الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قرأنا لك.. الرواية الحاصلة على الجائزة الفرنسية لوموند 2018 .. «لصورتها».. عظات نابضة بالحياة لمصورة فارقت الحياة

قرأنا لك.. الرواية الحاصلة على الجائزة الفرنسية لوموند 2018 .. «لصورتها».. عظات نابضة بالحياة لمصورة فارقت الحياة
قرأنا لك.. الرواية الحاصلة على الجائزة الفرنسية لوموند 2018 .. «لصورتها».. عظات نابضة بالحياة لمصورة فارقت الحياة




عُرف الكاتب الفرنسى جيروم فيرارى بتمعنه فى تمثيل مشاهد الحروب خاصة تلك التى تتناول سجلات الصراع الايطالى العثمانى فى ليبيا وصور تنفيذ أحكام الإعدام الفوتوغرافية، حيث دعا إلى تجاوز الاشمئزاز الذى تثيره الصورة للتركيز على «رفع الحجاب عن ما تحتويه بعض من الإشارات التى تستمر فى بثه عبر أذهاننا فى الوقت الحاضر».
تعتبر روايته «لصورتها» قصة خيالية فى رثاء أنتونيا تلك الامرأة الكورسيكية مصورة الحرب التى ماتت فى سن 38 على طريق كورسيكا. وهى واحدة من الروايات الملهمة لهذا الموسم ، طارحا خلالها سؤالا عن مدى قدرة الصور عن تغيير حيواتنا، ويطيل المؤلف من خلال الرواية التأمل عارضا مشهد الجنازة على حلقات منفصلة خلال اللحظات الشعائرية المختلفة وهذا ما يكسب الكتاب إطاره وإيقاعه، مثل العديد من المشاهد التى تندرج تحتها حلقات من حياة انتونيا وعلاقتها الجميلة مع كفيلها الذى أصبح كاهن رعيتهم.

مفتونة ببزوغ الشمس عند منعطف طريق كورسيكا


تموت المراسلة الفوتوغرافية السابقة أنطونيا فى 38 من عمرها فى حادث سيارة. فيهلك حزنا الكاهن الذى يقيم القداس فى بلدة الفقيدة، فهو أبوها الروحى وكفيلها، وسوف ترتبط الرواية بتصادم أفكاره، فإن وتيرة عظته تتبعت حياة أنتونيا وتبرز تاريخ فريد وملفت للنظر،هو تاريخ التصوير الفوتوغرافى لحرب القرن العشرين.
لم يكن لتواجد انتونيا فى كورسيكا على شاطئ البحر المتوسط مجرد زينة ,انه الاطار المأساوى - أحيانا الهزلي- حيث هنا اشتد عود الفتاة الشابة المحاطة بالمراهقين المهووسين بالرغبات الذكورية فى حمل الأسلحة. وبدون اندهاش, تقدم هؤلاء المراهقون بالفعل للالتحاق بحرب القوميين, على خلفية الانقسامات المميتة لجبهة التحرير الوطنى الكورسيكية.

منبت العلاقة الحميمة بين الصورة والموت

أى مكانة تحتلها النساء فى هذا الوسط الذكوري؟ دور الرفيق الأبدي، هى تجسيد لاستراحة المحارب، مقتصر دورها فقط على انتظار هؤلاء الأولاد الذين رأتهم يكبرون أمام عينها فهى تعرفهم منذ الصغر بداية، تلعب انتونيا الرقيقة دور مواساة باسكال بى الملقى بالسجن بعد احتجازه من قبل قائد قومى كأسير حرب.
تضجر؟ أتريد أن ترى فى النهاية شيئا آخر غير هذه الجزيرة فى الأفق، الشرنقة والسجن؟ إن الإفراج عن رفيقها وعملها كمصورة لصحيفة محلية لا يكفيان حتى لو كان هناك المزيد. طالما يتم ترديد كلمات عظيمة ، فلماذا لا ترى الحرب ، الحقيقية ، من بعيد؟ بمفردها وبدون تفويض من احدهم، تقرر المغادرة إلى يوغوسلافيا التى تنفجر إثر حرب أهلية كاملة (1991-2001) ، فى قلب أوروبا.هناك سوف تستكشف عن كثب «منبت العلاقة الحميمة بين الصورة والموت» ومنابع الرعب.

