الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«جريما فى المعادى» «مسرحية كلها غلط».. عودة القطاع الخاص على «قديموا»

«جريما فى المعادى» «مسرحية كلها غلط».. عودة القطاع الخاص على «قديموا»
«جريما فى المعادى» «مسرحية كلها غلط».. عودة القطاع الخاص على «قديموا»




«جريما فى المعادي» تدريب وإخراج أشرف عبد الباقي.. «مسرحية كلها غلط» كما وصفها أصحابها، و«الخطأ» هنا ليس له علاقة بالمستوى الفنى للعرض إنما بنيت فكرة العرض من الأساس على الأخطأء، بدأ «الغلط» من أول كلمة فى العرض المشيرة لاسمه «جريما» التى كتبت بحرف الألف بدلًا من التاء المربوطة.. يدخل الجمهور قاعة المسرح وتتوالى أخطاؤه التى بنيت من صلب العمل المسرحى منذ لحظة دخول الجمهور، ونزول أشخاص من العاملين بالـ«back stage» أو «الكواليس» للسؤال عن كلب تائه منهم أو البحث عن أسطوانة تحمل ألبوم أغاني للمطربة سيمون، ترك منفذ الإضاءة والموسيقى مكانه للبحث عن ألبومه الضائع..

ثم تبدأ أحداث العرض الذى يتناول قصة مجموعة من الشباب يقومون بتمثيل عمل مسرحى بعنوان «جريما فى المعادي» حول قتل شخص يدعى هاشم باشا المانستريلى الذى تحوم الشكوك حول خطيبته بأنها خططت لقتله كى يخلو لها الجو مع عشيقها ...يبدأ العرض بخروج مخرجه يعلن أننا على موعد مع مشاهدة عمله الآن ويبدأ العرض ثم تبدأ معه أخطاؤه الفادحة.
أخطاء عفوية
أخطاء ترتكب بشكل عفوى أثناء تمثيل المسرحية التى أعلنوا عنها وتمثيل المسرحية الأساسية، التى تدرب عليها الممثلون جميعًا تدريب شاق حتى تخرج بهذا المستوى من الإجادة والإتقان، ليس هناك مجال للارتجال فى الحركة أو الإفيه، فليس هناك مجال للخطأ فى عمل بنى على الخطأ، تبدأ الأخطاء بتصرفات غير محسوبة بدخول الممثلين فى غير أماكنهم ثم استبدال ممثلة بأخرى بعد إصابتها ودخول أحد العاملين بالكواليس كى تحل محلها وترتكب أخطاء لغوية مضحكة، كما أنها لم تحفظ دورها، يعقبها تفكك ديكور العرض من موضعه حتى يسقط تدريجيا إلى أن نصل إلى سقوط المستوى الثانى من المسرح، وكيف تعامل الممثلون مع هذا الديكور الذى بدأ يتهاوى قطعة قطعة بإزاحته من خلف الستار وأمام الجمهور حتى يفزع من شدة الأخطاء والإفراط فى إسقاط الديكور وكأن خشبة المسرح تهدم على رأس أصحابها.
حرفة إسقاط الديكور
تتلخص المهنية والاحتراف وكذلك التدريب الشاق فى تفكيك وإسقاط هذا الديكور وكيفية التعامل مع هذا التكنيك دون خطأ حقيقى يذكر، لم تقتصر بطولة العمل على أبطال «الجريما» وحدهم بل كان هناك أبطال آخرون يعملون خلف الستار، أو ممثلون آخرون فى الكواليس يديرون خشبة المسرح من الداخل فانقسمت بطولة العرض بين أبطاله داخل وخارج خشبة المسرح، حتى خرجت المسرحية الحقيقية المبنية على الخطأ كلها «صح»، دقة وإجادة ومستوى عالٍ من التركيز والثبات الانفعالى واللياقة البدنية تمتع بها الممثلون جميعًا، فكأنك جالس فى سيرك وتشاهد مجموعة من الألعاب البهلوانية الصعبة قدمها صناعها بمنتهى الاحتراف، فهؤلاء الممثلون كانت لديهم الحرفة فى التمثيل على التمثيل أو فى أداء مسرحية داخل مسرحية، المسرحية الهزلية «الغلط» الأصلية ثم المسرحية الأخرى التى تم تركيب فكرة الأخطاء عليها.
إحياء زمن مضى
يقدم الفنان أشرف عبد الباقى بهؤلاء الشباب تجربة لها أكثر من بعد فني، الأول صناعة نجوم من القطاع الخاص بفكر آخر وشكل جديد مخالف للمعهود والمعتاد عن هذا النوع من المسرح بجانب تناقضه التام مع تجربة مسرح مصر فى تقديم عمل قائم على نص مسرحى له قوام وفكرة مبتكرة وتدريب حقيقي، البعد الآخر والأكثر أهمية هو عودة روح القطاع الخاص على «قديموا» بمعنى آخر إعادة إحياء شكل وأسلوب القطاع الخاص الذى مازلنا نترحم عليه فى قرن مضى فهذا العمل يشبه عروض فؤاد المهندس وشويكار ونجيب الريحانى ومارى منيب ويوسف وهبي، الأعمال التى كانت تعتمد على صناعة بهجة وضحك بالفن، وبالتالى يحيى عبد الباقى القطاع الخاص الفنى وليس التجارى وشتان ما بين الاثنين..!
المسرح الإنجليزى فى مصر
       لم تتوقف هذه التجربة عند تفجير طاقات شابة وطرحها للوسط الفني، بل هناك ما هو أقوى وأبعد من ذلك، وهو العمل على إعادة تقديم عمل أجنبى فى ثوب مصرى كما كان يفعل الراحلون يوسف وهبى ونجيب الريحانى فكلاهما قام بتمصير أعمال مسرحية فرنسية وإيطالية وتم نقلها إلى المسرح المصري، لكن الفارق الكبير هنا والذى يجب أن نحيى عليه هذا الرجل «أشرف عبد الباقي» أنه تعاقد مع فريق مسرحية «the play that goes wrong» التى تقدم فى لندن حاليا، على أن يشترى حقوق تقديمها وعرضها فى مصر وهذا تقليد جديد لم نعهده فى مصر من قبل؛ أن يبادر منتج بشراء حق عرض منتج ناجح من أعمال المسرح الإنجليزى يتم عرضه حاليًا على مسرح برودواي، ثم يعاد عرضه بممثلين مصريين اتقنوا وأجادوا فى تقديم نسخته المصرية وكأن العمل صناعة مصرية أصيلة، كما اتبع عبد الباقى أسلوب ال»double cast» ففى هذا العمل هناك فريقين يقدمون أدوارهم بالتبادل ففى كل يوم تشاهد مجموعة مختلفة تقدم نفس العرض، وبالتالى لا يمكن أن تجزم بأن هناك مجموعة أقوى من الأخرى لأن كليهما قرر أن يقدم نفس الدور بروحه وبصمته الخاصة، الجميع تذوقوا نفس الشخصيات وأعادوا إفرازها وتقديمها بروح مختلفة كل على طريقته، مما اضفى مزيد من التنوع والمتعة على هذه التجربة التى تعتبر من أكثر التجارب ابتكارًا وتميزًا فى مجال القطاع الخاص حاليًا، فأنت على موعد لمشاهدة مجموعة كبيرة من الشباب الموهوبين بأسعار تذاكر زهيدة على خشبة مسرح الريحانى..!