الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ثالوث مخاطر يحاصر تراث مصر القديم

ثالوث مخاطر يحاصر تراث مصر القديم
ثالوث مخاطر يحاصر تراث مصر القديم




تمتلك مصر تراثا كبيرا وغنيا منذ أقدم العصور وحتى العصر الحديث، وهذا التراث وإن كانت وزارة الآثار تبذل جهودا كبيرة قدر المستطاع لحمايته، إلا أنه يتعرض للعديد من المخاطر التى تهدده، وفى المقابل تمتلك مصر عقولا لديها أفكار خلاقة قادرة على التصدى لذلك، بأسلوب علمى ومنهج شهد له المتخصصون فى الآثار والتراث من دول العالم، وهو ما حدث مؤخرا فى كل من إيطاليا واليابان، حيث قام اثنان من خبراء ومتخصصى الآثار المصريين بعرض أهم مشاكل التراث والآثار فى مصر والجهود التى تبذل لحلها وتلافيها.
خبيرا الآثار وعبر ما قدماه من عرض فى كل من إيطاليا واليابان، وضعها أيديهما على أبرز المشاكل والمخاطر التى يتعرض لها التراث المصرى المحلى منه والعالمي، والجهود التى تمت لمواجهة تلك المشاكل ومدى فاعليتها لحلها، وهو ما قام به الدكتور على طه عمر مدير قسم الترميم بالمركز الإيطالى المصرى للترميم والآثار والمدير التنفيذى لمشروع ترميم الجامع الأزهر الشريف، وأسامة محمد صالح الباحث والخبير أثرى، والحاصل على الماجستير فى الأطلال البيزنطية والاسلامية بمدينة سانت كاترين.


البداية كانت مع الدكتور على طه عمر الذى ألقى محاضرة فى كلية العمارة بجامعة ماتيرا بايطاليا، بعنوان «المبانى القديمة فى القاهرة: المشاكل والحلول»، بدعوة من الجامعة وتحت إشراف البروفيسور ميكيلى داماتو، رئيس مختبر اعداد المشروعات، والبروفيسور انطونيلا جويدا، والبروفيسور انطونيو كونتى رئيس مختبر البحث العلمى والابتكار.
وتناول د.على طه المشاكل الأساسية التى تعانى منها المبانى القديمة والتاريخية فى مصر، وأولها الرطوبة المتصاعدة فى الجدران وتأثيرها على مواد البناء وخاصة فى وجود الأملاح، وعرض حالات للدراسة مثل المبانى فى شارع المعز وآثار شارع السيوفية بالقاهرة ومقارنتها بمشاكل المبانى التاريخية فى إيطاليا، والفرق بين مظاهر التلف التى تنتج بين المبانى المصرية والمبانى التاريخية.
وعرض د.على الأعمال التى قام بها الايطاليون لحل مشكلة الرطوبة فى سماع خانة الدراويش المولوية بالقاهرة، حيث قاموا بعزل الرطوبة بأسلوب قطع الجدران، وهو أسلوب لأول مرة يستعمل فى مصر، لكنه أسلوب متعارف عليه فى ايطاليا وخاصة فى مدينة فينسيا.
أما آثار شارع المعز فقد قامت وزارة الآثار بخفض منسوب مواسير المياه والصرف والصحى والغاز والكهرباء، وقامت بتغيير كل المواسير مما أدى إلى انخفاض ملحوظ فى المياه التحت سطحية فى المنطقة بأكلمها، كذلك تم خفض الرطوبة فى بعض المبانى الآثرية بعمل خندق حول المبانى ووضع مواسير بها ثقوب من أعلى، وتصب هذه المواسير فى مكان لصرف الماء بعيدا عن المبانى بتحويل اتجاه الماء.