الموت خمس عشرة دقيقة فى وقت لاحق

ما الذى يدفع الشهود إلى ترسيخ جرائم القتل والفظائع التى ارتكبها رجال آخرون إلى الأبد؟ ولماذا يحتفظ المرتكبون أنفسهم بذكرى جرائمهم بكل فخر؟ «حاملين على عاتقهم بإرادتهم أقبح دليل يمكن ان يوجه ضدهم؟».
بل عندما نتفقد مابين السطور نجد جيروم فيرارى يوثق روايتة الايقونة بدون صور معتمدا فى وصفها على قوة الكلمات.فيستحضر لنا صورة ريستا مارينوفيتش ,1915 فى كورفو, لجندى هزيل يشعر بالجوع أثناء انسحاب الجيش الصربى تجاه الجبال الألبانية.
 ليس المحترفون وحدهم من يخلدون الأعمال المخزية عندما ينضم إليهم الجلادون مستمتعين بالتقاط  صور ضحاياهم، خائرى العزم، مشنوقين أو مصلوبين على طول طريق الأناضول مثلما يحدث فى لعبة المرايا وبها تتضاعف الصورة إلى ما لا نهاية، وتبدأ سلسلة طويلة من الصور «التى يجب ألا توجد»، ومع ذلك فهى الوحيدة التى تستحق العناء للحصول عليها. ماذا تخدم هذه التراكمات من الأدلة؟ وهل غيرت بالفعل مسار الأحداث، هل خلقت شيئا آخر غير «صدمة عديمة الفائدة عابرة محملة بالفزع والشفقة معا؟.. تساؤل عن فاشية الحرب المضطربة وعجز الصور، هذه الرواية هى أغنية مؤلمة بل هى رثاء وغضب.
 فى هذا الظلام، يقدم جيروم فيرارى تقيم، دعوة إلى الرحمة ، واضعا شخصياته تحت عين الرب، فقد ذكر صلاة المسيح: «اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا»، مبينا الترجمة من اليونانية: «اغفر لنا ديننا كما نحن أيضا نغفر لمن هم مدينون إلينا»، وهو أمر بالنسبة للرجال الذين يتلون هذه الصلاة يعاملون الذنوب على أنها ديون: «فهم لا يأثمون أكثر مما يغفرون للآخرين».
مقتطفات: «ابتدأ الكاشف إظهار فلاحين مقيدين فى احد الأعمدة، أصابع الأقدام معلقة على بعد ثلاثين سنتيمترا من سطح الأرض، إنها أشبه بمن لا تزال تبحث عبثا عن متكأ تستند إليه. التالية هى غابة من المشانق وحولها يتحاور النمساويون ببرود أعصاب والابتسامات على شفاههم. يكتشف «ريستا» أنه من الغريب أن يحب الرجال الاحتفاظ بذكرى لجرائمهم ، كما لو أنها ذكرى زواجهم أو ولادة أطفالهم أو أى لحظة أخرى استثنائية من حياتهم ، محملة بالبراءة نفسها».
يذكر أن جيروم فيرارى هو روائى وكاتب ومترجم فرنسي. حاز على جائزة گونكور فى 2012 عن روايته العظة حول سقوط روما.
وُلد فى باريس عام 1968. عاش فى كورسيكا ودرس الفلسفة فى ليسيه ألكسندر دوما الدولية فى الجزائر, وظل فيها عدة سنوات ثم انتقل إلى ليسيه فيش أجاكسيو.
قام فرارى بترجمة أول عمل له إلى الإنجليزية «أين تركت روحى» (2012)، وتدور حول فترة الخمسينيات فى الثورة الجزائرية، وتسلط الضوء على الحرب العالمية الثانية وهزيمة الفرنسيين فى الهند الصينية، ثم تنتقل إلى ثورة 1958 والجمهورية الفرنسية الرابعة. وحصل مؤخرا عن روايته الأخيرة «لصوراتها» الجائزة الفرنسية الأدبية لوموند 2018.