السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

د. سعد الدين إبراهيم: الإخوان سلطة «جائرة» وحجمها الحقيقى سيظهر فى 25 يناير




·يرى د. سعد الدين إبراهيم استاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية ومدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية أن ثورات الربيع العربى التى صنعتها الشعوب العربية جاءت متأخرة عن موعدها الذى كان مرتقبا بعشر سنوات كاملة مما فاجأ العالم أجمع.·ونفى عالم الاجتماع الشهير الذى سبق أن سجن فى عهد النظام السابق أن تكون الثورة قد أحدثت تغييرا جذريا فى الشخصية المصرية مشيرا إلى أنها شكلت غلالة رقيقة تؤسس لطبقة جديدة فى الشخصية غير محددة الملامح بعد.. حول وضع المجتمع المدنى الحالى وكيفية إدارته لأعماله، وعلاقته بجماعة الإخوان المسلمين التى تغيرت بعد وصولهم للسلطة ليصبح معارضا لهم وأسئلة أخرى كان لـ«روزاليوسف» هذا الحوار فى السطور التالية..
·كأحد مؤسسى منظمات المجتمع المدنى فى مصر كيف ترى أوضاع هذه المنظمات فى ظل النظام الجديد؟
·منذ بدأ المجتمع المدنى وهو فى صراع دائما مع السلطة ومع أى تنظيم شمولى سواء فى السلطة أو خارجها، لأن منظمات المجتمع المدنى تقوم على الإيمان بالتعددية وبالتنوع، هذه هى الفلسفة والمبدأ فالخلاف فى الأساس هو خلاف فكرى بحت فى مقابل السلطة التى لا تقبل لها شريك، الذى هو المعاكس تماما لمنطق المجتمع المدني، أحيانا حينما لا يستطيعون مقامعة هذا التوجه الفكرى المختلف يلجأون لأشياء أخرى منها اتهامهم بالعمالة.. بالشرك..بالخيانة.. فمشكلة التمويل الأجنبى هى مشكلة وهمية لأنهم يعتبرون أن التمويل من أوروبا أو أمريكا فقط، بالتالى ربطوه بالمؤامرات والخيانة والتجسس! أريد أن أكشف لك أننا مركز ابن خلدون تمويلنا من بنجلاديش أفقر دولة فى العالم!
·أريد أن ألفت النظر إلى أن الدولة المصرية نفسها هى أكبر متلقى للتمويل الخارجى..نحن كمجتمع مدنى نطالب بأن يطبق على مصر ما يطبق علينا.. نحن مراقبون من ثلاث هيئات محلية  الأولى الجهاز المركزى للمحاسبات والثانية مصلحة الضرائب والثالثة  وزارة التضامن الاجتماعى وطبعا مجلس الإدارة ومجلس أمناء المجلس وكذلك هيئة أجنبية، والطريف انه لم يثبت إلى الآن أن أحدا قد تلقى تمويلا أجنبيا خائنا لوطنه!.. فكل الخونة أو الجواسيس لم يكونوا من المجتمع المدنى.
■ مع استمرار «وصمة» التمويل الأجنبى كيف تمارسون أعمالكم؟
·ــ كما نحن فهذه الاتهامات تعودنا عليها لأننا كمركز ابن خلدون حوكمنا من قبل 3 مرات وتم حبسنا، بالتالى قانونا لا يجوز محاكمتنا مرة أخرى بنفس التهمة، فيبدو أنهم قد ملوا منا، فالجيش لم يدخل حربا منذ حرب 1973 ربما حرب الكويت فقط والتى تقاضى تعويضا عليها ثلاث مرات! من الكويت وأمريكا والسعودية، فالجيش على مدار الثلاثين عاما الماضية قد تلقى مايقرب من 100 مليار ماذا فعلوا بها؟ ... صحيح أن لديهم دور ضيافة ودور مناسبات سبعة نجوم لكن فيما عدا ذلك أين ذهبت هذه الأموال؟
·يجرى حاليا تعديل قانون انتخاب مجلس النواب ما تعليقك على هذه التعديلات؟
·أولا أنا لم اقرأ مسودة القانون لأننى كنت أسافر كثيرا الفترة الأخيرة - فحتى لا أفتى – فلقد قرأت عن القانون كالباقين وعموما لدى ملاحظة عامة على كل القوانين التى صدرت منذ وصول الإخوان المسلمين للسلطة أنها قوانين تخدم الإخوان المسلمين فى المقام الأول وتكرس لسيطرتهم على مقاليد الأمور، فيما يتعلق بالانتخابات القادمة أتصور أنه إذا تمت الانتخابات حرة ونزيهة وتحت إشراف ورقابة دولية فالإخوان المسلمون والسلفيون لن يحصلوا على نفس النسبة التى حصلوا عليها سابقا.
