ذلك عند تأكيد قادة الدول الثلاث على الأهمية الحيوية لعلاقة قوية وصلبة بين مصر والاتحاد الأوروبى من أجل السلام والاستقرار فى كل من الشرق الأوسط وأوروبا.
بل أكدوا أن الشراكة الاستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبى تمثل إطاراً أساسياً لمواجهة التحديات المشتركة الضاغطة مثل الإرهاب والأيديولوجيات المتطرفة، والهجرة، والتنمية المستدامة، وتحقيق الرخاء الاقتصادى.
والمكسب الأهم فى هذا الصدد أيضا اتفاق الدول الثلاث على دعم مرشحى كل منهم فى المنظمات والمحافل الدولية.

مكافحة الإرهاب

فرضت قضية مكافحة الإرهاب نفسها على أجندة اجتماعات القمم الثلاث ، حيث تزامنت مع مواجهة مصرية لقوى التطرف والإرهاب والتى استهدفت الدولة المصرية وأمنها بعد ثورة 30 يونيو.
من هنا كان حرص قادة مصر وقبرص واليونان المستمر على التأكيد على الدعم المتواصل لمواجهة الإرهاب ودعم مصر فى حربها على التنظيمات الإرهابية.
واعتبرت الدول الثلاث أن آفة الإرهاب الدولى تهدد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الساحل وإفريقيا جنوب الصحراء والخليج وأوروبا، ويتطلب هذا التهديد العالمى استجابة شاملة ومنسقة وجماعية من قبل المجتمع الدولي.
وتجاوز الموقف مرحلة الإدانة لمطالبة جميع الدول إلى مواجهة هذا الخطر بشكل نشط وفعال وتعزيز التعاون فى الشئون الأمنية لمواجهة الجماعات المتطرفة وكشف من يدعمها سياسيا وماليا.
واتفقت الدول الثلاث على زيادة التعاون فى مجال مكافحة الإرهاب، والدفاع والأمن وبحث المعلومات ذات الصلة لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف بشكل مشترك، وتعزيز الأمن والاستقرار والازدهار على المدى الطويل.

الهجرة غير الشرعية

ملف الهجرة غير الشرعية أحد أبرز التحديات المشتركة التى كانت حاضرة باستمرار على أجندة قادة الدول الثلاث، ونظرا لأهميتها وضع التحالف الثلاثى منهجا شاملا للتعامل مع تلك الظاهرة، منهج لا يُركز فقط على البعد الأمنى وترحيل المهاجرين غير الشرعيين، وإنما يُركز على قضايا تنظيم الهجرة الشرعية كالهجرة الموسمية، وتسهيل إجراءات الحصول على التأشيرات، إلى جانب دعم التنمية فى دول المصدر والعبور.
كما كانت قضية اللاجئين حاضرة حيث اتفق قادة الدول الثلاث على ضرورة حل تلك المحنة من خلال تقليص الحوافز للهجرة غير الشرعية بالتعاون مع المفوضية الأوروبية من خلال نهج متوازن وشامل، ينصب على الاستثمار فى التنمية والقضاء على الفقر، وبخاصة من خلال تعزيز النمو الاجتماعى الاقتصادى وتوفير فرص العمل، وكذلك من خلال التحقيق مع شبكات المهربين وتعطيلها ومحاكمة أفرادها، وبناء شراكات أقوى بين دول شمال وجنوب المتوسط، بإطلاق مبادرات فى شمال إفريقيا لمساعدة المنطقة على أن تصبح أقوى فى عمليات البحث والإنقاذ.

