الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

صدرت حديثًا عن الهيئة المصرية للكتاب.. «معركة الحداثة».. مساجلات نقدية بين «عصفور» و«حمودة»

صدرت حديثًا عن الهيئة المصرية للكتاب.. «معركة الحداثة».. مساجلات نقدية بين «عصفور» و«حمودة»
صدرت حديثًا عن الهيئة المصرية للكتاب.. «معركة الحداثة».. مساجلات نقدية بين «عصفور» و«حمودة»




صدر حديثا عن الهيئة المصرية للكتاب، المساجلات النقدية التى دارت بين الدكتور جابر عصفور والناقد الراحل الدكتور عبد العزيز حمودة حول الحداثة والبنيوية والتفكيك، وقد دارت رحى هذه المعركة عام 1998 على صفحات جريدة أخبار الأدب، ثم ارتأى جابر عصفور إصدارها فى كتاب تحت عنوان معركة الحداثة عقب صدور كتاب المرايا المحدبة للدكتور حمودة فى سلسلة عالم المعرفة بالكويت.
 وأخذ عصفور على حمودة اتهام الحداثيين العرب بالباطل بهدف السخرية ممن يسميهم حمودة «نخبة النخبة من الحداثيين العرب» حيث وصفهم بالنرجسية إلى حد بعيد كما لو كانوا يقفون أمام مرايا محدبة وقد وقف أمامها الحداثيون جميعا ودون استثناء،الأصليون منهم والناقلون،حتى كانت كافية لإقناعهم بأن صورهم فى المرايا المحدبة هى حقائقهم».بهدف إهالة التراب على جهود العشرات من النقاد والدارسين العرب على امتداد الوطن العربي، وضع من اختارهم لهوى فى نفسه،أمام مراياهم التى وجدها محدبة تكبر من صورهم أو تشوهها، فلا تخرج لهم ولا للقراء سوى صور زائفة يكون أسرى نادى نخبة النخبة الثقافي.

