الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الإسلام السياسى فى الرواية المعاصرة

الإسلام السياسى فى الرواية المعاصرة
الإسلام السياسى فى الرواية المعاصرة




اهتم كثير من الباحثين بدراسة الظاهرة الإسلامية المختلفة وتعمقوا فى دراساتها وتجلياتها المتنوعة، وقد اكتسب مصطلح الإسلام السياسى نوعًا من الشرعية فى الخطاب الإعلامى والأكاديمى بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وهدفه تحديد هويات الحركات والجماعات والأحزاب التى ترتبط بالإسلام باعتباره مشروعها السياسي؛لأن عقيدتها استعادة النشأة المبكرة للإسلام فى كونه« دينًا ودنيا».

 

وقد انتشر هذا المصطلح فى شرق آسيا وإفريقيا لأن الاستعمار كان مسيطرًا على تلك المناطق، وهو ما جعل أصحاب الحل والعقد يرون الخلاص من الاستعمار فى اللجوء إلى الشريعة الإسلامية خاصة بعد نجاحها فى إقامة الحكومة الإسلامية فى السودان وأفغانستان وإيران.وقابل هذا النجاح فشل ذريع فى مصر عندما انتفض الشعب المصرى فى ثورة 30 يونيو 2013 وأسقط حكم الإخوان.
وفى الكتاب الصادر حديثًا عن الهيئة العامة للكتاب تحت عنوان: «تحليات الإسلام السياسى فى السرد الروائى المعاصر» للدكتورة جهاد محمود عواض قراءة فى بعض الروايات التى تناولت ظاهرة الإسلام السياسى.

 

