الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

انفراد حفيد الفنان العالمى ألفونس موكا متحدثا لـ روزاليوسف فى أول لقاء للصحافة العربية

انفراد حفيد الفنان العالمى ألفونس موكا متحدثا لـ روزاليوسف  فى أول لقاء للصحافة العربية
انفراد حفيد الفنان العالمى ألفونس موكا متحدثا لـ روزاليوسف فى أول لقاء للصحافة العربية




حب هتلر لفن «موخا»
أنقذ لوحاته من قانون تطهير الفن

فى وسط مدينة براغ وتحديدا فى الحى القديم على بعد بضع مئات من الأمتار من برج قاعة المدينة الأثرى يقع متحف أحد أهم رواد مدرسة الآرت نوفو Art Nouveau  أو ما يعرف بـ«مدرسة الفن الجديدة» الفنان العظيم «ألفونس موكا» أو كما يطلق عليه فى لغته الأم – «ألفونس موخا» – والحقيقة أننا قبل أن نشرع فى عرض الحوار الذى أجريناه مع حفيده السيد «جون موخا» وهو الرئيس التنفيذى لمؤسسة «ألفونس موخا» الضخمة، علينا أن نزيل بعض اللبس من ذهن القارئ العادى أو المتخصص بخصوص موقع ألفونس «موخا» من مدرسة الآرت نوفو.
 أولا علينا أن نقول إحقاقا للحق أن «موخا» والنمساوى جوستاف «كليمت» القطب الثانى لهذه المدرسة متساويين تماما بل قد يفوق «موخا» «كليمت» فى بعض النقاط المهمة للغاية، أول هذه النقاط أن «كليمت» لم يكن أول فنان يطلق عليه فنان الآرت نوفو بل هو ألفونس «موخا» وهذا ثابت تاريخيا قبل حتى الأخذ بمصطلح الآرت نوفو كتوصيف لمدرسة أو حقبة فنية وهذا بالطبع لا يقلل من شأن «كليمت» إطلاقا لكن هذا فقط إحقاق للحق، أيضا علينا أن نسوق بعض الأدلة لنفصل بين الآرت نوفو النمساوية والتى يقودها جوستاف «كليمت» وبين الآرت نوفو الفرنسية التى تتشعب لأكثر من سبع مدارس متنوعة كان على رأس كتيبتها الأساسية ألفونس «موخا»، هناك أيضا فوارق كبيرة من وجهة نظرنا بين المدرستين أو بالأخص بين «موخا» و«كليمت» أولهما أن «موخا» طوع قريحته الفنية وأدوات التطوير فى فنه لفن نوعى عملى قد تراه فى حياتك اليومية وتشبع عينيك منه فهو فى محطته الرئيسية باريس كان يعمل فى تصميم ورسم الإعلانات للمسارح والملاهى مثله مثل الكثيرين وقد نطلق عليهم – فنانى مونتمارتر – والذين شكلوا لنا هذه الصورة الخيالية عن باريس التى تعج بالطبقة المتوسطة لكن بالطبع لم يكن «موخا» مثل ستانلين مثلا وهو أحد عتاة مونتمارتر لكنه كان أكثر تخصصا بحيث احتكر فى نهايات القرن الـ19 فن التصميم والإعلان حتى أنه أسس دارا للتصميم والطباعة فى باريس كانت الأشهر فى وقتها، أهله لذلك إبداعه فى تصاميم ملصقات مسرحيات سيدة المسرح الفرنسى سارة برنار والتى أصبحت الراعية لها بعد أن أعجبها أسلوبه الجديد فى الرسم والتصميم، كما أصبح فنه علامة مسجلة فى أوروبا وآسيا أيضا من خلال تصميمه رسومات وزخارف علب أطعمة الأطفال والحلوى وعلب السجائر، كما كان يقوم أيضا برسومات الكتب والأغلفة ويرسم الرسوم التوضيحية فى المجلات والجرائد مثل جريدة – الجريدة الصغيرة le petit journal  – لكن ما يهمنا هنا توضيح الفرق بين «كليمت» و«موخا» وأيهم أكثر أحقية باللقب الذى هو بالفعل كان من نصيب «موخا»، فهو أول من أطلق عليه فنان الآرت نوفو وليس «كليمت» وحتى حينما أراد «كليمت» أن يخوض غمار تصميم البوستر فإنه قد كشف عن سر فنيا لم يعرفه النقاد إلا منذ فترة قريبة وهذا السر هو أن ينابيع «كليمت» كانت كلاسيكية محضة سواء من ناحية المقاييس أو الموضوع ذاته فجوهر فنه كان إغريقيا ورومانيا بل وفرعونيا أيضا لأنه استخدم نماذج هلينستية – إغريقية شرقية – والتى بالأساس كانت نتاج تهجين بين الفن الإغريقى والفن الفرعونى، وهذا ما كشفت عنه تصميمات «كليمت» لمجموعة من ملصقات وإعلانات العروض المسرحية من خلال اكتشاف مجموعة كبيرة من الرسوم التحضيرية لهذه الملصقات – الكارتونات – وهذه نقطة فاصله بين أسلوب الآرت نوفو عند «كليمت» وعند «موخا» فـ»كليمت» انطلق من الكلاسيكيات الأولى للفن الجديد أما «موخا» فكان أصيلا فى الابتداع وميزه أيضا فى ذلك أن دراسته كانت منصبة أكثر على التصميمات والموتيفات الزخرفية وهذا يبين لنا كيف أن زخارف الآرت نوفو فى 70% منها تعود لـ«ألفونس موخا» أما إذا درسنا «كليمت» فى من ناحية موتيفاته الزخرفية وجدنا أنه شديد الضعف بالنسبة لـ«ألفونس موخا».
