الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

عزوز إسماعيل: تجديد اللغة يساعدها على البقاء ومواكبة تطورات العصر

عزوز إسماعيل: تجديد اللغة يساعدها على البقاء ومواكبة تطورات العصر
عزوز إسماعيل: تجديد اللغة يساعدها على البقاء ومواكبة تطورات العصر




يعيش الدكتور عزوز على إسماعيل بين أوصال وأوردة المجتمعات الثقافية المصرية والعربية، منفتحا على الثقافات الأخرى مقدراً الآخر وثقافته من خلال محاضراته فى دار الأوبرا المصرية والصالونات الأدبية وندواته ولقاءاته التليفزيونية والإذاعية وبرامجه الخاصة والعامة، لديه مشروع ثقافى قابل للتنفيذ، وأبحاث علمية مهمة من شأنها تغيير وجهة النقد والوصول إلى نظرية نقدية عربية حديثة، صدر له كتابه «عتبات النص فى الرواية العربية» والذى أصبح مرجعاً لمعظم طلاب الدراسات العليا حتى غير المتخصصين فى اللغة العربية، وكتابه «شعرية الفضاء الروائى عند جمال الغيطاني»، متناولاً الشعرية من منظور الإبداع عند جمال الغيطاني، ومؤخراً كتابه «الألم فى الرواية العربية» والذى عرض فيه لقرن من الإبداع الروائى فى «الألم» عند الكتاب الكبار بدءاً من الدكتور طه حسين ومروراً بفترة الستينيات والألم عند عبد الرحمن الشرقاوى فى «الأرض» وغسان كنفانى وغيرهما وصولاً لألم الغربة، وجمع فى هذا الكتاب ما يقارب خمسين رواية تناولت الألم كسيرة ذاتية وأيضاً تعبيراً عن آلام الآخرين.. حول رؤيته الفكرية ونظرته لحاضر ومستقبل الثقافة العربية كان حوارنا معه.
■ هل تحتاج اللغة العربية فى الوقت الحاضر إلى تجديد خاصة فى ظل ظروف تحتم على لغتنا أن تأخذ من لغات أخرى، وهل الأخذ بمفردات من اللغات الأخرى يفيد اللغة؟
ــ بداية شكراً جزيلاً لجريدتكم الموقرة على هذا الحوار. ثانياً لا بد أن نعى أولاً أن اللغة العربية من أعظم اللغات شأناً وأعلاها قدراً فهى اللغة الوحيدة التى يفهم آخرها ما كتبه أولها، نحن الآن وبعد مرور أكثر من ألف وخمسمائة عام نفهم ما كتبه عنترة بن شداد والحارث بن حلزة وامرؤ القيس وغيرهم، وهذا أمرٌ من المستحيل أن تجده فى لغات أخرى، بل إن ما كتبه وليام شكسبير مثلاً منذ قرون قليلة لا يمكن أن تفهمه فى لغته الأصلية لا بد وأن تتعلم لغة أخرى أو أن تستخدم معاجم لتفهم اللغة القديمة للإنجليزية، واللغة العربية فى تطور مستمر، شأنها فى ذلك شأن أى لغة أخرى ولكن التطور اللغوى لا يخرج منها لغة أخرى كما حدث فى اللاتينية بل كلما تقدمت السنون زادت اللغة تماسكاً وقد أراد المستشرقون أن ينالوا منها ولكنها وقفت شامخة مثل الجبال لا تهزها أى ريح،.. والتجديد فى اللغة يساعدها - بلا أدنى شك - على البقاء ويمكنها من الاستجابة الطبيعية والناجعة لمتطلبات العصر، بل ويساعد واضعى المعاجم اللغوية على إثرائها، بالإضافة إلى ذلك فإن التجديد فى اللغة يجعل الباحثين يشمرون عن سواعدهم من أجل دراسة ذلك الجديد، وربطه بالأطر الحضارية للتاريخ الإنسانى وعلى المؤسسات التعليمية من الجامعات وغيرها رفع المستوى الثقافى باستغلال ما هو جديد فى اللغة وتجديد المعارف والمعلومات، وهو دور مهم يقتضى على المعاجم العربية الاهتمام به متماشية مع العلوم الحديثة، وإذا كانت اللغة عند مصطفى لطفى المنفلوطى والعقاد وغيرهما كانت لغة جزلة ومفرداتها قوية أى إنها لغة تراثية، فإن نجيب محفوظ فى كتاباته سهل اللغة وتقبلها الجميع وفهمها أيضاً الجميع فكانت حلقة وسطية بين اللغة العربية الفصيحة واللغة العامية القريبة من الفهم العام، لذلك فقد أسس نجيب محفوظ لشكل أدبى جديد، وأصبحت اللغة عند محفوظ تعرف بالفصحى الدارجة، وجاء من بعده يوسف القعيد وجمال الغيطانى وغيرهما يسيرون على خطاه، والجميع أصبح يدرك قيمة هذه اللغة العظيمة وكيف أنها الطريق لبناء حضارة جديدة، كما كان فى السابق، فاللغة العربية هويتنا ومصدر ثقافتنا ولغة آبائنا وأجداداً هى منا ونحن منها أعزها الله بقرآنه العظيم فعلا شأنها وازدان لواؤها وكانت فى يوم ما لغة العلم والحضارة، واللغة هى الهوية والكيان والتاريخ المشترك للشعوب العربية، وستظل اللغة العربية رابطة تؤلف بين أبناء الأمة العربية.
