الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إدوارد سعيد: الاستشراق يدعم خطط الاستعمار للسيطرة والهيمنة

إدوارد سعيد: الاستشراق يدعم خطط الاستعمار للسيطرة والهيمنة
إدوارد سعيد: الاستشراق يدعم خطط الاستعمار للسيطرة والهيمنة




تمر هذه الأيام الذكرى 83 على ميلاد المفكر الفلسطينى الأمريكى إدوارد سعيد «1 نوفمبر 1935- 25 سبتمبر 2003» الذى يعد أبرز مفكرى القرن العشرين، ويتكئ فى رؤيته النقدية وعمله المعرفى على تصور يرفض النظريات الأصولية فى فهم الأدب والتاريخ، أى تلك التى ترى فى الأصل الغربى – الأوروبى مصدر إشعاع يغمر بضيائه الثقافات الأخرى  وقد كان كتابه «الاستشراق» الصادر عام 1978بمثابة نقد مضاد لكل النزوعات الأصولية فى فهم الثقافة والأدب والنقد. بالإضافة إلى كونه ناقدًا أدبيًا مرموقًا، فإن اهتماماته السياسية والمعرفية متعددة واسعة تتمحور حول القضية الفلسطينية والدفاع عن شرعية الثقافة والهوّية الفلسطينية، وعن عدالة هذه القضية وحقوق الشعب الفلسطينى، كما تتركز اهتماماته والموضوعات التى يتناولها على العلاقة بين القوة والهيمنة الثقافية الغربية من ناحية، وتشكيل رؤية الناس للعالم وللقضايا من ناحية أخرى. ويوضح إدوارد سعيد هذه المسألة بأمثلة عديدة وبتفاصيل تاريخية فى مسألة الصهيونية، وترعرعها فى الغرب، ونظرة الغرب إلى العرب والإسلام والمسلمين وثقافات العالم الأخرى. ويشرح إدوارد سعيد كيف أن الإعلام الغربى والخبراء وصنّاع السياسة الغربية والإمبريالية الثقافية الغربية تتضافر كلها لتحقيق مصالح غربية غير عادلة فى نهاية المطاف، وذلك عن طريق إيجاد خطاب غربى منحاز ثقافيًا إلى الغرب ومصالحه.
لقد كشف الاستشراق النقاب عن ممارسة القوة وتجلى  من تجلياتها.وكان الاستشراق يدعم خطة استعمارية  للهيمنة والسيطرة، ولم تكن أهدافه علمية خالصة كما يدعى أعلامه إلا فى استثناءات نادرة»
بتأثير من هذا الفهم بدأت تظهر وجهات نظر أخرى ترى أن الصراع على فلسطين لم يكن صراعًا حقيقيًا ماديًا، بل كان ثمرة سوء تفاهم نفسانى.
إن من الصعب النظر إلى أمريكا فى ضوء هذه الحقائق، بوصفها طرفًا محايدًا فى الصراع، لأنها فى الحقيقة تقوم بتمويل التسلح والاستيطان الإسرائيليين فى الأراضى العربية المحتلة.
وفى ضوء ذلك فإن ما يأخذه سعيد على القيادة الفلسطينية، وعلى العقل العربى الرسمى عمومًا، هو جهلها بالولايات المتحدة وافتراضها أن بالإمكان كسب السياسة الأمريكية لصف الشعوب العربية ومصالحها  ويشرح سعيد ما تخطط له إسرائيل للسيطرة على القدس ببناء حلقتين من المستوطنات متحدتى المركز حولها بحيث تبتلع معظم مساحة وسط الضفة الغربية وصولًا إلى بير زيت فى الشمال وحتى ضواحى الخليل فى الجنوب، وهو يرى أن ما تخطط له إسرائيل من ابتلاع لمعظم مساحة الضفة الغربية، والاستيلاء النهائى على القدس وما حولها، لا يلقى أى رد فعل من قبل سلطة الحكم الذاتى. فليس هناك أية خطة استراتيجية مضادة لمقاومة سياسة الابتلاع وفرض الأمر الواقع، وهو ما سيؤدى إلى تقسيم السكان الفلسطينيين إلى جزر وكانتونات ومناطق صغيرة يسهل احتواؤها.