■ لكن هذا ما حدث فى الانتخابات السابقة من إشراف مؤسسة كارتر الدولية وإشادته بنزاهة الانتخابات..
·ــ لا على العكس تماما، كارتر لم يمكّن من متابعة فرز الصناديق، كارتر زار الانتخابات يومين فقط ليس أكثر وهذا هو ما تحدث عنه، لكن عندما منع من متابعة الفرز والصناديق أوقف تقريره النهائى للانتخابات.
·■ كنت من أوائل الشخصيات التى دعمت جماعة الإخوان المسلمين وقدمتهم لأمريكا وحاليا تقف موقف المعارضة لهم، ما سبب هذا الانسحاب؟
ـ لا ليس انسحابا، نحن كمركز مدنى وأنا كمثقف واجبى أن أقول كلمة حق فى وجه السلطة الجائرة أو السلطان الجائر، وطالما هناك سلطان جائر ممثلا فى نظام حسنى مبارك فكنا نقف ضده، وكان ضحايا هذا السلطان الجائر هم الإخوان المسلمون فكنا ندافع عنهم، تغيرت الأمور وأصبح الإخوان المسلمين هم الذين فى السلطة، لذا فنحن نوجه لهم نفس الانتقادات ونمارس معهم نفس النقد، وهذا هو دور المجتمع المدنى أن يكون ضمير المجتمع.
■ وصفت عهد مبارك بالسلطة الجائرة كيف تصف عهد الإخوان؟
ــ إنها سلطة جائرة أيضا، لأنها احتكرت السلطة وحاولت أن تمرر قوانين وتشريعات لخدمة وتكريس السلطة للإخوان، ثانيا الرئيس محمد مرسى بإعلاناته الدستورية أعطى لنفسه سلطة لم يتمتع بها أى سلطان أو رئيس دولة ليس فقط فى تاريخ مصر وإنما فى تاريخ العالم كله! سلطات لم يتمتع بها امبراطور روما ولا سلاطين كسرى ولا هتلر ولا أى ديكتاتور، وهو ما يعكس نهم الإخوان للسلطة والسيطرة، لأن لديهم تصورا بأن مصر ماهى إلا إمارة فى دولة الخلافة التى يتمنونها التى تمتد من إندونيسيا وحتى نيجيريا، هذه هى رؤيتهم وهذا هو مخططهم وكل مايفعلونه هو حلقة من حلقات تنفيذ هذا المخطط، ونحن نقول إن هذا لايجوز وأن هذا التصور يمكن أن يؤدى بمصر وبهم إلى الهلاك، لأن كل أصحاب اليوتوبيات انتهوا إلى مزابل التاريخ لكن بعد أن دمروا أنفسهم ومجتمعاتهم وشعوبهم.
■ كيف يمكن للرافضين لمشروع الخلافة وفى مقدمتهم التيارات المدنية أن تواجه هذا المشروع وتحبطه؟
هذه هى المعضلة، لأن التفكير الحر ميزته أن كل إنسان يعبر عن نفسه ويحقق ذاته، عيبه هو الفردية المفرطة ولا يسير على نهج السمع والطاعة بعكس الإخوان الذين يسيرون على هذا المنهج، فمكتب الإرشاد الذى يبعد عنا بأمتار هو ما تتخذ فيه القرارات التى تملى على محمد مرسى لينفذها، جريا على نهج السمع والطاعة.
·كان لديك دراسات عن تقسيم مصر وسيناء والنوبة ...
من قال هذا؟! هذه من ضمن الاتهامات الموجهة لى!. منذ نحو عام اتهمنى المجلس العسكرى بأننى أملك خرائط لتقسيم مصر، فلو أنهم زاروا مركز ابن خلدون سيجدون أننا قد قسمنا مصر 26 لوناً لكل محافظة، لأننا نراقب الانتخابات بالتالى نحدد كل محافظة لكل فريق عمل بلون مميز لها، مصر لا تقبل القسمة، ففى إحدى مقالاتى كتبت أن مصر لا تقبل القسمة، فمنذ أن وحدها مينا لم تقسم حتى فى أشد لحظات ضعفها لم تقسم، فحكاية تقسيم مصر هو كلام للتهويل والتخويف ولإحكام السيطرة
■ من واقع دراستك لأهل النوبة وسيوة وسيناء والتكتلات النوبية والسيناوية وتهديداتهم بالانفصال..
