الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«رسائل..أرض الخوف» سينما «داود عبد السيد» بعيون الرقص المعاصر

«رسائل..أرض الخوف»  سينما «داود عبد السيد» بعيون الرقص المعاصر
«رسائل..أرض الخوف» سينما «داود عبد السيد» بعيون الرقص المعاصر




بين الحيرة والشك والخوف وزعزعة اليقين عاش «يحيى المنقباوي» أو «آدم» بعد أن لقبه الأمن بهذا الاسم الحركى فى مهمته السرية بأحداث فيلم «أرض الخوف» للمخرج داود عبد السيد وبطولة أحمد زكي؛ تدور أحداثه حول ضابط مباحث تنزع عنه رتبته ويفصل من العمل بالأمن بعد اتهامه بالرشوة، أوكل له وزير الداخلية ورئيس المخابرات مهمة الدخول إلى أوكار المجرمين والعيش بينهم وكأنه واحد منهم حتى يتشبع بتفاصيل حياة هؤلاء، أدى مهمته بينما اكتشف فى النهاية بأنه أصبح تاجر مخدرات وقاتل حقيقي، ولا أحد يتذكره ممن أوكلوا له هذه المهمة، مات من حفظ سره أصبح ليس له وجود حتى توهم أن كل ما حدث كان من نسج خياله الشخصى ولم يكن حقيقة يومًا ما، وظل يكتب رسائله من أرض الخوف التى عاش بها سنوات عمره وصنع فيها مستقبلًا كبيرًا لكنه اكتشف فى النهاية أن الرسائل لا يتسلمها أحد.
السينما الراقصة
من هذه الرسائل انطلق مناضل عنتر المصمم والمخرج بفريق الرقص المعاصر وقدم معالجته الراقصة على مسرح الجمهورية لأحد أهم أعمال السينما المصرية «رسائل أرض الخوف»..؛ يعتبر المعادل المسرحى الراقص للعمل السينمائي؛ اتخذ مناضل من الرسائل صلب عمله الفني، ففى قصة هذه الرسائل تلخيص لأزمة هذا الرجل الذى كان يكتب رسائله بشكل متواصل أو بمعنى آخر يؤدى رسالته بإخلاص الأنبياء لكن فى النهاية عادت إليه رسائله كما لو أن شيئًا لم يكن؛ ظل طوال هذه السنوات يحدث نفسه فقط.
   ألم البحث عن الذات
يختلف التناول المسرحى عن السينمائى ولم يكن هنا التناول مسرحيا فى شكله المعتاد بينما تناول مناضل قصة هذه الرسائل وأزمة وقوعه فى الشكوك والحيرة والخوف وصراعه بالخروج من هذا العالم الملوث ثم حنينه بالعودة إليه، قدم مناضل عمله فى لوحات تشكيلية راقصة تتابعت أحداثها بإضاءة المهندس عمرو عبد الله التى رسمت على أجساد الراقصين مشاعر الرعب والحيرة وألم البحث عن الذات فى أرض الخوف، يلعب التشكيل البصرى دورًا حيويًا فى صنع صورة مسرحية شديدة الدقة والاتقان فى الوصول إلى الحالة العامة أو الجو العام الذى يحيط فكرة العمل، فلم ينخرط مناضل فى تقديم تفاصيل، بل اهتم بتقديم أفكار وصراع رسائله الحائرة بين أرض الأمن وأرض الخوف، رسم مناضل مع مهندس الديكور والإضاءة بالتعبير الحركى لوحات ممتعة قدم فيها رؤيته هو للعمل السينمائى الأشهر، وهنا يكمن إبداع المصمم ومخرج العمل الذى شغلته الفكرة ولم تشغله المحاكاة، بل عبر فى عرضه عن هضمه واستيعابه لفكرة الفيلم دون أن يتورط فى تقديم الفيلم من قريب أو بعيد، فلم يضع نفسه فى فخ المقارنة أو محاكاة داود عبد السيد، بل قدم تأثره وحساسيته كمخرج بالعمل السينمائى وطرح فكره على أجساد راقصيه.
متعة العمل الراقص
جاء إنتقائه لتناول رسائل يحيى من أرض الخوف  ذكى وعابر لتفاصيل الفيلم؛ حيث دخل فى قضية العمل مباشرة ولم يدور حول تفاصيله بالتعبير الحركى والإضاءة الموحية بالمعنى ففى الأعمال الراقصة يغلب الإهتمام بالصورة والرمز على الكلمة وإن كان استعان ببعض مقاطع من تسجيلات صوت أحمد زكى بالفيلم وهو يكتب رسائله، إلا أن العمل تفرد فى تقديم معنى ضمنى ومكثف للفكرة الأصلية؛ وبعد أن قدم المخرج رؤيته فى عمل دواود عبد السيد، ووضعك فى حالة «أرض الخوف» وأجواء كتابة يحيى لهذه الرسائل بغموضها وكآبتها، بقيت لك متعة متابعة العمل الفنى الراقص، للأعمال الراقصة متعة خاصة لا يتذوقها إلا عشاق هذا الفن، حتى لو لم تتواصل معه ذهنيًا لا بد أن تتواصل وجدانيًا وبصريًا، تأتى حرفة الفريق والمصمم فى إجبار الجمهور على المتابعة والمتعة والمعايشة بتصميم لوحات راقصة ثنائية أو فردية أو جماعية وفى اختيار الموسيقى، التى يستعرض عليها مناضل مهارات راقصيه الجسدية، ومن هذه اللوحات بدا الجميع نساء ورجال على مستوى عالى من الحرفة فى اللعب بالحركة والإيماءة والتشكيلات الفنية الثنائية والجماعية، ولم يتعامل مناضل مع العمل الراقص على أنه مجرد رقصات متتابعة بل يتوقف ويتأمل فى كل لوحة كيف يقدم بطل جديد وصورة مغايرة ثم مفردات حركية مبتكرة، وبالتالى أصبح راقصيه أبطالا وليسوا مجرد أدوات للتخديم على فكرة العمل، فهو مهموم دائمًا بصنع نجوم من فن الرقص المعاصر وكان له ما أراد، فعندما تذهب لمشاهدة الفريق أصبح المشاهدون يتسألون عن اسم هذا أو ذاك، ودون أن تدرى ستنتظر لوحات راقصة من اسماء بعينها إعتدت مشاهدتها وأحببت أن ترى منها الجديد فى كل عمل فنى مثل رشا الوكيل وعمرو البطريق هذا الثنائى الفنى أصبح شهيرًا وينتظر الجمهور منه المزيد من الدقة والاتقان والتركيز فى صنع لحظات شديدة المتعة والإبهار فى مشاهدهما معا، ثم هذه المرة وفى هذا العرض التفت الجمهور إلى أحد أعضاء الفريق الذى قدم مشهد بمفرده باهر أمجد وكأن مناضل يفصح دائمًا عن أنه لا يكتفى بل ما زال لديه المزيد؛ أبهر «باهر» الحضور ونال إعجابا شديدا بعد تقديمه لمشهد بمفرده على المسرح تضمن حركات فنية صعبة ومعقدة بينما تمتع وزملائه برشاقة فى الحركة ولياقة بدينة عالية وتساوت فى المهارة المشاهد الثنائية والفردية والجماعية فأصبح لفريق الرقص المعاصر متعته وقوامه الفنى الجديد، من أبطاله أيضًا عمرو عاطف، أحمد محمد، صلاح ملوخية، سماح مبارك، يمنى مسعد، جاسمين أحمد.