الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع.. قرية الأوهام

واحة الإبداع.. قرية الأوهام
واحة الإبداع.. قرية الأوهام




اللوحات للفنان: علاء أبو الحمد

■ من مواليد قنا عام 1979م.
■ بكالوريوس كلية الفنون الجميلة (قسم تصوير) الأقصر جامعة جنوب الوادى2003م.
■ مدرس بقسم التصوير كلية الفنون بالأقصر.
■ أقام عدة معارض خاصة.
■ شارك فى العديد من المعارض الجماعية داخل مصر وخارجها.
■  حصل على جائزة مهرجان الإبداع التشكيلى الثانى (صالون الشباب التاسع عشر 2008).
■  حصل على جائزة صالون الشباب الرابع والعشرين (تصوير) ديسمبر 2013 .

يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة أو خواطر «على ألا تتعدى 550 كلمة» مرفقا بها صورة شخصية على الإيميل التالى:

[email protected]


 

قرية الأوهام

 

أحمد أبو دياب

يُحكى أن حجرًا كَبر وصار بيتًا والبيت زرع حوله بيوتًا فأصبحوا شارعًا، الشارع شعر بالوحدة فاستدعى شارعًا آخر، آنست الشوارع بعضها فكانت قرية، القرية حملت فى بطنها ناسًا وأنجبت أهلها، استقرت البلدة بمن فيها وما فيها، عاشوا كأى مكان آخر يحوى أناسًا.
وفى فترة ابتدأت أحداث غريبة تتصاعد فى الأجواء، تغيرت الأحوال إثرها كل التغيير، الحادثة الأولى كانت اختفاء نهيق الحمير وعواء الكلاب، لم يلحظ أحد فى البداية ما يحدث، لكن بعد مرور أيام كان الموضوع تحت أعين الجميع، سرى الخبر وشاعت التحليلات والرؤى التى تبناها كل صاحب وجهة نظر.
كان أول رأى وصل لمسامعهم من أحد كما نُقل عن لسانه: لا أستبعد أن ريحًا مباركة حلّت وحملت معها الشياطين عند رحيلها، الله راض عنّا فنحن قرية طيبة ولا بد أنه خصّنا بالخلاص من الشرور وحررنا من أنفسنا.
ابتهج الناس بهذا كثيرًا، فلا إثم بعد اليوم سوف يطرق باب أحد منهم، بدأ كل منهم يهيئ نفسه لهذه الحياة الملائكية التى لن يكون فيها ذنب واحد.
وككل مكان لا بد أن لكل رأى آخر يعارضه ولو كان صحيحًا، لم يقتنع بعض من الناس بالرأى السالف، قد رأوا أبعد مما رآه المتفائلون، فتردد صوت آخر مما تناقلته البلدة فى هذا الشأن يقول: لا أعرف علام يهللون وهم فى غفلة ومُرية كبيرة فيما اعتقدوا، ألا يدركوا أن الشياطين اطمأنت على تجارتها معنا ورحلت لتفسد قرية ثانية، لو لم يتركوا مخزونًا كبيرًا من كل شر لما رحلوا!
نحن قوم مغضوب علينا.
استقبل بعض الأهالى الخبر بحزن شديد وتزعزع اليقين من فكرة الخلاص التى استقر عليها الناس لفترة، وقف بعضهم على الحياد من كل الآراء، كانت نظرتهم للأمر أنه ربما لا يتعدى كونه مرضًا عاديًا أصاب البهائم أو وباءً منتشرًا، أو حتى موقفًا شخصيًا أخذته الحيوانات.
أتى حدث ثان حير الناس على حيرتهم وأربك كل الحسابات، خلا آخر الليل من أصوات الديكة والفجر لم يصحبه صياح، يعرف الجميع أن الديوك ترى الملائكة عندما تبدأ فى الصياح، إذن فلا ملائكة فى القرية، لقد رحلت الملائكة أيضًا!
جرى كذلك أنه انشق الناس عن الرأى الواحد، وتحزّب كل حزب برأيهم واعتقادهم فيما جرى.
قال قائل: الملائكة والشياطين يختفون منا، أى لعنة هذه، ربما اقتربت قيامتنا فسحب الله مخلوقاته ليمهّد لنا الحساب.
فأجابه آخر: لم لا تقول إن هذا اختبار لنا؛ لينظر الله ماذا سنفعل، إن أقبلنا على الخير سعت إلينا الملائكة فقط، وإن جرفتنا المعاصى سلّط علينا الشياطين لتعيننا عليها.
زاد عليهم ثالث برأيه الذى رآه هو الصواب لأن أحدًا لم يتطرق إليه: لا هذا ولا ذاك، البلدة على حالها كما هى، فقط الملائكة والشياطين مشغولون بحرب بينهم، انسحبوا لمكان بعيد، وسيعود المنتصر منهم قريبًا بعد انتهائهم مما هم فيه.
اختلطت الأمور وساحت الرؤى على بعضها، بين مؤيد لفكرة رحيل الملائكة والشياطين عن القرية بكل ما تجلى من أحداث وتفاسير لها، وبين رافض لهذه الفكرة بكل ما حوت من تأويلات قد لا تكون أكبر من مجرد خيالات اعترضت أصحابها.
فى وسط هذا اللغط المنتشر، ظهر عدد من الأشخاص، ينادون بالتطوع للخروج من القرية والبحث عن الملائكة والشياطين، يزعمون بمقدرتهم على رؤيتهم مثلما تستطيع الحيوانات، وهم على استعداد لإعادتهم إلى القرية كى تنتهى الفوضى، رحب الكثيرون بهذا الحل، وجمعوا لهم ما طلبوه من تكاليف لهذه الرحلة الصعبة التى قد تطول.