■ ما هى رؤيتكم  للمشهد الثقافى فى مصر، خاصة فى ظل ظروف مختلفة عن سابقتها؟
ــ المشهد الثقافى فى مصر عبثى ويحتاج إلى تدبر ووعى وتحمل المسؤولية الأخلاقية على الأقل والقوة الناعمة فى بلادنا تحتاج إلى إعادة نظر فى ترسيخ الانتماء للوطن والأمة بالكتابة والقراءة، ونتمنى أن تشهد الساحة معارك أدبية وثقافية جديدة مثل تلك التى كانت مع بدايات القرن الماضي، وأن نفعل دور الهيئات الثقافية، لدينا فى مصر خمس عشرة هيئة تابعة لوزارة الثقافة مثل المجلس الأعلى للثقافة والهيئة المصرية العامة للكتاب والهيئة العامة لقصور الثقافة وغيرها وبمناسبة الهيئة العامة لقصور الثقافة، لدينا فى مصر 575 قصر ثقافة تقريباً هذه القصور من الممكن أن تشكل وعياً حقيقياً شريطة أن تعمل وفق ما ترتضيه هيئة قصور الثقافة عن خطط موضوعه من قبل مثقفين يحبون هذه البلد. ولكن للأسف الشديد لا تعمل بالشكل المطلوب بل إن بعض هذه القصور تكاد تكون مغلقة تماماً. كما أن هناك نوعاً من التضييق على المثقفين هذا بالإضافة إلى أن المثقف لا بد وأن يُكرَّم ولا ندعه حتى يموت لنكرم أسرته وأن تكون هناك آليات لتكريم المستحق ولا نجعل النوادى الأدبية للمحسوبية ومن لا يستحق حتى فى مؤتمرات الوزارة السنوية أو غير ذلك. إن تكريمهم الحقيقى هو الاطلاع على أعمالهم التى قد ترتقى بالذائقة الأدبية والفنية وأدعو دائماً إلى احتضان هؤلاء المثقفين، لأن الثقافة هى القوة الناعمة لأى بلد من البلاد وهى القاطرة التى تأخذ بيد البلاد إلى النهوض والتقدم من أجل ذلك يجب وضع المثقف فى الأولويات، كما أريد أن أشير إلى أهمية القافلات التنويرية التى يجب أن تطوف البلاد باستمرار فى قصور الثقافة والأندية الأدبية والقرى البعيدة عن المحافظات، حتى نواجه الفكر المتطرف بفكر مستنير يتماشى مع الوقت الذى نحياه ولا نترك شبابناً فى أيدى العابثين . وأتمنى أن تعود عبارة «الثقافة الجماهيرية « فكانت هى المسمى قبل هيئة قصور الثقافة عام 1965 فالمسمى نفسه يشعرك بالجماهيرية والتعددية الثقافية .  فضلا عن ذلك ولكى نوسع المدارك من أجل ثقافتنا علينا أن نهتم بالآثار الإسلامية والفرعونية والقبطية يكفينا فقط أن نقول إن مسجد السلطان حسن ذلك المعلم السياحى العظيم لماذا لا نهتم به أكثر؟ ولماذا لا نخصص قناة تليفزيونية حكومية لتناول الآثار المصرية والمتاحف هنا وهناك؟ مسجد السلطان حسن به أربع مدارس لتدريس الفقه على المذاهب الأربعة، لماذا لا نظهر تلك المدارس لنعلم العالم أن مصر بها تعليم أزهرى على المذاهب الأربعة، ونحن نعلم أنَّ الأمر موجود فى الأزهر الشريف، ولكن نريد إظهار تلك الأمور للعالم من خلال قناة مخصصة لذلك .. وعن المبدعين والمثقفين أدعو إلى التأكيد على علاجهم على نفقة الدولة، وعدد الكتاب ليس بالكثير، وهناك من يرقد بسبب المرض، ولا نسمع أن أحداً قد وقف بجواره وأمثله عديدة واتحاد كتاب مصر كان قد أخذ موافقة من الدولة على علاج المثقفين والكتَّاب، ولكن ما أتمناه أن يكون العلاج مجاناً بنسبة مائة فى المائة، ولا داعى لموضوع الشريحة التى يضعون عليها علاج الكتاب والمثقفين واتحاد الكتاب للأسف الشديد يضع الآن مبلغ 500 جنيه للكاتب الذى يريد العلاج على نفقة الدولة، ولا أدرى على أى أساس وضعوا هذا المبلغ، وهناك تعتيم شديد من الاتحاد فى هذه الجزئية لماذا ؟ لا أدري..