ويرى عصفور أن حمودة قد ارتكب معصيتين أساسيتين من وجهة نظر الحداثيين؛المعصية الأولى: هى تبسيط المعلومات بقدر الاستطاعة،فى محاولة لفك طلاسم المصطلح النقدي،والشفرة الفكرية والنقدية للمشروع البنيوى واستراتيجية التفكيك. والمعصية الثانية تتعلق بموضوع الدراسة ذاته، وهو الصورة داخل المرآة المحدبة، وقد ضخمت حقيقة الواقف أمامها،وبالغت فى حجمه، ثم – وهو الأدهى- إنه صدق صورته فى المرآة بمرور الوقت .فالكتاب يهاجم الكتابات العربية التى تأثرت بالبنيوية، كما أن المعالجة العجلى فى الكتاب للحداثة وما بعد الحداثة، أفضت فى غير موضع إلى الإيهام بالتطابق بينهما،وبين البنيوية والتفكيكية كما لو كان الطرف الأول للحداثة وما بعد الحداثة هو الطرف الثانى للبنيوية والتفكيكية، ولا ينبه القارى إلى أن الحداثة أوسع بكثير جدا من البنيوية شأنها فى ذلك شأن ما بعد الحداثة.بل إن البنيوية ظهرت مع انحدار الحداثة – المذهب- وأفولها،كما واكبت صعود ما بعد الحداثة بالقدر الذى كان التفكيك علامة على ازدهار ما يطلق عليه،شأنه مثله من التيارات الملازمة،مذاهب» المابعد».
ويضيف عصفور: عن معالجة الكتاب لموضوع دعواه لم تجاوز الأساليب الإنشائية والأقيسة الخطابية والتعميمات العشوائية والتعسف فى انتزاع النصوص من سياقاتها، وعدم الأمانة والدقة فى عرضها، وتفسيرها على طريقة» ولا تقربوا الصلاة».
كما أنها كتابات قديمة يرجع بعضها إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كما لو كان حمودة لم يجد ما يثبت دعواه إلا فى الماضى الذى لم يعد قريباً،وفى مرحلة من الممارسة التى جاوزها أصحابها، وتكرر الأسئلة التى كانت مطروحة وقت صعود البنيوية. ولكن ماذا عن أسئلة الانحدار والأفول؟ وماذا عن أسئلة» الـ ما بعد من الخطابات النقدية التى تنشغل بها الدنيا اليوم ؟
كمان أن تعقيبات حمودة على الإنجازات العربية فى مجال النقد، تنفى أى قيمة موجبة لهذه الإنجازات والزعم بأنها لم تقدم أى جديد أو أصيل ولم تخلف سوى الغموض والالتباس والتعالي.
وانتقد عصفور العوار المنهجى لكتاب المرايا المحدبة والمتمثل فى طريقة التناول وسلامة التفسير وعدم الإلمام العميق بمصادر الموضوع، وعدم الالتزام بالدقة والاقتباس والأمانة فى النقل وغياب الاتساق المنطقى فى المحاجة والتحقق من صحة المقايسة وصواب نتائجها ويتساءل عصفور: فكيف يمكن لكتاب يضع البنيوية والتفكيك موضع الصدارة من عنوانه الشرح على صفحة الكتاب على مدار ثلاثمائة صفحة،ولا يرجع مباشرة إلى كتابات البنيويين أنفسهم أو نقاد التفكيك ويعتمد فى الأغلب الأعم على الكتب التعليمية الشارحة؟
يرى عصفور أن الاعتماد على الفروع دون الأصول يثير إشكال الإطار المرجعى الذى يستند إليه أو ينبغى أن يستند إليه نص كتاب المرايا المحدبة فى تحليل مادته وتفسيرها أو تأويلها وتقييمها على السواء ؛فالكتاب يهدف إلى رفض البنيوية والتفكيك الأصل الأجنبى والصورة العربية المتوهمة وهذا حق مؤلف الكتاب الذى لا ينازعه فيه أحد، لكن يواصل عصفور التساؤل:ما المنطلق الفلسفى الذى يبدأ منه ليعود إليه؟ وما المبدأ النظرى الذى تتحرك تبعاً له عمليات التفسير والتأويل؟ وما المنظور القيمى الذى يحدد أن كلاً من البنيوية والتفكيك لم ينجز شيئاً يستحق الوصف بالقيمة الموجبة؟
ويجيب عصفور: لا شيء محدد على سبيل التعيين أو التحديد أو حتى التعاقد الإجرائى المعلن بين المؤلف والقارئ،هذه واحدة،والثانية أن الاعتماد المتعجل على الكتابات الفرعية التى تنقد أو تنقض البنيوية ينقل الاتباع أطراً مرجعية متنافرة فى غير حالة،ون دون وعى نقدى يقظ فى الأغلب، ولذلك يغدو نص «المرايا» عاكساً لكل صورة يترك مصدرها أثراً على صفحاته،فيغدو أقرب إلى التفكيك فى نقد البنيوية،وأقرب إلى النقد الجديد فى نقض التفكيك،وأقرب إلى استرجاع عقيدة أن لا جديد تحت الشمس فى مناجزة التفكيك، أو أميل إلى إيقاع التطابق بين نظريات الاستقبال على رغم تعددها.

 