اكتشاف الغاز بالمتوسط وتعد قضية الغاز وثروات الدول الثلاث من الطاقة إحدى أهم القضايا المشتركة فى اجتماعات القمة الثلاثية، وذلك لحماية ثروات كل دولة ومواجهة الأطماع الإقليمية والدولية على ثروات الغاز بالمتوسط.
وفى هذا الإطار اعتبر قادة الدول الثلاث أن اكتشاف احتياطات مهمة من النفط والغاز فى شرق المتوسط يمكن أن يمثل حافزاً للتعاون على المستوى الإقليمي، وأكدوا أن هذا التعاون ينبغى أن يكون قائماً على التزام دول المنطقة بالمبادئ المستقرة للقانون الدولي.
والأهم فى هذا الصدد هو اتفاق قادة تلك الدولة على ترسيم حدودنا البحرية فى إطار معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار.
ويحقق هذا الترسيم مكاسب عدة خاصة للدولة المصرية، حيث يمكنها من القيام بالمزيد من عمليات التنقيب والبحث عن الثروات الطبيعية بالبحر المتوسط لتضاف لاستكشافات مصر الأخيرة من الغاز والتى من أهمها حقل ظهر للغاز الذى سيبدأ إنتاجه مع نهاية العام الحالى.
يضاف إلى ذلك المجال أيضا مجال النقل البحرى كأحد المجالات المميزة للتعاون المشترك فى ضوء الموقع الجيوستراتيجى والإمكانيات السياحية للدول الثلاث، وهو ما أكد عليه بيان النوايا الثلاثى المشترك بشأن التعاون فى مجال النقل البحرى وتنمية الموانئ.
يضاف ذلك إلى تعزز الإمكانيات المشتركة لزيادة تعزيز التعاون الثلاثى فى مجال الطاقة، وبخاصة فى مجالات الهيدروكربونات ومصادر الطاقة المتجددة. ولهذا الهدف، اتفق القادة على تعزيز التعاون فى مجال الطاقة، من خلال اجتماعات منتظمة للوزراء المسئولين عن الطاقة، إضافة إلى مؤسسات القطاعين العام والخاص للتعامل مع المسائل المتعلقة بالطاقة.
كما اتفقوا على رغبتهم فى تعزيز التعاون من خلال سلسلة من الاتفاقات بشأن استكشاف ونقل الغاز الطبيعى، حيث إن اكتشاف احتياطيات الهيدروكربون سوف يمثل حافزاً للاستقرار والرخاء الإقليمى.

التعاون فى مجال حماية البيئة

من أهم ملفات التعاون المشترك التى توافق عليها قادة الدول الثلاث هو البيان الثلاثى المشترك للنوايا بشأن التعاون فى مجال حماية البيئة، والذى يؤكد على أهمية التحرك بأسرع قدر ممكن من أجل حماية البيئة مدركين الطبيعة المعقدة للمشاكل البيئية نظراً للتأثير المحتمل للمشروعات العابرة للحدود.
واتفق القادة على تشجيع التعاون من أجل الاستعداد للتصدى للتلوث الناتج عن العمليات الساحلية للبحث والتنقيب واستخراج الهيدروكربونات والنفط، وناقشوا إزالة التلوث فى البحر المتوسط بما فى ذلك الملوثات المنزلية والصناعية وتأثير التغير المناخى على البيئة البحرية.
كما اتفقوا على مواصلة البحث فى سبل الحماية البيئة من خلال تشجيع الاقتصاد الأزرق (المراد به الإدارة المستدامة للموارد المائية) والاقتصاد الأخضر (وهو الاقتصاد المعنى بتحسين الوضع البشرى والاجتماعى مع الحد من المخاطر البيئية) والإنتاج والاستهلاك المستدام.

السياحة والصناعة البحرية

نظرا لأهمية السياحة والصناعة البحرية كمكونات حيوية لاقتصاد البلدان الثلاثة، جاء التوقيع على المذكرة الثلاثية بشأن التعاون فى مجال السياحة بين قبرص واليونان ومصر فى 29 أكتوبر لعام 2014 .
واتفقت تلك الدول على مواصلة العمل معا بشكل وثيق بهدف تيسير وتعزيز التعاون فى مشاريع مشتركة، بمشاركة من الجهات الحكومية والخاصة، بما فى ذلك تنظيم برامج سياحية ورحلات بحرية مشتركة، وتعزيز النقل البحري بين الدول الثلاث لنقل البضائع والركاب على حد سواء، والشروع فى التعاون فى مجال التعليم والتدريب البحري.
وكان أهم نتائج وثمار هذا الاتفاق استضافة مدينة الإسكندرية أول مايو الماضى أسبوع العودة للجذور للجاليات القبرصية واليونانية التى كانت تعيش على أرض مصر بحضور رؤساء الدول الثلاث.