ويرى سعيد أن القدس وغزة هما من بين المفاتيح الأساسية للمستقبل الفلسطينى: القدس.. بسبب الحرص الذى يبديه الإسرائيليون فى توسيع أعمالهم الاستيطانية، وغزة لأنها تمثل جوهر القضية الفلسطينية، لكونها ذلك الجحر الجهنمى المكتظ باللاجئين المعدمين المتعرضين دومًا للاضطهاد، والذين كانوا على رغم ذلك، ولا يزالون، دينامو المقاومة والنضال ضد الاحتلال الإسرائيلى.
وقد قال عنه محمود درويش:
إدوارد سعيد سفيرنا إلى الوعى الإنسانى سئم من الصراع العبثى الطويل مع الموت. لكنه لم يسأم من مقاومة النظام العالمى الجديد، دفاعًا عن العدالة، وعن النزعة الإنسانية، وعن المشترك بين الثقافات والحضارات. كان بطلًا فى مراوغة الموت طيلة اثنى عشر عامًا. بتجديد حياته الابداعية الخصبة، بالكتابة والموسيقى وتوثيق الإرادة الإنسانية، والبحث الحيوى عن المعنى والجوهر، ووضع المثقف فى حيّزه الصارم. لو سُئل الفلسطينى عمّا يتباهى به أمام العالم، لأجاب على الفور: إدوارد سعيد، فلم ينجب التاريخ الثقافى الفلسطينى عبقرية تضاهى إدوارد المتعدّد المتفرّد. ومن الآن، وحتى إشعار آخر بعيد، سيكون له الدور الرياديّ الأول فى نقل اسم بلاده الأصلية» من المستوى السياسى الدارج إلى: الوعى الثقافى العالمي. لقد أنجَبتهُ فلسطين. ولكنه - بوفائه لقيم العدالة المهدورة على أرضها، وبدفاعه عن حق أبنائها فى الحياة والحرية - أصبح أحد الآباء الرمزيين لفلسطين الجديدة. إن منظوره إلى الصراع الدائر فيها هو منظور ثقافى وأخلاقى لا يبرر فقط حق الفلسطينيين فى مقاومة الاحتلال، بل يرى إليه باعتباره واجبًا وطنيًا وإنسانيًا أيضًا. كان إدوارد كُلًا لا ينفصل.
توحّد فيه الإنسان والناقد والمفكر والموسيقى والسياسى، من دون أن تشوّش طبيعة كل نشاط من هذه الأنشطة على طبيعة النشاط الآخر. وامتازت شخصيته ذات السطوة العالية بكاريزما حوّلته ظاهرة عالمية فريدة. فنادرًا ما يجتمع المثقف والنجم فى صورة واحدة، كما اجتمعت فى إدوارد سعيد، الأنيق، البليغ، العميق، الشرس، السلس، المفتون بجماليات الحياة واللغة. وفى وداعه الصعب، فى وداعه المستعصى على الغياب» يلتقى العالم مع فلسطين عند لحظة نادرة، فلا نعرف الآن من هم أهل الفقيد، لأن عائلته هى العالم. خسارتنا مشتركة، ودموعنا واحدة، لأن إدوارد بضميره الحى وموسوعيته الثقافية، قد وضع فلسطين فى قلب العالم، ووضع العالم فى قلب فلسطين.
وهذا جانب من سيرته الذاتية كتبها بخط يده فيقول:
ولد أبى فى القدس فى العام 1895 فى حين ترجح أمى انه قد ولد فى العام،1893 ولم يخبرنى حرفيًا بأكثر من عشرة أمور أو أحد عشر أمرًا عن ماضيه، وكلها لم تتغير روايته لها أبدًا، ولم تكن سوى سلسلة من الكلمات القابلة للتحريض من حالة إلى أخرى.