يعترف حمودة بأنه ارتكب خطيئتى التبسيط والاختلاف والتى ستؤلب عليه النقاد الحداثين العرب «الذين سيسرعون إلى اتهامى بالجهل والرجعية» يعترف حمودة بأنه ارتكب خطيئتين أكثر خطورة (الأولى إننى اختلفت مع جابر عصفور فى الفصل الأول من المرايا ، حينما وصفت تعريف عصفور للحداثة بأنه «فضفاض ومراوغ»، وقد تعمد عصفور الهروب من تحديد الدلالة. وهذه كبيرة ما كان ينبغى أن ارتكبها، والخطيئة الثانية :أننى لم أستشر جابر عصفور فيما أقرأ أو لاأقرأ.حيث يكثر فى مقالاته مقولات: لو سألنى عبد العزيز حمودة، ولو استشارنى لكنت قد نصحته بقراءة هذا المرجع. وها أنا ذا اعترف بذنبي، فأنا بالفعل لم أستشر وصى الثقافة العربية قبل أن أبدأ القراءة لكتابي، كما اكتشفت أنه بإمكانى الاختلاف مع الحداثيين جميعا- مع كمال أبو ديب مثلاً- الذى تخلى عن جابر عصفور، وموقف عصفور يحكمه المقولة حينما أتكلم فعلى الآخرين أن يستمعوا أو يسلموا بكل ما أقول.
وقد لجأ عصفور للقذف والتشهير،وقد منحنى عصفور مبكرا رخصة استخدام نفس المنهج، وهو ضرب مصداقية جابر عصفور نفسه، حيث يرى أنه عندما يضرب مصداقية المؤلف تسقط مقولات الكتاب من تلقاء نفسها. وقد تحدث عصفور عن افتقار المؤلف للعلمية وقد حصلت على درجتى العلمية من واحدة من أكبر عشر جامعات أمريكية والتى تسمى بجامعات رابطة الأيفى وتضم جامعات: هارفارد، وييل، وبرنستون،ووسكنسون، و كاليفورنيا- بيركلي هذا الرجل الذى هو أنا لم يتعلم البحث العلمي.
ويلخص حمودة مقولات المرايا المحدبة قائلاً: إن الحداثة الغربية بصفة عامة، والنقد الحداثى من بنيوية وتفكيك بصفة خاصة نتاج مباشر للفلسفة الغربية الحديثة عبر أكثر من ثلاثمائة عام.وعصفور لا يعرف أن البنيوية تندرج تحت الحداثة أما التفكيك فيندرج تحت ما بعد الحداثة. ويتساءل حمودة: كيف يتصور عصفور أن هذا الجهد الذى بذله مؤلف المرايا لم يمكنه من التفرقة بين الحداثة وما بعد الحداثة،لكنها المغالطة المقصودة من جانب عصفور، وكلمة حداثة تعتبر مظلة واسعة تغطى المرحلتين معاً.بل إنه بنى على هذه المغالطة المبدئية أن عبد العزيز حمودة وضع « إيهاب حسن» بين الحداثيين، وهو ينتمى إلى ما بعد الحداثيين .وهذا أمر يفعله الكثيرون، إلى التفرقة بين اللفظتين حينما يتطلب الأمر ذلك. اللهم إلا إذا كان عصفور يريد أن يقول إن مؤلف المرايا لا يعرف الفارق بين البنيوية والتفكيك، وأظنه فى ظل سطحية الحوار وغلبة المغالطة قادراً على أن يقول ذلك.
وينفى حمودة تشكيل تيار نقدى حقيقى قبل الثمانينيات من القرن الماضى كما يدعى عصفور، فالمحاولات السابقة على ذلك التاريخ لم تقدم تياراً حقيقياً يلفت إليه الأنظار،هذا النقد الحداثى نقل عن الغرب بلا تريث.
ويرى حمودة أن النقاد العرب وهم ينقلون عن البنيوية والتفكيك فى صورتها الأصلية لم ينقلوا ما نقلوه بصورة صحيحة، حيث نقلوا كل عوار النقد الحداثى وقصوره،من تمسح بالعلمية الزائفة، واستغراق فى نحو النص الإبداعي، وفشل فى تحقيق الدلالة، وغطرسة لم يشهدها تاريخ النقد الأدبى الطويل، وزادوا على ذلك مثالب جديدة خاص بهم أبرزها ادعاء الأصالة وتأسيس بنيوية عربية لم يسبقهم إليها أحد من قبل .
لقد خلق كتاب «المرايا المحدبة» واقعاً جديداً فرض على عصفور أن يتعامل معه، وإن كان قد اختار منهج العجز العلمى الذى يؤكد مقولات الكتاب ولا ينقضها،وقد اعترف عصفور دون أن يقصد أن الكتاب طبعت منه أربعون ألف نسخة وقد نفدت جميعا فى أيام.
ويختم حمودة كلامه بأن عصفور قرر إرسال رسالة قوية إلى المثقفين العرب، وأداة الرسالة: ذبح مؤلف « المرايا»، وفحواها لا يجرأون أحدكم على الاختلاف معنا، وإن فعلتم فلا تختلفوا مع جابر عصفور على وجه التحديد، أنتم متخلفون وغير قادرين على التفكير المركب،فدعونا ننقذكم من الضلال ونقودكم إلى الجنة الموعودة، المهم ألا تعترضوا، وهذا هو الإرهاب الفكرى بشحمه ولحمه».