الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

كوميديا الواقع الافتراضى!

كوميديا الواقع  الافتراضى!
كوميديا الواقع الافتراضى!




 عامل ديلفيرى تائه فى أحداث ثورة 25 يناير يتأخر طويلًا على مجموعة من الأصدقاء تائهون أيضا فى منازلهم على مواقع التواصل الاجتماعى؛ طلبوا طعامًا من مطعم «بكرة أحلى من النهاردة بكرة يومنا الجديد».. تتوالى أحداث الميدان وهو فى الطريق وهم منتظرون؛ كل هذه الأحداث فى العرض المسرحى «تسجيل دخول» إخراج هانى عفيفى على مسرح الهناجر؛ يبقى وضعهم فى حالة الانتظار والساعة تدور فى خلفية المسرح يمر الوقت بلا توقف، وهم أسرى البحث عن أنفسهم على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» يتحدثون معا على جروب لتحديد موعد للقاء، تشوش وأحاديث فارغة ومتابعة متأنية لكل كتابات الـ«فيس بوك»، فهم تحت رحمة سحر الساحر أو هكذا ارتدى بطل العرض ثيابًا وقبعة الساحر ليخرج علينا بعد تسجيلنا لدخول المسرح ويدخل فى أحاديث مطولة بجمل حوارية مشوشة ليس لها معنى وغير مترابطة، لكنها مثيرة للضحك لما حمله أحمد السلكاوى من طابع وأداء كوميدى فى حديثه الأول للجمهور مع بدء الدقائق الأولى من العرض, ثم يبدأ العرض فى ديكور منزل غير متناسق وكأن أثاثه وضع بشكل عشوائى حتى الثلاجة وضعت بجوار مقعد «التواليت».

«لايف».. كشف العوارات
    الثلاجة تظهر عليها أحاديث «اللايف» وهم جالسون فى أشد الأوضاع انفرادًا بالذات وحميمية وكشفا للعورات، فى هذه الأثناء يخرج هؤلاء لايف أمام الجميع وكأننا نشاهد علنًا فى هذا الوضع المخجل و«نحن داخل دورات المياه» يتحدثون عن أنفسهم، منهم من يلقى شعرًا تافهًا، ومنهم من تخصص حلقة لسرد نصائح نسائية كيف «تصطادين رجل»، أو لسرد معاناة شاب قتل طموحه ويحاول الانتحار، ثم سرد معاناة شابة مع الرجال ومطالبتها بتحقيق العدل فى الأذى بين الرجل والمرأة ثم نعود للتشدق بالمساواة، يشتد الجوع ويعيدون الاتصال بالدليفيرى لكن الطريق يتوقف مرارًا وتكرارًا ويعاد الاتصال، وفى كل مرة يتعطل ويمنعه حادث من الوصول فلا يصل أبدًا.
حرب إثبات الذات
  فى الواقع لم يكتف المخرج بالإشارة إلى قمة المراقبة والاختراق فى أشد لحظات الناس خصوصية؛ بل صنع هذا الاختراق أو التعرى من خلال ملابس مروة عودة, التى قامت بترقيع ملابس الممثلين بقطع بلاستيكية شفافة نرى منها أجسادهم حتى أن بعضهم ارتدى أحذية شفافة، توتر وعبث وأشخاص أقرب للهلامية من الآدمية تخلوا عن واقعهم الحقيقى واستبدلوه بواقع هلامى افتراضى لإثبات ذواتهم، طغى الشعور بضرورة إثبات الذات على الشعور بأى شيء آخر حتى بالاحتياج للعمل وبذل الجهد فى سبيله, فعلى وجه الثلاجة محل الطعام استبدلها المخرج بأحاديث وصور «الفيس البوك» وكأننا تركنا قوت يومنا من أجل حياة افتراضية تبيح لنا التنفيس والتعبير عن أنفسنا بالقدر الذى يحتاجه كل منا من الشعور بالذات، فأنت على موعد لمشاهدة حاضرك المشوش ومستقبلك الضائع على شبكة التواصل الاجتماعى دون أن تدرى، يسرق منك الوقت والعقل والعمر كما سرق صاحب القبعة متعلقات أبطاله الشخصية شيئا فشيء دون أن يشعروا، وهو من يسمح أولا يسمح بما يقال وينشر على منصة هذا المكان, فهو من يدير واقعك وعليك أن تتقبل شروطه.
كما بدأكم تعودون
 استخدم عفيفى تيمة مسرح العبث فى تناول ارتجالات عرضه المسرحى فلكل زمن عبثيته ولامعقوليته وبالتالى قدم عفيفى الإطار العام الذى دارت حوله مسرحية «فى انتظار جودو» لصمويل بيكيت مستغلا كل عبث الواقع الذى نعيشه اليوم، فى سرد أحداث حياة شباب لا يملك القدرة على الفعل ويعيش فى وهم رد الفعل؛ فكل منهم يظن أن صوته مسموعًا على «الفيس بوك» أو أن رأيه مهم بالقدر الذى يمكنه من تغيير العالم وأنه الأصح والأصوب والأعلم وبالتالى لابد أن يسجل خبرته الضئيلة أو اعتراضه أو ثرثرته غير المجدية كى يشارك بها العالم, وفى النهاية يحاول هؤلاء الخروج من هذه الحلقة المفرغة وهذا الإدمان اللامتناهى لكن تتعثر أقدامهم عند عتبة الباب ويتوقفون مشلولين عن الحركة مثل المانيكان الذى يضع عليه الرجل أشياءهم المسروقة وكما بدأ العرض ينهيه بالصمت؛ فكما بدأكم تعودون..
بهجة مغلفة بالشفقة
   يحمل العرض سخرية لاذعة من الواقع وكوميديا وبهجة مغلفة بالشفقة والحزن على ما صرنا عليه من واقع افتراضى ليس له قيمة حياتية, فحتى لو حاولنا الخروج منه لن نستطيع، بجانب انتظارهم للغد الذى لم يأت بعد، مما دعاهم للاستمرار فى اللهو وتضييع الوقت فى حالة الانتظار، تفوق الممثلون فى أداء أدوراهم جميعًا ربما يأتى على رأسهم أحمد السلكاوى الذى أدار تسجيل الدخول لخشبة المسرح بمهارة ودقة واحتراف استطاع سلكاوى السيطرة على الجمهور من الدقيقة الأولى وحتى آخر دقيقة برغم دخوله وخروجه فى فترات متقطعة كما أسهم بشكل كبير فى تغليف العمل بحالة من المعايشة وكأنه حقيقة يدير صفحات «الفيس بوك» لجميع الحاضرين وليس لأبطال العمل فقط؛ يليه فى قوة الحضور والطاقة ميشيل ميلاد الذى كان قادرًا على إضحاك الجمهور بعفويته وببساطته وفى العنصر النسائى تفوقت منة حمدى بإتقانها وقوة شخصيتها على المسرح فإستطاعت فرض وجودها ككوميديانة بين الرجال ثم شادى الدالى الذى يطرح نفسه كممثل تاركا عباءة الإخراج, تمتع شادى ببساطة تناوله للشخصية فى أداء دور الكلاسيكى الأبله وكذلك محمد الشافعى وهبة الكومى وندى نادر وأوسكار نجدى، مجموعة من التائهين البلهاء كل منهم كوميديانا على طريقته استطاعوا انتزاع الضحك من الجمهور، ففى هذا العمل قدم عفيفى تشكيلة متنوعة من الكوميديانات صنعوا ضحكًا مختلفًا فلكل ضحكة مذاقها الخاص فقط اضغط لـ«تسجيل الدخول»..!