فى نقطة أخرى علينا أن نقول أن تأثير «موخا» كان طاغيا كأستاذ ومؤسس للآرت نوفو الحقيقى والذى أثر بكل ثقة على فنون التصميم الأخرى مثل العمارة والتصميم الداخلى وبالأخص تصميم أغلفة الكتب والمجلات والإعلانات التى خرجت من باريس للعالم وحتى أمريكا بإمضاء «موخا»، وحتى الآن يُجمِع النقاد فى الولايات المتحدة الأمريكية أن «موخا» قد أثر فى فنانى التصميم والاليستريشن بشكل يدعو للدهشة بعد زيارته لأمريكا فى أوائل القرن العشرين والتى أحدثت طفرة فى الفن الأمريكى لا يستطيع أحد إنكارها، ولقد حصرنا أكثر من 1700 ملصق وغلاف كتاب وإعلان فى فترة زيارة «موخا» لأمريكا وحتى خمس سنوات بعدها وجدناها كلها بإيحاء تطبيقى ومحاكاة حقيقية لأسلوب «موخا».
وبعد هذه المقدمة الواجبة نعرض للحوار الذى أجريناه فى العاصمة التشيكية براغ مع السيد جون «موخا» حفيد الفنان الكبير والرئيس التنفيذى لمؤسسة ألفونس «موخا».
■ فى البداية هل تستطيع أن تصف لنا علاقتك بفن وعالم الفنان الكبير ألفونس «موخا»؟
الحقيقة أن علاقتى بـ«موخا» ليست علاقة حفيد بجده فقط ولا حتى علاقة معجب، لكنها فى الحقيقة علاقة إنسان بعصر كامل من الفن، «موخا» ليس فنانا نابها وحسب بل هو الحجرة الفنية الأكثر زخما وجمالاً فى ذاكرة التشيك الحديثة، لذا كنت منذ الصغر وحتى فى البلاد التى ترعرعت فيها مثل انجلترا أجد نفسى منجذبا دائما لـ«موخا» الإنسان والفنان والتاريخ، فكنت أطلب من والدى أن يحكى لى عنه دائما حتى أوثق هذه الذاكرة الرائعة قبل أن يطويها النسيان دون تسجيل وكنت دائما أشعر بالدهشة من هذا التشيكى الذى يحل على باريس فيصبح أهم فنان فيها دون منازع بل وأكثرهم فى القيمة التجارية.. أيضا كنت أرى دائما مأساته مع القهر والألم فى ظل الحكم النازي.. ليظهر لك أنه حتى العظماء يعانون وربما يموتون قهرا مثل «موخا».. وهكذا فأن علاقتى به علاقة مواطن تشيكى بكتاب تاريخ ضخم اسمه – «ألفونس موخا».
■ لماذا لم تخض غمار العمل الفنى أو تدرس الرسم لتصبح مثل جدك؟
ربما من يجيب عن هذا السؤال والدى إذا كان حيا فوالدى «جيرى موخا» كان كاتبا وصحفيا ومع أنه كان يهوى الرسم لكن «ألفونس موخا» حينما لمس أن موهبته ليست بالفذة صرفه بطريقة رقيقة عن الرسم وغذى فيه حب القراءة والكتابة.. والحقيقة أنه أيضا – أى أبى – صرفنى بدوره عن الرسم بنفس الطريقة لأننى لم أكن أملك موهبة مثل «ألفونس موخا» وربما أيضا كان هناك هاجس عند الأسرة فى أن تحابينا الهيئات والنقاد بحكم أننا من أحفاد «موخا» وهذا ليس طريقا صحيحا للفن.
