الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع.. آخر ليالى العرب.. «بغداد»

واحة الإبداع.. آخر ليالى العرب.. «بغداد»
واحة الإبداع.. آخر ليالى العرب.. «بغداد»




يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة أو خواطر «على ألا تتعدى 550 كلمة» مرفقا بها صورة شخصية على الإيميل التالى:

[email protected]

اللوحات للفنان:

نذير الطنبولى

■ فنان مصرى مقيم فى لندن - بريطانيا

■ تخرج فى قسم الديكور بكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية

■ ترك الإسكندرية فى فبراير 2002 ليبدأ رحلة فنية دولية

■ حصل على درجة الماجستير فى الطباعة من جامعة كمبرويل للفنون ببريطانيا

■ درس فنون الخزف بكلية «تشيلسي» للفنون ببريطانيا

■ عرض أعماله فى عدد من البلدان، مثل: إنجلترا وايرلندا وإيطاليا وإسبانيا


 

آخر ليالى العرب.. «بغداد»

 

كتبها - إسلام الهلالى

ربيع عام 2015.. الحدود السورية اللبنانية.. يجلس كل من طه المصرى ومعتز السورى وعدنان العراقى فى إحدى القرى الحدودية الواقعة فى منطقة جبلية معزولة على الحدود، كان هذا الجمع يمثل نموذجا مصغرا للوحدة العربية ولكنهم كانوا نموذجا خاصا يحمل كل منهم بين جوانبه واقعا قاسيا مريرا فرضته أحداث السنين الطويلة الماضية.. أجبرت الأحداث بعضهم على الهرب من مكان الى مكان ..فقط.. ليبحث عن الأمان ..ليجدوا أنفسهم مسئولين عن حماية تلك القرية المعزولة والتى كانت غير مرصودة لأى طرف من الأطراف المتنازعة فى هذه البقعة من الوطن العربى الحزين، أخذوا على أنفسهم عهدا بأن يدافعوا عن هذه الأرض الصغيرة محاولين أن يجعلوا منها وطنا عربيا مصغرا تمنوه جميعا، ولكن فى البداية كان داخل كل منهم نفس السؤال: كيف وصلنا إلى هنا؟.
كانت قصة كل منهم ورحلته إلى هذا المكان هى الإجابة.. على ضوء القمر فى ليلة صافية تجمع العرب وكانت العراق متمثلة فى عدنان هى من بدأت بالكلام ..ليسرد عدنان قصته حزينا ثابت العينين الى الفراغ: بغداد، حاضرة العالم منذ عشرة قرون، بغداد الذهبية تلطخت بالدماء، أصبحت رمادا، كيف وصلنا الى هنا.
ابتلانا الله بأقذر خلق الله، بشر ليس لهم أصل أو جذور جعلوا من العراق الأبى شبه وطن، جعلوا بغداد الذهبية مدينة الدمار، لا أهتم من المخطئ ومن الملام ولكننى أهتم ببلادى التى أصبحت مرتعا للضباع، انقسم الناس، هذا سنى وهذا شيعى، هذا كردى وهذا مسيحى، أصبح يأتى إلى بلادنا كل من يبحث عن الحرب ويريد أن يغتنى منها، لذلك هربت، لم أعد أطيق الاحتمال منذ أن نظرت الى عيني والدى الصامد فى تلك الليلة، مازلت أسمع صدى تلك الجملة الخبيثة، «سقطت بغداد.. سقطت بغداد».
ينظر عدنان إلى السماء ليرى شهابا يخترق السماء، كان هذا كفيلا كى ترتد به ذاكرته اثنتى عشرة عاما إلى الخلف ليخيل إليه أن هذا الشهاب صاروخ موجه إلى المنطقة المجاورة لهم فى ليلة من أحلك ليالى بغداد الحزينة.. ليلة سقوط بغداد، حينها كان يراقب بعينيه الدامعتين هذا الشيخ الصامد فى وجه الزمن وفى وجه الغزو والألم، والده، المقاتل السابق والمحارب العظيم رأى والده يجلس دامعا حزينا والألم يعتصر قلبه أمام التلفاز وهو يرى نبأ الهزيمة والعار وتتردد على مسامعه هذه الجملة اللعينة «سقطت بغداد».
كان وقع هذه الكلمات على والد عدنان أشد من وقع السياط على المجلود وأشد من الألم الذى شعر به عندما أصيب فى قدمه فى حربهم مع الفرس كما يطلقون عليهم إلى اليوم.
رآه عدنان وهو يقف متكئا على عصاه وفى يده الأخرى سلاحه الآلى الذى أصبح فى الفترة الأخيرة جزءا من جسده لا يفارقه، يخرج الشيخ ببطء ودموعه تسيل ساخنة تحرق وجهه ..لطالما تمنى من داخله أن يقبض الله روحه قبل أن يشهد على هذا اليوم بينما تنساب إلى أذنيه تحذيرات التلفاز الصادرة من الأمريكان
«يتوجب على المواطنين المسلحين تسليم أسلحتهم وملازمة بيوتهم حرصا على حياتهم»، ليخرج الشيخ أمام منزله المطل على نهر دجلة يسمع صوت الطائرات والمروحيات والانفجارات،  رآه عدنان فجأة يلقى عصاه بعيدا كأنما شفيت قدمه وانبعثت به قوة غريبة لم يعلم حينها أنها قوة الغضب الممزوج بالأسى والحزن، يرفع الشيخ سلاحه عاليا معطيا الإذن لنيران سلاحه باختراق السماء.. صارخا بأعلى صوته مناديا ربه السميع «ياااا الله»، ليستعيد عدنان ذاكرته منهمرا بدموعه قائلا: هذا هو حال العراق منذ تلك الليلة أيها الأخوة، بعدما كان العراقيون موحدون أصبحوا طوائف.. هذا شيعى وهذا سنى وهذا كردى ونسينا العراق وصار الأمريكيون يمتلكون العراق بخيراته وذهبه وخزائنه حتى لم يعد هناك غير المرار، لذلك هربت وهربت ظللت أهرب طوال هذه السنوات فقط كى أبحث عن الأمان بعدما فقدت عائلتى ووطنى حتى وصلت إلى هنا.