■ لماذا يُتهم النقاد دائماً بأنهم منحازون وأصحاب هوى؟
ــ النقاد الحقيقيون ليسوا أصحاب هوى، لأنَّ النقد علم له أصوله ومن يتقن هذا العلم ويتعلمه جيداً لا يمكن أن يكون فيه الناقد صاحب هوى، فالناقد يقدم رؤيته وفق ما ارتضته ذائقته الأدبية حول النص التى قد لا ترضى صاحب النص؛ لأن النقد من أجل البناء وليس الهدم، ولكن هناك من أصبح دخيلاً على النقد وينقد كيفما يشاء دون دراسة وعلم، وهذا يجب الوقوف ضده. ونرى كثيراً على صفحات الجرائد تقديم لبعض النصوص وشرح لها وهذا ما يمكن تجاوزاً أن نسميه النقد الثقافى الذى يقرب النص من المتلقى بطريقة بسيطة وهادفة وعلى الرغم من خطورة ذلك إلا إن الأمر يتطلب أن يكون هناك نقد ثقافى يفهمه الأكثرية من الناس، وهنا نقطة مهمة وهى علينا أن نخرج بالنقد من النطاق الأكاديمى إلى الناس لإعلامهم بحقيقة النصوص وبأسلوب ليس فيه «اللأكليشيهات» المعروفة سلفاً فى عالم النقد وذلك لتقريب النصوص من الناس ولفهم طبيعة تلك النصوص، وهنا فقط نستطيع أن نقول إن النقد له دور مهم خارج أسوار الجامعة بعيداً عن الدور الأكاديمى لطلاب الجامعات، وهو موجود وسيظل موجوداً داخل أروقة الجامعات، ولكن ما ننادى به الآن هو خروج النقاد إلى الأندية الثقافية والكتابة بشكل أسهل وذلك لتوضيح  النصوص وتفسيرها للناس. ونحن فى هذا السياق علينا أن ننظر بعين إلى العالمية والخروح من نطاق المحلية بتقديم أعمال نقدية وعلمية متميزة لكى نصل إلى نظرية نقدية أى أن الكتاب يجب أن يتيقنوا أنهم يقومون بدور وطنى فى الكتابة يخص الوطن الكبير وهو الأمة العربية.
■ بماذا تنشغل حاليا؟
ــ أنا دائماً مشغول ببلدى وأتمنى أن أقدم لها شيئاً يحسب على مر الزمن خاصة فى ظل الظروف التى نحياها الآن، ولا يوجد أفضل من البحث العلمى فهو السبيل إلى الارتقاء وأعكف حالياً على البحث العلمى والنشر فى مجلات محكمة ولدى أبحاث عديدة من شأنها أن ترتقى بالنقد كما أننى مهموم بالشأن الثقافى ومهموم بوضع المثقف الذى لم يحصل على شيء يذكر، وأصبحت المسئولية فى أعناقنا جميعاً ولا بد من تضافر الجهود ولا نلقى باللائمة على الآخرين أو حتى المسئولين لأنهم فى وضع لا يحسدون عليه فالكل يجب أن يعمل حتى تنهض البلاد، وقد انتهيت بالفعل من عمل معجم ضخم أعتقد أنه سيغير كثيراً فى وجهة النقد بشكل عام فى الفنون كافة، يصدر قريباً.