السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«الحيوان» .. رواية التمرد على الذات

«الحيوان» .. رواية التمرد على الذات
«الحيوان» .. رواية التمرد على الذات




«الحيوان» هى الرواية الرابعة  للكاتبة أسماء علاء الدين، حيث صدر لها من قبل روايات: انهيار، سكون، شمال. و«الحيوان» صدرت عن دار نشرالصقر بالقاهرة، وتمارس الكاتبة غواية التجريب فى كتابتها، تبدأ الرواية من منتصف أحداثها على طريقة الفلاش باك، وتيار الوعي، وقطع زمن السرد وتنوع الأمكنة قبل أن تواجهنا بشخصيات الرواية المصابة بالفصام.. ولم لا؟.. المجتمع نفسه مصاب بالفصام ولا يجدله برءاً،ويخيم عليه الإقصاء والعبثية والأجواء الكافكاوية. البداية مع «حياة» بطلة الرواية التى تمتهن الكتابة وتقع فى غرام الشاب البوهيمي «أحمد» متعدد العلاقات النسائية، ورغم علمها بسلوكه لكنها لا تستطيع طى صفحته، فى المقاب هناك صديقتها «لارا» التى تعيش تجربة حب جسدى مع «بسام» الذى يعيش حياة منفتحة هو الآخر. تعقد «حياة، ولارا» اتفاقا، يتبادلان فيه الأدوار بالتوسط لدى المعشوقين لإقناع كل طرف بالزواج من صديقتها،ولكن لارا تتورط فى علاقة مع أحمد وكذلك بسام يحاول استغلال حياة جنسيا.
شخصيات الرواية مأزومة فتطالعنا شخصية« أمين» صديق والد حياة، وهو بمثابة الأب الروحى لحياة والذى فشل فى إخفاء مشاعره تجاهها ولكنها لا تبالى بمشاعره ولكنه لا يتخلى عنها فى كل أزماتها.
تعيش حياة فى مدينة طنطا مع شقيقها «أكرم» وعمتها، وتدير صيدلية للتكسب منها، تلح حياة على أحمد فى الزواج منها ولكنه يرفض، فيحاول شقيقها وعمتها إقناعها بالزواج من صديقه «راضي» ولكنها ترفض، وتقرر حياة الانتقال للعيش فى القاهرة والعمل بشركة أدوية حتى تكون قريبة من أحمد و ذلك لم يجد نفعاً. تقدم راضي بشكوى ضد الصيدلية التى تملكها حياة فى طنطا بدعوى وجود بعض المخالفات، كما قام بإحراق مخزن الأدوية حتى يجبرها على العودة إلى طنطا، ويشعر بتأنيب الضمير بعد ذلك.
يعترف أحمد لأمين بالحقيقة المرة وهى إصابته بالإيدز وهذا هو سبب رفضه الزواج من حياة، وعندما تعلم حياة بالمأساة تصاب بانهيار عصبى وتنقل إلى المصحة النفسية فى العباسية.
وعنوان الرواية ذو طابع رمزى مراوغ يفيض بالدلالات، لا تنفتح مغاليقه إلا بقراءة النص نفسه، فهو ليس عنواناً حرفياً أو يبغى إعطاء حقيقة ، بل هو نص مراوغ لا يفصح عن دلالاته من القراءة الأولى وبالصدفة يكون البطل« أحمد» يحمل هذا الوصف من مواليد برج الثور ويحمل الكثير من التناقضات التى يتصف بها الحيوان كالقسوة والحنية. فتقول الساردة على لسان أمين: « دائما ما كنتى تخبريننى بأنك تلقبينه بالحيوان لأنه يحمل كل المتناقضات ولأن به شيئاً من القسوة وكثيراً من الحنان ، أيضاً أخبرتينى أن سلوكه مثل الحيوانات لا يبالى والحياة بسيطة بالنسبة له، قد يبدو هذا من الخارج،ولكن لا أحد يعيش الحياة ببساطة إلا من تعقدت بداخله أحلام كثيرة ، فصار مستسلماً لقدره. والحقيقة أنه عشقك أكثر من قدره يا حياة وظن أنه يحميكى منه».
تبدو هذه الرواية رحلة بحث إنسانى مضن عن أصعب المشاعر وأشدها ندرة وزخما: الحب( الممكن/ المستحيل) بين المرأة والرجل،رحلة تستدعى هذه الرحلة المراوغة ؛ لفقدان الأمان وتجذر الخوف الإنسانى ، من خلال شخصيات تحيا على الهامش ،لكنها أثيرة لدى الكاتبة تستحوذ على المتن النصى وحركة السرد ، يتحرك فى الرواية راوٍ واحد مع باقى شخصيات الرواية.
ويغلب على رواية« الحيوان» المزج بين تقنيات الفن الروائى والفن السينمائى ومحاكاة البنية الروائية حركية الصورة السينمائية ومشهديتها وواضح أن الرواية متأثرة بكتابات أحمد خالد توفيق، وكاد تكون الرواية من هذه الزاوية «سيناريو» ينبض بالحركة والتجسيد المشهدى وتتشابك تفاصيله المتشظية وغلبة الحوار؛ لتبنى – عن طريق اللغة- عالماً تتزاحم فيه المخاوف النفسية وتخيم عليه الآلام والفوبيا والهلوسة والفصام والشهوات العارمة الباحثة عن التحقق وهى لغة يغلب عليها الفوضى والتهكم والسخرية المريرة، تقول الساردة فى الحوار الدائر بين أمين وحياة:ماذا بك يا حياة؟ لا شيء سوى أنى أحتاج أن أنام وقتاً كافياً، نظر لزجاجة الفوديكا الملقاة على الطاولة مستنكراً: كان معك أحد بالأمس!! بسام . حذرتك منه مسبقاً، بسام وغد مستتر.صرخت فى وجهه: وما الجديد يا أمين جميعكم أوغاد جميعكم. نظرت له بحدة وأكملت: حتى أنت يا أمين،ألمح نظرات الإعجاب فى عينيك،والاشتهاء فى نبرة صوتك،أعلم أنك تتمنى ليلة معى لكنك جبان وتخشى أن أحرجك».
وهناك حضور قوى لمركزية «الأنا» فى النص الروائي، فلا نرى أو نفر فى شيء من مروياتها إلا من منظور هذه الذات الفردية،واستثمار تجاربها الذاتية داخل النص . ويتلاقى هذا مع ما سماه الناقد المغربى محمد برادة» تذويت الكتابة» أى حرص الروائى على إضفاء سمات ذاتية على كتابته، وذلك من خلال ربط النص بالحياة وتجربة الشخصيتين،وجعل صوت الذات الكاتبة حاضراً بين الأصوات الروائية،لتمييز محتوى النص عن الكتابات الأخرى التى تعطى الأولوية للقيم والأفكار الغيرية،والحرص على تذويت الكتابة يقترن بتوفير رؤية للعالم تحمل بصمات الذات الكاتبة ،دون أن تكون تلك الرؤية تعبيراً فجاً مباشراً أو وعظاً عن مشاعر الذات المبدعة ،مع إفساح المجال أمام كل شخصية وكل صوت داخل الرواية،ليعبر عن نفسه من خلال مقومات وتضاريس ذاتية تحقق الاختلاف والتمايز حتى لا تكون علاقة الكاتب بعالمه الروائى علاقة استنساخ ومحاكاة، بل علاقة تأويل ورؤية وإعادة خلق.