كما ذكر انه تم استخدام مواسير بورفريتيد داخل الخندق فى الجامع الأزهر الشريف حديثا لخفض مستوى المياه التحت أرضية، ونوه إلى أن الأساليب الحديثة باستخدام تيار كهربائى والتى تتجه لها ايطاليا حاليا لم تثبت كفاءتها بعد، حيث إن هذا الأسلوب منذ عشرات السنين وكل المحاولات والتجارب باءت بالفشل ولم تؤثر على ارتفاع المياه فى الجدران، حيث إن مصدر الرطوبة موجود ولم يتم التعامل معه.
وأوضح أنه بالإضافة الى مشاكل الرطوبة فى مصر؛ توجد مشكلة الأملاح، وهى مشكلة خطيرة للمبانى التاريخية، لان التربة المصرية تربة غنية بالأملاح منذ القدم، وهى تختلف عن التربة الايطالية، وقد قام العالم الانجليزى الفريد لوكاس منذ أوائل القرن الماضى بتفسير العلاقة بين الرطوبة والأملاح فى تلف مواد البناء، حيث يؤدى وجود الأملاح الى وجود ضغوط داخلية بسبب تبلور الأملاح وتضخمها داخل مواد البناء مما يؤدى الى تلفها وتدهورها، وقد ذكر هيرودت عندما زار الأهرامات أن الأملاح كانت تغطى مساحات كبيرة من احجار الأهرامات، وعليه فإن المبانى المصرية تعانى من الأملاح منذ القدم.
وأشار طه إلى أساليب الترميم المختلفة التى تستخدم بمصر، فى اعمال التنظيف والاستكمال والتقوية والحقن، ومقارنتها بالأساليب المستخدمة فى ايطاليا، حيث توجد اختلافات بسيطة بينهم نتيجة لاختلاف المناخ والبيئة، وتتفوق مصر على ايطاليا فى استخدام اسلوب التنظيف بالبخار الذى لم يستعمل فى ايطاليا بعد، حث تميل ايطاليا إلى تنظيف الواجهات باستخدام اجهزة السفع بالرمال المتخصصة فى تنظيف المبانى الأثرية.
ومن إيطاليا إلى اليابان، حيث يشارك أسامة محمد صالح الباحث والخبير الأثرى فى برنامج تدريبى بعنوان «آليات الادارة المناسبة لمواقع التراث العالمى ودورها فى التنمية السياحية»، وتنظمه الهيئة اليابانية للتعاول الدولى «جايكا» وينتهى فى 17 نوفمبر الحالي، ويشارك فى البرنامج 13 دولة من اسيا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وافريقيا، ومصر هى الممثل الوحيد لقارة افريقيا فى هدا البرنامج.
أسامة كما قال لنا: شرفت بتمثيل مصر فى هذا البرنامج التدريبى بعد اجتياز الاختبارات، وقد اعتمدت الهيئة اليابانية للتعاون الدولى ترشيحى للمشاركة فى البرنامج، والذى يعقد بمقر جامعة ريتسو ميكان بمدينة كيوتو وهى من أعرق الجامعات اليابانية واقدمها، وهدف البرنامج الرئيسى إلى تدريب القيادات على الاسلوب الأمثل لادارة مواقع التراث العالمى بما يضمن تحقيق التنمية السياحية.
وتابع: شاركت بورقة بحثية تناولت فيها مواقع التراث العالمى فى مصر وأهميتها الأثرية والثقافية، ثم استعرضت أهم المشاكل والمعوقات التى تواجه مواقع التراث العالمى فى مصر، وطرحت رؤيتى لتطوير تلك المواقع من خلال عدة محاور، وفيما يخص أهم المشاكل المتعلقة بمواقع التراث العالمى فى مصر، فقد تناولتها على عدة محاور منها المحور الادارى، وما يتضمنه ذلك من تعدد الإدارات المشرفة على مواقع التراث العالمى، وفى نفس الوقت تعدد جهات الولاية على مواقع التراث العالمي.
