الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع.. محلل سياسى

واحة الإبداع.. محلل سياسى
واحة الإبداع.. محلل سياسى




اللوحات للفنانة:  مروة عادل

يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة أو خواطر «على ألا تتعدى 550 كلمة» مرفقا بها صورة شخصية على الإيميل التالى:

[email protected]


 

محلل سياسى

كتبت: غادة فايق

وقفا متجاورين «بتراس» شقتهما الجديدة بالتجمع الخامس، وهما ينظران نحو الحديقة الخضراء الكبيرة التى تتوسط المربع السكنى للحى الهادئ. منظر الغروب والشمس تسحب نفسها ببطء من فوق أوراق الأشجار ذات الورد الأصفر، وهى خجلى تتوارى خلف غيوم رمادية مبعثرة فى سماء زرقاء مشوبة بالحمرة، مشهد لابد معه أن تصمت الكلمات عن الاسترسال لتنبعث سكينة تمس الروح فيهدأ كل قلق، ويخمد كل انشغال. فجأة يعلو صراخ صبية يلعبون ليكدر صراخهم هدوء ذلك المشهد. يبادرها هو بالكلام: - طب ده كلام، مين يقول كده.. البيه البواب متجوز اتنين ستات ومخلف عشر عيال راميهم كده فى الشارع!! تبتسم هى وتجاوبه: - لو حد كلمه هيكشر ويقول لك حد شريكي..العيال عزوة. – ياستى ده قاعد فى ركن من الجراج. طب هو بينام مع واحدة منهم ازاى من غير ما مراته التانية وولاده العشرة يشوفوه؟! تفاجأ زوجته بسؤاله هذا وتستحضر صورة ما قاله فتمتعض وتقطب : - صحيح عندك حق. مفيش خصوصية.. مفيش إنسانية - إنسانية مين؟! صلى ع النبي. الراجل ماعلمش عيل فيهم.. مفيش عيل وداه المدرسة حتى يفك الخط . تسود لحظات صمت يراقبان فيها معًا لعب أولاد البواب، وشجارهم، وضربهم لبعضهم البعض. ثم يستكمل الحوار بأداء مسرحى تتجاوب معه: - إيييه.. ماعلينا.. المستقبل مخيف يابدرية. تضحك بدرية فتظهر غمازاتاها كنجمتين مشرقتين وسط وجه استدارته كاسمها قائلة:- شايف إيه فى المستقبل يايوسف بك ياوهبي؟! - شايف فوضى .. العيال دى لما تكبر بدون تعليم ولا شغلة ولا مشغلة هيطلعوا علينا ف بيوتنا. سكتت مطرقة ولم يخفها ماقاله لتلك الدرجة التى تفقد معها سلامها الداخلي. تعودت على مغالاته فى ردود أفعاله حيال أبسط المواقف. واعتادت فترات اكتئابه الطويلة التى لم تر لها سببًا فقد أنعم الله عليهما بكل ما يحسدهما غيرهما عليه. أما هو فكان يرجع نظرتها الوردية للدنيا وأحوالها إلى عدم إلمامها بالأحداث ولعدم قدرتها على تحليلها والسبر فى أغوارها. صوت « مارى منيب» يصل إليهما مجلجلا قائلة «إنتى بتشتغلى إيه» ويرد عليها «عادل خيري» سواق ياستو هانم.. سواق. تبتسم بدرية داعية زوجها للدخول قائلة: يالا نتفرج على المسرحية. تضحك هى من قلبها على مفارقات المسرحية بينما زوجها يجلس نافخا متأففا ويبادرها:- تعالى معايا ننزل نتمشى.. أنا مخنوق! - أوكى.. نروح النادى نمشى بالتراك - مين قال نادى وتراك. أقصد نتمشى على أرجلنا قليلاً بالشوارع، تبتسم مندهشة وتحاول تذكيره: - انت فاكرنا لسة فى الجيزة. حبيبى احنا فى التجمع دلوقت.. مفيش حد فى التجمع بيتمشى على رجليه. طيب نتمشى بعربيتي. يقاطعها هو بحدة: - لا عربيتى ولا عربيتك..هنتمشى على أرجلنا..هتيجى أم هتجادلى كعادتك؟ هكذا لم تجد مفراً من الخضوع، ارتدت ملابسها الرياضية الرمادية وانتعلت كوتشيا رياضيا أسود، خرجت معه إلى الشارع . كانت تعب أكبر قدر من الهواء لتملأ به رئتيها فى محاولة منها أن تبتلع تبرمها. سبقته فى مشيتها بخطوة أو اثنتين لتحثه على السرعة لإنهاء هذه المهمة الثقيلة على قلبها. الشارع خالٍ إلا من سيارات تعدو مسرعة. وإذ بالأرض تنشق عن ثالث يرتدى جلبابًا رماديًا رثاً، ويعمم رأسه بمنديل أبيض يضع فوقه طاقية رمادية أيضا، يحمل فوق كتفه الأيمن «أجنة» ثقيلة بيده يسندها بيده اليسري. يسير جنباً إلى جنب زوجها. تبطئ خطواتها لتسمع ماذا يريد الرجل من زوجها: -ادينى اتعشى يابيه.. عيان ومش معايا حق الدوا؟- عيب عليك وانت شايل عدتك وشكلك بتشتغل. - أبدا يابيه.. عمال ألف م الصبح على شغل مفيش. تلحق بدرية بزوجها وتهمس فى أذنه موشوشة: لأ.. ماتسايرش الرجل فى الكلام لو مش هتديله فلوس. لم يعبأ هو بما قالته واستكمل: - طب ايه جابك من بلدك؟ تقرفونا هنا ليه؟ روح اشتغل ف بلدكوا. يالا..امشي. رفع الرجل فأسه وهوى بها بكل قوته فوق رأس الزوج الذى سقط أرضا مضرجا فى دمائه، أما بدرية فقد احتبس صراخها فى حلقها وهى ترى الرجل يهم بالفأس على رأسها.