لا لا أريد منك تصريحا صريحا بأن هذه هى رغبتهم! .. فبرغم كل المشاكل الحالية أستبعد تماما أن تنفصل سيناء أو النوبة، مع ذلك لو حبسنا قطة مسالمة فى ركن ضيق من الممكن أن تخربش وأن تتمرد!..هناك مقولة مهمة تقول «النبوءة التى تحقق نفسها» فاليوم تطالعنا الصحف بأن هناك 800 ألف قبطى هاجروا من مصر! وهذا لأن كل المسالك والمنافذ قد أغلقت بوجههم، أيضا قوارب الموت التى راح ضحيتها الكثيرون ممن يئسوا فى إيجاد فرصة عادلة وكريمة للحياة والذى دفعهم للهجرة غير الشرعية.
■ ما الأثر الاجتماعى لزيادة نسبة المهاجرين من أبناء الطبقة المتوسطة؟
·ــ تأثيره مدمر على مصر.. تأثير سلبى على مصر، لأن من يهاجرون سواء من الطبقة المتوسطة أو الأقباط هم من أفضل العناصر وأفضل العقول فى مصر، بالتالى يعتبر ذلك استنزافا للقوى الناعمة فى مصر وهى أهم شىء يعطى مصر تفردها وريادتها فى المنطقة، فنحن لسنا أغنى دولة ولا أقوى دولة فى المنطقة إنما نحن أغنى مستودع بشري، فإذا كان هذا المستودع سينضب أو أن أهم عنصر بهذا المستودع سيهاجر ويترك مصر فإن هذا المستودع سيضعف حتى نفقد أهم ركائز قوتنا الناعمة.
■ هل معنى ذلك إعادة تشكيل لطبقات المجتمع؟
لا ليس كذلك، بل ستكون كنظرية الأوانى المستطرقة وهى عملية الإحلال والتجديد، فسيتصاعد ربما من هم أقل كفاءة لأن هذه الأماكن الشاغرة لابد أن تملأ، فالموضوع هو خسارة جيل كامل، لأنه عادة لبناء تشكيلة جديدة أو فئة اجتماعية جديدة تحتاج على الأقل إلى مائة عام! فالطبقة المتوسطة المصرية بنيت فى المائة سنة الأخيرة، ومن قبلها فى دولة محمد على فى وجود الطهطاوى وعلى مبارك أخذت مائة عام أيضا منذ 1805 إلى نهاية القرن التاسع عشر ثم من بداية القرن العشرين إلى تاريخه نبنى من جديد طبقة جديدة وعلاقات اجتماعية جديدة، فحينما نفقد تكوينات اجتماعية يستغرق الإحلال والإبدال حوالى 100 سنة أى مايقرب من ثلاثة أجيال وهو مايمثل تعطيلا لمسيرة التنمية بكل أشكالها، ففى السبعينيات كنا سابقين لتركيا وكوريا اليوم أين نحن منهم؟! هذا بسبب التجريف الذى حدث للطبقات الوسطى من المجتمع.
■ هناك اتجاهات عديدة للحفاظ على الهوية المصرية والثقافية، هل « الهوية» فى خطر؟
 لا، الهوية المصرية هوية راسخة طالما فيه مجتمع نهرى وهو المجتمع الذى ينمو حول نهر عظيم، وهو مجتمع دائما ما تتكون شخصيته من قربه من النهر ومن الزراعة ومن التخزين والرى وضبط مجارى النهر وهو يخلق شخصية نهرية التى بها نوع من الاستقرار والقدرة على التخزين، تخزين الأفكار وتخزين القيم وتخزين الممارسات وتخزين الأساس، فشخصيتنا المصرية هى نتيجة لتراكم طبقات جيولوجية عديدة – بالمعنى المجازى للكلمة- فلدينا من قيم وثقافة مصر القديمة ثم من مصر الفارسية ثم مصر المدنية ومصر الرومانية ثم مصر الإسلامية ثم مصر فى عهد الأتراك والمماليك ثم مصر منذ محمد على إلى الآن، كل حقبة منهم بنت فى الشخصية المصرية طبقة، فالشخصية المصرية هى شخصية مركبة لا خوف عليها ومن يحاول تغييرها هو فى الحقيقة يضيف طبقة أو غلالة جديدة فيها فإذا كان الإخوان المسلمين يهددون الهوية المصرية فإن أكثر ما يستطيعون فعله هو إضافة غلالة صغيرة على الطبقات السابقة التى ذكرتها، ففى مقالتى «تمصير الإخوان لا أخونة مصر» تحدثت عن الصراع بين أخونة مصر وتمصير الإخوان وذكرت مقولة «مصر مقبرة الغزاة» والإخوان هم آخر الغزاة لمصر.
