السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«القاهرة» و«موسكو».. تاريـــــــــــــــــخ من الدعم والشراكة

«القاهرة» و«موسكو».. تاريـــــــــــــــــخ من الدعم والشراكة
«القاهرة» و«موسكو».. تاريـــــــــــــــــخ من الدعم والشراكة




تعد الزيارة التى يقوم بها الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى روسيا، محطة ذات أهمية كبيرة فى مسيرة العلاقات بين البلدين، والتى شهدت على مدى السنوات الخمس الأخيرة تطورات ملموسة فى مختلف المجالات، فهذه هى الزيارة الرابعة للرئيس السيسى إلى روسيا منذ زيارته الأولى لها كوزير للدفاع عام 2014، كما أن هذا هو اللقاء التاسع بين الرئيس السيسى وفلاديمير بوتين خلال هذه الفترة.

ويقول تقرير أعدته الهيئة العامة للاستعلامات عن زيارة الرئيس السيسى لروسيا: إن العديد من المؤشرات تؤكد أن هذه القمة بين الرئيسين سوف تدشن مرحلة جديدة على طريق تطوير العلاقات بين البلدين، والتفاهم السياسى بين القيادتين، فعلى المستوى الثنائى، فهذه القمة تُعقد وقد انقشع - أو كاد ينقشع تماماً – غبار حادث سقوط طائرة الركاب الروسية، خاصة بعد أن عادت رحلات الطيران الروسى إلى القاهرة، بل من المنتظر أن تغلق هذه الزيارة ما بقى من تداعيات هذا الملف بالاتفاق على عودة رحلات الطيران السياحى الروسى إلى المنتجعات المصرية.
أما بقية ملفات العلاقات الثنائية فإن ما ينتظرها هو المزيد من التطور الإيجابى، بعد أن وصل حجم التبادل التجارى لنحو 6.5 مليار دولار سنويًا، الأمر الذى يضع روسيا ضمن أكبر شركاء مصر التجاريين، مثل الصين والإمارات العربية وإيطاليا والولايات المتحدة، وإن كان ما يشغل مصر على هذا الجانب هو التخفيف من العجز فى الميزان التجارى بين البلدين، حيث لا يزيد نصيب الصادرات المصرية إلى روسيا من هذا الرقم الكبير عن 500 مليون دولار، وبقية الرقم يتعلق بالصادرات الروسية لمصر، وهو أمر يحتاج إلى مزيد من الجهد من جانب المصدرين المصريين ومزيد من التسهيلات من الجانب الروسى لدخول المنتجات المصرية وتذليل العقبات فى هذا المجال وفى مقدمتها صعوبات النقل والمسافات.
وعلى الصعيد الثنائى أيضاً، فقد اقترب مرور عام كامل على توقيع اتفاقية إنشاء مشروع إنتاج الطاقة النووية فى مصر فى منطقة الضبعة، والذى تم التوقيع عليه فى 11 ديسمبر 2017 فى القاهرة، وهو أكبر مشروع مشترك بين البلدين منذ مشروع السد العالى، كما أن له أبعادًا اقتصادية ومالية واستثمارية، فضلاً عن نقل التكنولوجيا المتقدمة فى هذا المجال الذى تحتاجه مصر فى إطار استراتيجية متكاملة فى مجال الطاقة ستجعل من مصر مركزًا إقليميًا وعالميًا لإنتاج وتداول الطاقة بكل مكوناتها ومصادرها المتجددة وغير المتجددة، علاوة على أن مصر تتعجل إنشاء المنطقة الصناعية الروسية فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، خاصة بعدما حقق الاقتصاد المصرى خطوات كبيرة على طريق الاستقرار والنمو والانطلاق، وأصبحت مصر جاذبة للاستثمار بكل المعايير.
أما على الصعيد الإقليمى، فإن لقاء السيسى وبوتين يتضمن تباحث الطرفين بشأن القضايا الإقليمية خاصة فى سوريا وليبيا واليمن، ومن المؤكد أن أى توافق بين البلدين سيكون عنصراً مؤثراً بشأن قضايا منطقة الشرق الأوسط، بعد ما أثبتت الأحداث فى الفترة الأخيرة أهمية دور كل من مصر وروسيا الحيوى فى معادلات المنطقة، كما أثبت التقارب الكبير فى وجهات النظر بين البلدين وموقفيهما إزاء معظم قضايا المنطقة.