■ فى عام 1992 أعلنتم تأسيس «مؤسسة ألفونس موخا» والشروع فى أنشاء المتحف فكيف جاء هذا القرار؟
صدقنى سيدي.. هذا القرار ندمت كثيرا أنه تأخر حتى عام 92، لكن ما كان يحدث فى تراث ألفونس مخوا استفزنا جميعا أنا وأمى وعائلة «موخا» أجمعها.. لقد وجدنا أن تراث أحد أعظم فنانى التاريخ الحديث يصبح نهبا للفناء والسرقة والضياع بل والتدليس.. لقد شاهدت بعينى لوحات مزورة ممهورة بإمضاء «موخا» تباع بالملايين وهذا تلويث لسمعة وأسلوب فنان بقامته، رائينا لوحات وتصاميم وكارتونات أخرى تمت سرقتها أو الاحتيال على امتلاكها وهى لا تقدر بثمن، وأضرب لك مثلا ربما غاية فى العجب.. لقد وجدنا لوحة متوسطة الحجم كان قد رسمها «موخا» لإحدى الباريسيات على غرار «سارة برنار» وكانت عند أحد تجار الفنون فى شيلون فى سويسرا وكان يعرضها لصالح مالك مجهول وبعد أن قدرت بـ 4 ملايين يورو عرفنا أن اللوحة تمت سرقتها من شقة مهجورة فى باريس وللأسف لم نستطع أن نتخذ أى إجراء وبيعت اللوحة لمقتنى مجهول أيضا، من هنا كان علينا أن تخذ خطوة جادة وحاسمة ربما جاءت متأخرا لكنها ضرورية ومصيرية للحفاظ على تراث «ألفونس موخا».
■ كيف تم جمع هذه اللوحات والمقتنيات فى متحف «ألفونس موخا» وهل واجهتم صعوبات فى إنشاء المتحف؟
الحقيقة أنك لمست العصب الحقيقى والعارى والمتألم لهذه القضية.. مبدئيا هل تعرف النسبة التى تشكلها هذه المعروضات من أعمال وتراث «موخا»؟!، الحقيقة أنها أقل من 10% من تراثه، وهذا بالطبع مخيب لآمال كثيرين، وعلى الرغم من أن هذه المجموعة على ضخامتها تشكل هذه النسبة الضئيلة فإننا عانينا جهدا وحروبا وعنتا لأكثر من 12 عاما حتى استطعنا جمعها ووضعها فى هذا المتحف الذى على الرغم من أنه متميز إلا أننى مازلت أرى أنه لا يليق بجزء من ذاكرة التشيك متمثلا فى تراث «موخا».
■ هل لى أن أسأل سيادتكم ما نوعية المصاعب التى واجهتكم أثناء البحث عن تراث «موخا»؟
كما قلت لك قبل أن نبدأ حوارنا فأن هناك ملفا ضخما أضخم مما يتخيل أحد يضم هذه المصاعب خصوصا المصاعب القانونية وكيفية الحصول على مقتنيات تملكها دول ومؤسسات وأشخاص بشكل غير قانوني، تعرف أن الاقتناء يتم إما بالإهداء أو الشراء أو التخصيص ومن ثم معظم مقتنيات الهيئات فى أوروبا وأمريكا من تراث «موخا» غير مملوكة بشكل قانونى والقليل جدا متعاون لكن الغالبية العظمى غير متعاونة والسبب فى ذلك أن أعمال «موخا» وتراثه الفنى من الناحية البيعية مرتفع لدرجة أن أعمال «موخا» تفوق أحيانا فى سعرها أسماء مثل كليميت ودالى وغيرهم، ومن ثم واجهنا ومازلنا نواجه الكثير من المصاعب والمشكلات وهناك حالات كثيرة أمام القضاء للبت فيها.