كان أبى فى الأربعين حين ولدت، ومع أننى ولدت فى القدس وقضينا فيها أوقاتًا متباعدة، إلا انه لم يقل لى عنها شيئًا سوى انها تذكرة بالموت. وقد أخبرنى ان والده كان فى مرحلة من مراحل حياته ترجمانًا، وقيل انه بسبب معرفته باللغة الألمانية قد جال بالقيصر ويليام فى ربوع فلسطين، هذا الرجل الذى مات منذ زمن طويل لم يشر أحد إلى اسمه قط، فقد كانت أمى تشير إليه باسم «أبى أسعد»، ولم تكن تعرفه أبدًا، فقد كان من آل إبراهيم، ولذلك عرف والدى باسم «وديع إبراهيم». أما انا فحتى هذه اللحظة لا أعرف من أين جاءت كلمة «سعيد» ولا يبدو اننى قادر على تفسير الأمر، بل ان الكتابة عن جدى تبدو لى الآن اشبه بالتعامل مع أشياء مجردة، والشيء الوحيد الذى كان والدى يفضل ان يذكره لى عن هذا الجد، ان ضربات أبيه بالسوط، كانت أشد قسوة من ضربات أبى لي، وقد سألته ذات مرة، كيف تحملت الضرب؟ فأجابنى ضاحكًا: كنت أهرب معظم الأحيان. أما أنا فلم أكن قادرًا على الهروب بل لم أفكر بذلك على الإطلاق.
أما جدتى لأبى فكانت صورتها مبهمة أيضًا، كانت من آل شماس بالولادة، وكان اسمها «حنة» وكما قال لى أبي، فإنها هى التى أقنعته بالعودة من الولايات المتحدة العام،1920 وكان أبى قد غادر فلسطين العام،1911 اقنعته بالعودة لأنها كانت تريده بالقرب منها، لذلك كانت عودة أبى إلى المنزل الوطن أمرًا، وكان أبى يقول انه نادم عليه، لكنه كان يقول فى الوقت ذاته ان سر نجاحاته فى أعماله يعود إلى انه “دار باله” على أمه، وأنها فى المقابل كانت تصلى باستمرار كى تتحول الشوارع تحت قدميه إلى ذهب، وكانت أمى هى مصدر هذه التفاصيل الجزئية من هذه المعلومات المتعلقة بالسيرة الذاتية، والدرس الأخلاقي، واعتقد ان والدى هو الذى اخبرها بها دون ان يذكرها أمامى قط. ومع أننى لم أر شكل جدتى قط، ولم أر صورة واحدة لها، إلا انها كانت تمثل فى النظام الأخلاقى الذى رسمه لى والدى كلمتين مأثورتين متناقضتين، لم استطع فهمهما، أو الوصول إلى حل لهما. فقد قال لي: على الأمهات أن يحببن وأن يعتنى بهن دون شروط، ولكنهن بسبب حبهن الأنانى يحرفن الأطفال عن طموحاتهم المختارة، «فقد كان أبى يود أن يبقى فى أمريكا» ولذلك يجب ألا يسمح لهن بالاقتراب كثيرًا من أولادهن.
أما المعلومات التى قدمها لى ابن هذين الجدين، فقد كانت أشد تضليلًا وافترضت وجود تاريخ طويل بعض الشيء للعائلة فى القدس، واعتمدت فى هذا الافتراض على طريقة سكن عمتى «نبيهة» وأولادها فى المكان، وكأنهم ولا سيما، عمتى جسدوا روح المدينة الغريب، كى لا أقول القاحل والضيق. وفى فترة لاحقة سمعت أبى يتحدث عنا بوصفنا «خليفاويين»، وعلمت أن أصلنا البدوى الحقيقي، ولكن «الخليفاويين» من الناصرة.