لمحات ودية

فى الوقت نفسه، يكشف تعامل الجانب الروسى مع الزيارة مدى الاهتمام بالعلاقات المصرية الروسية وبأهمية العلاقات بين قيادتى البلدين، حيث يعد التفاهم والاحترام المتبادل بينهما أحد أهم عناصر تطور هذه العلاقات فى السنوات الأخيرة، فقد تضمن الإعلان الرسمى عن الزيارة من الجانب الروسى التعبير عن الترحيب والاهتمام بها وبأهمية المباحثات التى ستتم خلالها، كما تحدث أكثر من مسئول روسى فى هذا الشأن.
وقد استبق الرئيس الروسى بوتين الزيارة بالحديث عن حرصه على إهداء الرئيس السيسى بعضاً مما يفخر به من إنتاج روسيا الزراعى، خاصة التفاح الروسى فى مناسبة زيارة بوتين لأحد المشروعات المتطورة فى هذا المجال، فى لفتة ودية بالغة الدلالة.
فى السياق نفسه، تضمن جدول الزيارة إلقاء الرئيس السيسى كلمة أمام مجلس الفيدرالية الروسى وهو الغرفة الأعلى للبرلمان هناك، كأول رئيس لدولة أجنبية يمنح هذه الفرصة، وهى إشارة أخرى للمناخ الإيجابى والودى من الجانب الروسي، وتعبير عن التقدير لمصر ورئيسها.

8 لقاءات سابقة

ورصد تقرير هيئة الاستعلامات اللقاءات الثمانية التى سبقت هذا اللقاء التاسع بين الرئيسين السيسى وبوتين، ففى عام 2014 زار السيسى روسيا بصفته وزيراً للدفاع مع وزير الخارجية آنذاك، وأعلن الرئيس السيسى فى ذلك الوقت، أن زيارته لموسكو بمثابة انطلاقة جديدة للتعاون العسكرى والتكنولوجى بين الدولتين.
وفى أغسطس 2014 كانت أول زيارة للرئيس عبدالفتاح السيسى لروسيا عقب توليه رئاسة الجمهورية، حيث عقد مباحثات ثنائية مع الرئيس فلاديمير بوتين، وفى ختام القمة المصرية الروسية التى عقدت فى منتجع سوتشى، أعلن الرئيس السيسى أن موسكو والقاهرة اتفقتا على إقامة منطقة صناعية روسية كجزء من المشروع الجديد لقناة السويس.
وفى فبراير 2015 زار الرئيس فلاديمير بوتين مصر لمدة يومين، ووقع البلدان العديد من الاتفاقيات خلالها فى مختلف المجالات، وخلال هذه الزيارة أقام الرئيس عبدالفتاح السيسى حفل عشاء خاصاً للرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى برج القاهرة والذى يعد رمزاً للصداقة التاريخية بين البلدين فى الستينيات كما حضر الرئيسان، فى دار الأوبرا المصرية عرضاً ثقافياً حول العلاقات بين البلدين.
وفى مايو 2015 كانت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى الثانية كرئيس للجمهورية، إلى روسيا، للمشاركة فى احتفالات الذكرى الـ70 لانتصار روسيا فى الحرب العالمية الثانية، وكانت المرة الأولى التى تدعو فيها روسيا رئيساً مصرياً لهذه المناسبة المهمة لديهم.
وفى أغسطس 2015 زار الرئيس السيسى موسكو، والتقى الرئيس «بوتين» وبحث الرئيسان سبل دعم العلاقات الاقتصادية، وزيادة التبادل التجارى بين البلدين والمشروعات الاستثمارية المشتركة المزمع إقامتها وإمكانية إنشاء مصر منطقة للتجارة الحرة مع دول الاتحاد الجمركى الأوراسى والاتفاق على اتخاذ الخطوات العملية اللازمة لتفعيل فكرة إنشاء صندوق استثمارى مشترك بين كل من مصر وروسيا والإمارات لصالح تنفيذ عدد من المشروعات التنموية والاستثمارية فى مصر.
 وفى سبتمبر 2016 التقى الرئيسان على هامش أعمال قمة مجموعة العشرين، التى استضافتها مدينة هانجشو الصينية، كما التقى الرئيسان من جديد على هامش قمة مجموعة البريكس، التى عقدت بمدينة شيامن الصينية سبتمبر 2017 والتى تناولت عدداً من القضايا الثنائية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وفى ديسمبر 2017 قام الرئيس بوتين بزيارة لمصر وقع خلالها اتفاق مشروع الضبعة النووى بين مصر وروسيا.
على صعيد آخر، حرص رئيس الوزراء الروسى «ديمترى ميدفيديف» على المشاركة فى احتفالات مصر بافتتاح قناة السويس الجديدة فى أغسطس 2015، حيث قام التليفزيون الرسمى فى روسيا بنقل كافة وقائع مراسم الافتتاح والاحتفال على الهواء طوال ذلك اليوم.