تنسيق ثلاثى فى قضايا المنطقة

دائما ما يحرص قادة الدول الثلاث على صياغة رؤية للتحالف المشترك تجاه قضايا منطقة الشرق الأوسط وتطوراتها، حيث أكدوا مرارا على موقفهم تجاه ما يحدث فى سوريا وليبيا واليمن وأيضا القضية الفلسطينية.
هذا الموقف نص عليه إعلان القاهرة والبيان الختامى لكل دورية انعقاد للقمة الثلاثية، وجاءت ملامحه بالنسبة للقضية السورية بضرورة العمل على وقف العنف والأعمال القتالية والسماح بوصول كافة المساعدات الإنسانية.
وفيما يتعلق بليبيا، أعرب القادة عن تأييدهم للجهود الأممية الخاصة بتسهيل التوصل لحل سياسى يقوده الليبيون، وأكدوا دعمهم للمؤسسات الشرعية.
وبالنسبة للوضع فى اليمن، عبر القادة عن دعمهم القوى للحكومة اليمنية الشرعية وللرئيس عبد ربه منصور هادي، وللحفاظ على وحدة اليمن وسلامة أراضيه.
وفى الشأن الفلسطينى، طالب قادة الدول الثلاث بالتوصل إلى تسوية سلمية عادلة وشاملة تقوم على قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة تكون عاصمتها القدس الشرقية، وتعيش فى سلام مع جميع جيرانها، وأكدوا على إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ذات سيادة واتصال جغرافى على الأراضى المحتلة منذ 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، اِتساقا مع المواقف والمبادرات التى اتخذها الاتحاد الأوروبى والجامعة العربية.

دعم القضية القبرصية

تعد القضية القبرصية أحد أهم محاور المبحاثات فى قمة التحالف الثلاثى بين مصر وقبرص واليونان، حيث كانت تلك القضية حاضرة باستمرار فى كل اجتماع دورى، بل أكد البيان الختامى لكل دورة انعقاد على دعم الشواغل القبرصية فى مواجهة الاحتلال التركى.
وأكد قادة الدول الثلاث دعمهم الراسخ للمفاوضات الجارية من أجل التوصل لحل للقضية القبرصية والتى من شأنها إعادة توحيد الجزيرة وفقاً للقانون الدولى وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وأكدوا أن حل تلك القضية إنما سيساهم بشكل ملموس أيضاً فى تحقيق الاستقرار والسلام فى المنطقة.
ودائما ما يؤكد الرئيس عبد الفتاح السيسى دعمه للقضية القبرصية، وظهر ذلك فى تصريحات الرئيس القبرصى نيكوس انسياديس والتى عبر فيها عن عرفانه وشكره للرئيس السيسى لدعمه المقدم من مصر بثبات على مستوى سنوات لحل المشكلة القبرصية.

تعاون استراتيجى مع اليونان

تعتبر اليونان التعاون الثلاثى المشترك بينها ومصر وقبرص خيارا استراتيجيا لمصالحها فى منطقة المتوسط، وهو ما أكد عليه رئيس وزراء اليونان إلكسيس تسيبراس.
وفى هذا الإطار أكد رئيس وزراء اليونان أن هذا التعاون بالنسبة لليونان هو اختيار استراتيجى من أجل الأمن والاستقرار والتنمية المشتركة.
وقال: إن أمن أوروبا يعتمد حاليا أكثر من أى فترة سابقة على أمن الدول المجاورة ومنها أمن مصر، ولذا اتفقنا فى هذا اليوم على وضع استراتجية دولية لمواجهة ظاهرة تدفقات المهاجرين فى مناطق مختلفة من البحر المتوسط لأوروبا وإيجاد إطار الوصول بشكل شرعى.

فرص توسيع التعاون الثلاثى

خلال القمة الثلاثية الخامسة التى عقدت نوفمبر الماضى فى نيقوسيا، ألمح رئيس الوزراء اليونانى إلكسيس تسيبراس إلى إمكانية توسيع التحالف الثلاثى بين مصر وقبرص واليونان بانضمام إيطاليا ليشكلا تحالفا إقليميا رباعيا بالمتوسط.
وقال: إنه يتطلع لهذا الأمر خاصة فى القمة السادسة التى ستعقد فى اليونان ٢٠١٨، لكن فى نفس الوقت هناك مساع من دول أخرى بالمنطقة تسعى لتكرار آلية التعاون الثلاثى بين قبرص واليونان، فى ظل المكاسب الكبيرة التى حققتها تلك الآلية خاصة فى مجال الطاقة واستكشاف الغاز.