الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«المعجنة» فرصة جيدة لتشجيع الشباب مع الاحتفاظ بهيبة «المسرح القومى»

«المعجنة» فرصة جيدة لتشجيع الشباب مع الاحتفاظ بهيبة «المسرح القومى»
«المعجنة» فرصة جيدة لتشجيع الشباب مع الاحتفاظ بهيبة «المسرح القومى»




لم يكن من السهل فتح الباب للشباب بالمسرح القومى لتقديم تجارب مسرحية على خشبته، ظل هذا الكيان محتفظا سنوات عجاف بهيبته وقداسته، تحيطه حالة من القداسة أو ربما الكهنوت فى ضرورة احتفاظه بأسماء كبيرة لامعة، قدمت الكثير، ولها تاريخ طويل، أو بمعنى آخر قد لا يعترف بك القومى إلا إذا أصبحت على مشارف الستين أو فيما فوق؛ فهو معبد الكبار ومن غير المسموح لأى شاب فى منتصف تجربته التفكير فى التقدم بعمل على هذا الصرح الكبير اللهم إلا بعض الاستثناءات القليلة، لكن فى سابقة هى الأولى من نوعها قرر مديره الحالى يوسف إسماعيل كسر هذه الحالة نازعا عنه قداسته وكلاسيكيته.

هيبة المسرح القومى  
مما لا شك فيه أن للمسرح القومى هيبة كبيرة، وإذا قررنا أن ننزع عنه القداسة لا يمكن بأى حال من الأحوال أن ننكر عليه هيبته؛ لذلك كان من الأولى والأهم مراعاة المستوى الفنى للأعمال المسرحية المقرر تقديمها على خشبته حتى ولو كنا نقدمها تحت شعار «تشجيع الشباب» فلا يمكن أن ننسى القالب الفنى للعمل المقدم والمشاركين فيه، لمجرد وضعنا تحت تأثير هذا الشعار، «المعجنة» للمؤلف سامح مهران وإخراج أحمد رجب يعتبر التجربة الأولى لمخرجه على خشبة القومى؛ يتناول العرض قصة أب لشاب وفتاة؛ بخيل أنانى إلى حد وقوعه فى كراهية أبنائه بسبب انشغاله الدائم بإخفاء أمواله عنهم؛ يتزوج من عشيقة ابنه، يتوفى الأب ويبدأ الأبناء رحلة البحث عن الكنز أو الأموال المخفية، يأتى رجل مشعوذ دجال للعائلة لتحضير روحه كى يحصل منه على مكان الكنز المدفون لكن فى مفاجأة صادمة يخرج من قلب المنزل او من تحت ارضه فرعون يشبه والدهم ويتحول المنزل إلى معبد فرعونى قديم يحاول هذا الفرعون استدراج ابنته «حكاية» كى تأتى معه إلى المقبرة فهناك ينتظرها الكنز!

النقلة الصادمة
منذ هذه اللحظة انتقل العرض نقلة مفاجأة وصادمة للجمهور، فإن كان المؤلف أراد تقديم رسالته فى شيء من الرمز باسم الفتاة «حكاية» وضرورة خروجها من عباءة وكنوز الماضى والإلتفات إلى كنوز الحاضر لأن المستقبل هو الأبقى وهى من سوف تصنع حكايتها بأيديها بدلا من الجرى وراء أوهام الماضى السحيق، لذلك تعمد استدعاء لحظة تاريخية عظيمة من تاريخ مصر الفرعونى كنوع من الإشارة إلى أنها أكثر اللحظات التاريخية ازدهارا فى شتى المجالات بينما وجب علينا تجاوزها والخروج منها كى نتفرغ لصنع ما يماثلها فى الحاضر فانشغالنا بالماضى منعنا من صنع المستقبل، برغم سمو الفكرة المطروحة إلا أن القصة الأساسية التى بنيت عليها هذه الفكرة لم تمهد لها على الاطلاق فما المبرر لهذا التحول الخيالى الكبير، وكأن هناك حالة من التشتت فى تقديم عمل يحمل بعض هموم الواقع وأزمات الشباب، فى استدعاء لحظة تاريخية خيالية كى يكمل المؤلف بها رمزيته، ما الذى كان يمهد لهذه الرمزية.. لا شيء، بدأ العرض بحالات متعددة من الرغبات المكبوتة؛ الأولى لدى ابنه الذى يقابل عشيقته بغرفته سرا، ثم أخته التى تقابل عشيقها بغرفتها أيضا وفى النهاية تتصاعد الرغبة الجنسية إلى القمة حيث يخطف الأب عشيقة ابنه، وهى نفس الفتاة التى تعترف خلال العرض أنها تزوجت هذا الرجل مضطرة لأنها كانت حائرة بين أحضان الرجال ووالدها يعمل بمحل للجزارة، لماذا بدت هذه الفتاة حائرة بين الرجال ولماذا بدت طوال العرض تعانى من حالة فراغ جنسى دائمة هى ونظيرتها هل ملخص أزمات وطموح الشباب ينحصر فى الكبت الجنسى!

التشتت والارتباك
بعد كل هذا الفراغ الطويل، ننتقل فى الفصل الثانى إلى بحث زوجته الأولى والثانية وابنائه عن كنزه وأمواله بعد وفاته، ثم يخرج علينا الفرعون وندخل فى مستوى آخر من الصراع أو ندخل فى فكرة المسرحية الأساسية التى أشرنا إليها فى البداية والتى لم يحسب لها المتفرج حساب فى تصاعد أحداث الفصل الأول مما تسبب فى حدوث حالة من التشتت والارتباك؛ بجانب ذلك كانت هناك أزمة حقيقية فى اختيار الممثلين المشاركين بالعمل، لم يكن الممثلون على مستوى الخشبة التى وقفوا عليها فخشبة المسرح أكبر من طاقتهم على استيعابها؛ باستثناء الفنانة هايدى عبد الخالق التى أسهمت فى حدوث توازن كبير فور خروجها بالفصل الأول مع جودة أداء ناصر شاهين خاصة فى مشهد موته وإصابته بالشلل فهما من عدلا كفة الميزان أو حافظا على العمل من السقوط فى فخ الافتعال والأداء الظاهرى للشخصيات وكذلك الطفلة الصغيرة مريم إسلام التى كان لها النصيب الأكبر من قوة الحضور وخفة الحركة، خصوصا أن الإيقاع الفنى للعرض واجه أزمة كبيرة فى الفصل الأول وبدا كما لو أن مجموعة الشباب المشاركين يحتاجون وبشكل مكثف للعديد من البروفات والتدريب فكل منهم يعمل بمفرده ويمثل كما يشاء وبالتالى كان التمثيل الحلقة الأضعف فى العرض.

الديكور وفكر المؤلف
برغم ذلك رسم عنصرى الديكور والإضاءة صورة مسرحية شديدة الجودة والاتقان كما كان لهما النصيب الأكبر والأعمق فى إبراز والتعبير عن وجهة نظر المؤلف خاصة فى مشهد تحول السلالم إلى شكل هرم انفتحت فيه المقبرة التى هوت إليها «حكاية» فكان الأشد والأقوى أثرا فى تلخيص رسالة العمل، وفق مهندس الديكور الدكتور صبحى السيد فى تصميم المنزل الذى سرعان ما انقلب أمام الجمهور إلى أحد المعابد أو المقابر الفرعونية القديمة فى «معجنة» المسرح القومى التى جسدت الصراع الداخلى للإنسان المعاصر بين العيش فى ذكريات الماضى وصناعة المستقبل!