وعلى سبيل المثال قد نجد بعض مواقع التراث العالمى أصبحت محاطة بكتلة سكانية ضخمة نتيجة للزحف العمرانى العشوائى، وهو ما أدى الى دخول جهات حكومية متعددة فى عملية ادارة مواقع التراث العالمى سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، مثل وزارة الاسكان والزراعة والبيئة، بالاضافة الى الادارة المحلية الواقع فى نطاقها الموقع الاثرى، وقد نتج عن ذلك تداخل العديد من القوانين والتشريعات بما يعرقل عملية التطوير لهده المواقع، وانعدام التنسيق بين الجهات المعنية بعملية التطوير.
كدلك عدم التدريب الكافى للعاملين بمواقع التراث العالمى وهو ما يعرف برفع كفاءة الموارد البشرية، وانعدام المرافق فى بعض مواقع التراث، وعدم وجود مصادر التمويل اللازمة لتطوير تلك المواقع، وأيضا من المشكلات الأساسية ، نقص الوعى الثقافى وعدم ادراك القيمة الحقيقية لتلك المواقع ودورها فى عملية التنمية السياحية.
وقال إنه فى هذا الاطار علينا ان نستفيد من تجارب الدول الاخرى، فعلى سبيل المثال فان اليابان قد بدأت اهتمامها الفعلى بالسياحة مند عام 2003م، حين وضعت خطة مستدامة للحفاظ على مواقع التراث العالمى، حيث قامت باعادة تخطيط لبعض المدن التراثية بما يضمن الحفاظ على مواقعها الاثرية، وحددت مناطق فاصلة بين المواقع الاثرية والتجمعات السكنية، وقامت باعادة تأهيل تلك المواقع ورفع كفاءتها، وأطلقت برنامجا سياحيا تحت شعار زيارة لليابان.
وقد انعكست هذه الاجراءات بشكل سريع على اعداد السائحين الراغبين فى زيارة اليابان، وارتفعت هده الاعداد من 4 ملايين سائح فى 2004 الى 28 مليونا و900 ألف زائر فى 2017م، مما يعكس أهمية مواقع التراث العالمى كمورد مهم من موارد التنمية السياحية، وفى سبيل الوصول لحلول جادة وواقعية لمشاكل مواقع التراث العالمى فى مصر، يتوجب علينا أن نقوم بتحليل دقيق لتلك المشاكل وتتبع مسبباتها حتى يتسنى لنا التوصل لوضع الحلول المناسبة.
وتابع: وقد اقترحت فى ورقتى البحثية ضرورة إنشاء مجلس أعلى لادارة مواقع التراث العالمى، على أن يضم فى عضويته ممثلين رفيعى المستوى من كل الجهات المعنية والمتداخلة فى ادارة مواقع التراث العالمى، بما يضمن وضع استراتيجية وخطة واضحة ومحددة لتطوير مواقع التراث العالمى ووضع جدول زمنى للانتهاء من هذه الاعمال، كما طالبت بضرورة إشراك القطاع الخاص فى عملية تطوير مواقع التراث العالمى، والاستثمار فى تلك المواقع مع وضع الاطار القانونى اللازم للحفاظ على تلك المواقع، وفى نفس الوقت يضمن المستثمر تحقيق العائد المادى المناسب.
وأضاف: وهو ما يعرف بنظام ال pot أو حق الانتفاع وهو نظام اتبعته الحكومة اليابانية، وحقق طفرة كبيرة فى رفع كفاءة وتطوير مواقعها التراثية، حيث يقوم المستثمر بالصرف على تطوير الموقع التراثى تحت اشراف حكومى، وفى المقابل تمنحه الحكومة امتيازات كافية داخل الموقع، مثل حق الانتفاع من المحلات السياحية والكافيتريات والمرافق الموجودة بالموقع، وذلك لفترة زمنية محددة تعود بعدها ادارة تلك المرافق للدولة او لمستثمر اخر، بما يضمن التطوير المستمر ورفع كفاءة الموقع بشكل دورى.