قفزة فى التبادل التجارى

بلغ حجم التبادل التجارى بين مصر وروسيا خلال العام الماضى 6.5 مليار دولار معظمها صادرات روسية لمصر فيما تبلغ صادرات مصر إلى روسيا أكثر قليلاً من 500 مليون دولار.
وعلى صعيد الاستثمارات، تم الاتفاق بين الجانبين المصرى والروسى على إنشاء منطقة صناعية روسية فى شرق بورسعيد التابعة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس ستقام هذه المنطقة الصناعية على مساحة ٥ كيلو مترات مربعة باستثمارات تبلغ ٧ مليارات دولار فى شرق بورسعيد للصناعات اللوجستية، وستوفر ما يقرب من ٣٥ ألف فرصة عمل، ووفقاً لتصريحات وزير التجارة والصناعة الروسية فقد أبدت أكثر من 130 شركة روسية رغبتها فى افتتاح خطوط إنتاج لها فى هذه المنطقة، كما تعمل شركات روسية رائدة فى مجال التنقيب عن النفط والغاز فى مصر.

التعاون العلمى والثقافى

تأثر المصريون فى مجال القصة والرواية والشعر بالتجربة الروسية فى الأدب مثل أعمال تولستوى وتشيخوف ودوستويفيسكى وبوشكين.
ومنذ العقد الثالث من القرن التاسع عشر شهدت مصر لأول مرة نزوح أحد رواد الثقافة العربية والإسلامية هو الشيخ محمد عياد الطنطاوى الذى اهتم بالأدب الروسى والثقافة الروسية ليكمل حياته هناك، وفى عصر محمد على فى ثلاثينيات القرن التاسع عشر اختار أربعة شباب من النابغين ليرسلهم فى بعثة إلى سيبيريا لكى يدرسوا علم التعدين هناك.
وفى النصف الثانى من القرن العشرين تعزز التعاون الثقافى والعلمى بشدة، حيث استندت القاعدة العلمية التى أقامها الرئيس جمال عبدالناصر فى المجالات العسكرية والصناعية والمدنية على التعاون مع الاتحاد السوفيتى، كما تلقى عشرات الآلاف من المصريين تعليمهم فى المؤسسات التعليمية الروسية فى مختلف مجالات العلوم والصناعة والفنون والآداب، وعادوا ليتبوأوا مناصب وأدواراً عديدة فى جهود التنمية والثقافة فى مصر.

سد عالٍ جديد

التعاون المصرى الروسى فى إنشاء محطة نووية لإنتاج الطاقة فى منطقة الضبعة يعيد إلى الأذهان إلى حد كبير التعاون بين القاهرة وموسكو فى بناء السد العالى، فكلا المشروعين له طابع استراتيجى مهم، ويمثل نقلة فى استخدام التكنولوجيا الحديثة لصالح ورخاء الشعب المصرى.
وقد بدأت أولى خطوات هذا المشروع الكبير عام 2015 حيث وقع الرئيسان السيسى وبوتين اتفاقية لإقامة محطة نووية فى منطقة «الضبعة» فى مصر، وهى الخطوة التى تدشن دخول مصر عصر تكنولوجيا الطاقة المتجددة من خلال الاستخدام السلمى للطاقة النووية على نطاق واسع.