رواية « ابن الجماعة» للكاتب المصرى الشاب أحمد حسام الدين، استطاع الكاتب أن يدخل بنا إلى عالم جماعة الإخوان المسلمين، من خلال التعرض لأفراد مكتب الإرشاد الذين ينتمى إليهم أبوه الإخوانى الكبير ( مصطفى التابعي)، واستطاع الكاتب ببراعة أن يوضح لنا أن الهدف الأساسى للإخوان المسلمين هو الوصول إلى الحكم من خلال مخطط» هيكلة حكم الإخوان» وتطرق الكاتب إلى المقارنة بين التجربة المصرية والتجربة الإيرانية، فجاء على لسان البطل الإخوانى موجها كلامه إلى أحد شباب الإخوان:» لو أن شباب الإخوان يفكرون بأسلوبك السلبى هذا، فلن يتمكن الإخوان المسلمون من حكم مصر فى يوم من الأيام، لقد قام روح الخمينى بثورته، وهو شيخ طاعن تجاوز السبعين من عمره، لم ينظر للأمور بسلبيتك هذه وهو الشيخ وأنت الشاب، ودانت له إيران بأكملها وهو فى منفاه وأنت على أرضك».
ثم كانت المفاجأة الكبرى من البطل بأنه انفصل عن الجماعة قائلاً:» أصبحت لا أحتمل أن أكون عضوًا فى جماعة، هناك شك فى قلبى نحوها، ونحو بعض مواقفها وتاريخها».
ومع احتشاد الرواية بالمعلومات المشاكلة لما يحدث فى مكتب الإرشاد، فإن مناخ الأدب الطبيعى الحافل بمصائر الشخوص تتحرك فى الرواية بعقلانية ومنطق مما يجعلنا نحن القراء مقتنعين بالنهاية التى انتهت بها الرواية، مما يجعلها شهادة على ما يحدث فى مكتب الإرشاد وفى جماعة الإخوان المسلمين.
ومن الروايات الإيرانية هناك رواية « ثريا فى غيبوبة» للكاتب الإيرانى إسماعيل فصيح، وهى تصور أحوال إيران الاجتماعية والسياسية والثقافية بعد قيام الثورة الإسلامية عام 1979 بأقل من عامين وإبان الأسابيع الأولى لحرب الخليج الأولى بين العراق وإيران. وتتناول الرواية، إيران الثورة الإسلامية وما تعانيه من مشكلات فى الداخل وهجوم وحشى من الخارج،وإيران المنفيين من الكتاب والشعراء والفنانيين فى باريس وانفصامهم وضياعهم بعد إنهيار العالم الذى مثلوه طويلاً، وعبروا عنه، والتصابى فى علاقتهم الشخصية وحياتهم الفارغة، وانتماءاتهم الأجنبية وانفصالهم الفكرى والوجدانى عن أمتهم، ونحس بتعاطف المؤلف مع بعض الشخصيات والتماس الأعذار لها فيما تعانيه من ضياع وتحلل، وتلاش وذوبان وانصهار فى ثقافة غربية وحياة مختلفة.
وحاول المؤلف الإجابة عن سؤال يفهم ضمنياً من السياق: هل الحضارة هو العودة إلى القديم متمثلاً فى الدين أو المذهب وما يمليه على المجتمع من قيود أم الحضارة هى اللحاق بالمفهوم الغربى فى الحريات والسلوك والملابس ؟
الرواية الثانية رواية» سجينة طهران» للكاتبة الإيرانية( مارينا نعمت) وتروى حكاية جيل الثورة الإسلامية الإيرانية بكل أوجاعها وجراحها وعصير ثمرها المر والحلو فى آن واحد.وترصد الرواى دور المعارضة للثورة الإيرانية ونقد ثورتها الإسلامية .
وتتناول الرواية قصة مارينا المسيحية التى تحولت إلى مسلمة بالإجبار فى سجن إيفين،وتحكى عن الوضع الذى قضته فى السجون،وقدمت قضايا مهمة على رأسها قدرة التعصب الدينى على دفع بعض الناس إلى التخلى عن دينهم وتغيير هويتهم الأصلية بسبب الدين والسياسة .
وناقشت الباحثة ظاهرة الحوارية التى تكلم عنها باختين والتى تتجلى من خلال التداخل المعرفى والتى تهيمن على النقد والإبداع المعاصر. فالمبدأ الحوارى فى السرد معناه التفاعل الدائم بين اللغات والأصوات داخل الفضاء السردي، الذى يمنح تلك اللغات والأصوات دلالات ومعانى جديدة عندما يوظفها الكاتب.فالحوار أخص سمات اللغة، إنه حياتها والمولد لعلاقتها الاجتماعية التى تحتضنها وتنمو داخلها،بحيث لا يمكن الفصل أبدًا بين الحامل والمحمول.
إن مهمة الشباب الإسلامى اليوم أن يستعيد مفهوم الجهاد ويعيده إلى أذهان المسلمين وقلوبهم،وهذا بالتحديد ما يرعب أمريكا وإسرائيل ومعهما حكامنا الخونة،إنهم يرتعدون خوفا من الصحوة الإسلامية الكبرى التى تتصاعد كل يوم فى بلادنا وتشتد شوكتها، إن مجاهدين قلائل من حزب الله وحركة حماس استطاعوا أن يهزموا أمريكا الجبارة وإسرائيل التى لا تقهر».
أما فى رواية « سجينة طهران» فيقول الراوى البطل:» فى الأول من نوفمبر عام 1979 طلب آية الله الخمينى من شعب إيران التظاهر ضد الولايات المتحدة التى أطلق عليها( الشيطان الأكبر) وأخبرهم أن الولايات المتحدة هى المسئولة عن كل أشكال الفساد فى الأرض،وأنها هى وإسرائيل أشد أعداء الإسلام، فانطلق الآلاف من الناس فى الشوارع وأحاطوا بسفارة الولايات المتحدة، شاهدت التغطية الإخبارية للمظاهرات فى التلفاز،وتعجبت من أين أتت تلك الجماهير الغاضبة،فلم يشارك فى تلك المظاهرات أحد أعرفه، تدفقت الحشود فملأت الشوارع المحيطة بالسفارة التى تحيط بها أسوار قرمدية».
فالتداخل بين النصين أبرز أن هناك اشتراكاً فى وجهتى النظر فى الرواية المصرية والإيرانية، فى تحديد العدو المشترك للمسلمين، من منظور الإسلام السياسي، وهو أمريكا وإسرائيل( الشيطان الأكبر).
إن دعاة الإسلام السياسى يفرضون أنفسهم قيماً ومرجعاً، يلحقون التشوه بالدين، ويعرضون بقيمه السامية ويخضعونها لنوازعهم الدنيوية وتوجهاتهم السياسية، وتعتبر مقولة» الإسلام هو الحل» إحدى المقولات الأساسية فى فكر جماعات الإسلام السياسى ( رواية ابن الجماعة) وطالما أن هذه المقولة تعتبر مطلبًا جماهيريًا تطالب به كل هذه الجماعات، فمن المحتمل أن تجذب جماعات الإسلام السياسى التى ترفع هذا الشعار من المؤيدين لها والذين يرون فى الإسلام الحل الأمثل والأكثر عدالة فى كل ما يواجهونه من مشكلات مجتمعية.
فى مصر نستطيع أن نضع حدا فاصلا بين الدين والسياسة، عكس إيران يكون من الصعب الفصل بين الدين والسياسة عند الحديث عن أحدهما نتيجة لدور الدين الذى استغله البعض فى إيران من أجل الوصول إلى سدة الحكم، إما بتسييسه أو بتديين السياسة، وهو ما عبرت عنه مارينا نعمت فى روايتها» سجينة طهران».
وترى الباحثة أن ظهور الجماعات الإسلامية الراديكالية المسلحة وممارستها للعنف هى نتاج طبيعى لانتشار الصفوات الحاكمة الفاسدة، ولوجود الازدواجية الثقافية والانحطاط الأخلاقي، وظهور الجماعات الإسلامية يشكل صرخة من أجل المساواة والعدل، فهى عكس شعور جيل فقد إيمانه بالصفوة العلمانية والمثقفة، كما يعد ظهورها تعبيراً صارخًا عن الإحباطات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بل والثقافية التى يعانى منها الأفراد فى هذه الأقطار والمجتمعات، وما يتعرضون له من نقص فى إشباع حاجاتهم الأساسية، ورأينا ذلك فى « عمارة يعقوبيان، فنظر طه الشاذلى إلى حكومته باعتبارها من الصفوات الفاسدة وغير قادرة على تخطى العقبات والمشكلات والاضطرابات، ومن هنا تنتعش الحركات الإسلامية، حيث المشكلات والسخط الاجتماعى والاضطرابات.
كما اكتسبت قضية العلاقة بين الدين والسياسة أبعاداً جديدة فى إيران، حيث راح المفكرون الإسلاميون يدرسون التداعيات النظرية لفكرة ولاية الفقيه، وقد عنيت مناهج ما بعد الثورة بقضايا معرفة الذات، وأسس المعرفة والحرية،كنقاط أولية عند إعادة التفكير فى القضايا الفاعلة وماهية الجماعة السياسية وطبيعتها وتكوينها.