■ ما الطبقة التى أضافتها الثورة المصرية للشخصية المصرية؟
ثلاثة أشياء، الأولى كسر جدار الخوف إلى غير رجعة، الثانية تسييس المصريين فكل مصرى اليوم يتحدث بالسياسة بغض النظر عن عمق أو سطحية مايقوله فلم تعد السياسة حكرا على النخبة، ثالثا التهيؤ للمشاركة وهو ما رأيناه بالطوابير الطويلة للناخبين التى وتقف بالساعات للإدلاء بصوتها، فى كل يوم نرى تجليات هذه التطورات فى المصريين التى تؤسس لشريحة أخرى.
■ مع اقترابنا من الذكرى الثانية للثورة هناك فريقان أحدهما يدعو للاحتفال والآخر يدعو للتظاهر والاعتصام ماهى توقعاتك؟
أتنبأ بسلمية هذا اليوم، فالثورة كانت سلمية فى الأساس منذ 25 يناير وحتى 28يناير 2011 فلم تبدأ الاشتباكات إلا بسبب حماقة السلطة و»موقعة الجمل» ومحاولة فض الاعتصام بالقوة، فالمصريون لا يبدأون بالعنف لأنهم مجتمع نهرى فأهمية هذا اليوم أنه إلى جانب الاحتفاء بثورة مجيدة فإن ضخامة التجمع ستكون بمثابة الثورة الثانية أى انه إذا استطاع شباب الثوار الذين سرقت منهم ثورتهم أن يعيدوا حشد الجماهير بميدان التحرير والميادين الأخرى هو إعلان لثورة ثانية، لأن الإخوان أعلنوا أنهم لايريدون الحشد بل يحضون أنصارهم أيضا لاستخدام العنف فى ذلك اليوم، وحين وجدوا رد فعل سلبياً غيروا أسلوبهم وتوجهوا للقيام بالتجمعات ببعض المناطق الأخرى وهذا جيد، فهو فى حد ذاته يعتبر انتصارا للثورة، فربما فى ذلك حكمة من جانب الإخوان وهو تفاد الاصطدام بالإرادة الشعبية فهم يدركون تناقص شعبيتهم كثيرا ويريدون الحفاظ على ماتبقى، بالتالى يوم 25 يناير أهميته فى كشفه للموازنة..هل استطاعوا أن يحافظوا على البقية الباقية أم أن الشعب إلا القليل وهم أعضاؤهم الذين يبلغون  750 ألفاً ممن بايعوا الجماعة منه قد انتفض ضدهم؟.. على باقى الشعب أن يكون يقظاً ومتحفزاً ومشاركاً فآفة المجتمع ألا يشارك أبناؤه فى صياغة الشأن العام وهو مايستفيد منه الإخوان من تكاسل الشعب.
هل يمكن أن تكون الثورات العربية - دون قصد- قد ساهمت فى تنفيذ مشروع «الشرق الأوسط الجديد»؟
·ثورات الربيع العربى خرجت من الشعوب العربية ولم تكن أمريكا أو الغرب من ورائها بل كان من ورائها جيل شبابى محروم من المشاركة فى السلطة والثروة، ولو عدت إلى تقرير التنمية البشرية الذى نشر عام 2000 أى قبل هذه الثورات بعشر سنوات كان يتنبأ بهذه الثورات وهذا التقرير كتبه أكاديميون عرب بناء على دراسات واستقصاءات ومسوح للرأى العام، رأوا أن هناك شيئين غير مسبوقين وهى أن نسبة فئة الشباب كبيرة جدا وهى أكبر سابقة فى عمر العالم لم ولن تتكرر وهو ما يسمى النتوء الشبابى فى الهرم السكاني، ثانيا هذا النتوء محروم رغم أنه أكثر تعليما وانفتاحا فالنظام السياسى مغلق فى وجهه والنظام الاقتصادى غير قادر على توليد فرص عمل، بالتالى كان يلجأ للهجرة للخارج أو الهروب لعالم المخدرات والجريمة، كأى عالم اجتماع يقرأ هذا التقرير يدرك أن التربة جاهزة لقيام ثورة، كل ما فعلته أمريكا أو الغرب عموما هو المراقبة والدراسة للبدايات فى ضوء ماحدث فى شرق أوروبا وأمريكا اللاتينية وحتى فى جنوب الصحراء بأفريقيا كان هناك تساؤل متى ستبدأ ثورات العرب؟ والتى تأخرت عشر سنوات، لكنها لم تدير أو تسعى لقيامها، بل إنها فوجئت بتوقيتها لأنه لمدة طويلة فقدت الأمل فى قيام ثورات العرب.