علاقات متجذرة

ويشير تقرير هيئة الاستعلامات إلى أن العلاقات المصرية الروسية علاقات تاريخية، كانت فترة ازدهارها فى الخمسينيات والستينيات، ولكن جذورها تمتد أبعد من ذلك بكثير.
ففى 26 أغسطس 1943 بدأت العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتى ومصر وتمت الخطوة الأولى للتعاون بين الطرفين فى أغسطس 1948، حين وقعت أول اتفاقية اقتصادية حول مقايضة القطن المصرى بحبوب وأخشاب من الاتحاد السوفيتى‏.
 وشهدت العلاقة تطورات بارزة بعد ثورة يوليو عام 1952، حيث ساند الاتحاد السوفيتى مصر بقوة فى مواجهة العدوان الثلاثى عام 1956، ثم تقاربت سياسات الدولتين عالمياً فى مساندة حركات التحرر فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية للتخلص من الاستعمار الغربى، وكذلك فى دعم تجمعات العالم الثالث كحركة عدم الانحياز وغيرها.
وعلى الصعيد الثنائى كان الاتحاد السوفيتى أكبر مساند لمصر عالمياً وأمدها بالأسلحة والمعدات العسكرية والدعم السياسى المطلق، الأمر الذى مكن الشعب المصرى من خوض حرب أكتوبر 1973 التى خاضتها مصر بسلاح روسى فى المقام الأول.
وعلى صعيد التنمية، دعم الاتحاد السوفيتى جهود مصر التنموية فى فترة الخمسينيات – الستينيات من القرن العشرين، وقدم لمصر المساعدة فى تشييد السد العالى الذى كان أكبر رمز للتعاون المصرى السوفيتى، خاصة أن معركة بنائه كانت ذات أبعاد سياسية تتعلق بالكرامة الوطنية بعد رفض الغرب تمويل السد من المؤسسات الدولية، فضلا عن حاجة مصر إلى مساعدات فنية وهندسية فى عملية البناء.
كما ساعد آلاف الخبراء السوفييت مصر فى إنشاء المؤسسات الإنتاجية الكبرى مثل مصانع الحديد والصلب، ومجمع الألومنيوم، وتحويل خطوط الكهرباء من أسوان إلى الإسكندرية، وعمل نواة لمفاعلات نووية سلمية فى إنشاص، وتعاون فى مجال صناعة السيارات ومحطة كهرباء أسوان، وتم فى مصر إنجاز 97 مشروعاً صناعياً بمساهمة الاتحاد السوفيتى.
وفى بداية التسعينيات كانت مصر فى طليعة الدول التى أقامت العلاقات الدبلوماسية مع روسيا الاتحادية بعد تفكك الاتحاد السوفيتى ‏عام 1991، وتطورت العلاقات السياسية على مستوى رئيسى الدولتين والمستويين الحكومى والبرلمانى، وتم تبادل الزيارات الرئاسية خاصة فى عهد الرئيس بوتين، حيث تم توقيع اتفاق تعاون مصرى روسى مشترك وسبع اتفاقيات تعاون عام 1997، ثم اتفاقيات أخرى مهمة خلال الأعوام التالية.
وشهدت العلاقات السياسية بين البلدين تطوراً إيجابياً عقب ثورة 30 يونيو 2013 بدأت بزيارة وزيرى الخارجية والدفاع الروسيين إلى مصر فى 14 نوفمبر 2013، وزيارة وزيرى الخارجية والدفاع المصريين إلى روسيا يومى 12 و13 فبراير 2014، وتوالت هذه الاجتماعات بانتظام بصيغة «2+2»، بما يجعل مصر هى الدولة العربية الوحيدة التى تبنت موسكو معها هذه الصيغة التى تتبناها روسيا مع خمس دول أخرى، هى الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة واليابان.