■ ما هى أكثر المصاعب التى واجهتكم فى الفترة الماضية؟
أهمها على الإطلاق البحث عن المفقود والتعامل مع الهيئات الرسمية والحكومية فى أوروبا.. بالطبع تعرف أن «موخا» قد تم اعتقاله من قبل قوات هتلر فى الحرب العالمية الثانية ومرض مرضا شديدا كان السبب الرئيسى فى وفاته، والحقيقة أن السبب الرئيسى فى القبض عليه هو أنه كان شخصية قومية يخدم فى حكومة التشيك بلقب فارس لكن هناك سببا آخر لا يعرفه الكثيرون وهو أن «موخا» جدته لوالدته كانت يهودية وهذا ما كان يعرفه رئيس وحدة الجستابو رينهارد هايدريش والذى كان يتمركز فى براغ واغتيل أيضا فى براغ ولقد أخفى هذه الحقيقة عن القادة الألمان لأنه كان محبا لفن «موخا» كما كان هتلر أيضا وكان «موخا» لحسن الحظ أحد الفنانين الذين لم يخضع فنهم لقانون تطهير الفن الذى أصدره أودلف هتلر والذى تسبب فى حرق آلاف من أعمال فنانين عظماء أمثال كاندينسكى وبيكاسو وكوكوشكا، لهذا السبب كان قد صادر هتلر وقواده أكثر من 1300 قطعة متنوعة من أعمال «موخا» سواء من باريس أو من براغ وكان ينوى هتلر أن يضعها فى متحفة الشهير الذى لم يتم – متحف الفوهرر – وهذه الكمية الضخمة من تراث «موخا» كانت تملكها ألمانيا الشرقية قبل وحدة ألمانيا ولسبب ما تسرب منها الكثير سواء بالبيع أو الاختفاء كما أن بعضها حرق وضاع أثناء الحرب ومن ثم واجهنا مصاعب جمة فى تتبع هذه الأعمال، والحقيقة أن بعض الهيئات كانت متعاونة وكريمه أيضا وقامت برد بعض هذه الأعمال إلينا وأخص بالذكر منهم متحف القبو الأخضر فى درسدن بألمانيا حيث رد لنا 12 قطعة كانت فى مخازنه دون أى إثبات أو سند ملكية، لكن معركتنا مع ورثة رجال هتلر لم تنتهى بعد.
■ ما طبيعة الأزمة بينكم وبين بعض المؤسسات الحكومية فى براغ؟
لا أستطيع أن أقول أن الأزمة بيننا وبين كل المؤسسات لكنها مع بعض المؤسسات تحديدا وأسباب الأزمة كثيرة ومتشعبة أهمها أن أهم أعمال «موخا» على الإطلاق وهى مجموعة تشكل معرضه الشهير «الملحمة السلافية» مكونة من 20 لوحة ضخمة، أى أن اللوحة الواحدة من الممكن أن تغطى حائطا فى قصر وهو عمل نوعية تاريخى استغرق من جدى شرخ صباه وحينما أتى وعرضها فى معرضه الشهير هنا فى براغ  عام 1919 ولعدم توافر مكان يسهل فيه عرض أعمال بهذه الضخامة دعته بلدية براغ ليعرض فى قاعتها الضخمة وبعد انتهاء المعرض وبكل كرم من روح فنان أهدى «موخا» هذه اللوحات لبلدية براغ.. أى أهدى لهم شرخ صباه وخلاصة روحه على أن تكون هذه اللوحات ملكا للشعب التشيكي.. والآن المسئولون لا يقدرون هذا فمنذ أعوام قرروا إرسال العشرين لوحة فى رحلة طويلة لتجوب اليابان وهذا بالطبع ولابد يجب أن يكون بموافقتنا نحن المسئولون عن حماية تراث «موخا» ونحن نرفض بشدة لأن خامات اللوحات من مادة التمبرا والتى تأثرت وتتأثر بعوامل التعرية والوقت وسوف يدمرها النقل من مدينة لأخرى خصوصا أن نقلها لن يكون سهلا لأننا نتحدث حرفيا عن عشرين حائطا ضخما من الألوان والإبداع الذى لا يقدر بثمن، أبدينا اعتراضنا لأنهم لم يقدموا لنا أى ضمان بأن اللوحات سوف تكون بأمان وأنها لن تتعرض للتلف الكلى أو الجزئي، وفوق ذلك من يحب أن يرى أعمال «موخا» الضخمة والرائعة مثل الملحمة السلافية فعلية أن يأتى إلى براغ.. هذا يقدم قيمة سياحية ومعنوية مضافة للمدينة وهذا ما لا يستطيع فهمه الإداريون المتجمدون، ومن ثم لجأنا إلى التقاضى القانونى بصفتنا المخولين الرسمين والشرعيين للحفاظ على تراث ألفونس «موخا».