الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سلطان الفتنة

سلطان الفتنة
سلطان الفتنة




أطلق صرخاته على المنابر مدعيا الدفاع عن حقوق المسلمين فى شتى بقاع الأرض، روج لنفسه وكأنه خليفة المسلمين القادم ومنقذهم من الهلاك.. قرأ آيات من القرآن الكريم أمام أنصاره.. وألقى خطبا عن ضرورة تحديث تعاليم الإسلام، وفضل المنهج العلمانى ومواكبته للحضارة.. ورغم كل هذه الجهود لن يستطيع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، أن يبرر للعالم الإسلامى الذى يحاول استمالته استباحة ما حرم الله سبحانه وتعالى، وسخريته من تعاليم الإسلام.
سلسلة من التناقضات المفجعة، وازدواجية فى المواقف والقرارات اعتدنا على رؤيتها من قبل أردوغان الذى يروج لبلاده باعتبارها دولة إسلامية تتمسك بقيم وتعاليم الدين الإسلامى مدعيا أن بلاده تستحق قيادة العالم الإسلامى، وأنه «خليفة المسلمين»، مع الزعم بأنه يعمل بتعاليم الإسلام الصحيح، فيما يلاحظ المتابع لنهجه ومواقفه، من خلال خطاباته وتصريحاته وقراراته ما يؤكد عكس ذلك وهو أنه علمانى حتى النخاع.
وترجع بدايات العلمانية فى تركيا مع إعلان الجمهورية فى 1923، وإلغاء الخلافة الإسلامية فى العام التالي، وبعدها المحاكم الشرعية الدينية، إذ ألغت الحكومة التركية فى عام 1926 القوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية فى قضايا الأحوال الشخصية، واعتمدت قانوناً جديداً مستمداً من القوانين السويسرية، فمنعت تعدد الزوجات، وأعطت المرأة المسلمة حق الزواج من غير المسلم، وساوت بين الذكر والأنثى فى الميراث.
 بعد إقرار هذا القانون، حظر أتاتورك على النساء لبس الحجاب والجلباب وألزمهن ارتداء الفساتين الحديثة، وأغلق المدارس الدينية ووزارة الأوقاف، وأصدر قانونا ينص على رفع الأذان وتلاوة القرآن باللغة التركية ومن يخالف ذلك يعاقب بالسجن لـ 6 شهور، وأثار بهذه القرارات ضجة ترددت أصداؤها فى سائر بلدان العالم الإسلامي.
اردوغان الذى اصبح يتمكن من جميع مفاتيح واقفال السلطة فى تركيا، عمليا لم يتجرأ على التخلى عن شيء من قرارات ومبادئ مؤسس الجمهورية التركية كمال أتاتورك، وهو ما أغضب كثيرا الأحزاب الإسلامية وجماعة الإخوان الإرهابية، لذا بدأوا فى التخلى عن دعمه والاتجاه لحزب نجم الدين أربكان «حزب الرفاة الجديد» الذى يدعو لإلغاء القوانين العلمانية ولكنه لن يطبق التعاليم الإسلامية المعتدلة وإنما سيدعو لمزيد من التشدد والإرهاب الفكرى باسم الدين.
ولا يزال إرث أتاتورك سيد المشهد و البوصلة فى تحديد الخيارات المجتمعية فى تركيا، فقد حافظ أردوغان على مبدأ العلمانية للدولة التركية و لم يجازف بتغيير ذلك، كما لم يشأ إثارة حساسية الحلفاء الأوروبيين لا سيما و أن بلاده عضو فى الحلف الأطلسى و ليس فى حسابات تركيا الساعية للانضمام الى الاتحاد الأوروبى الانسحاب من الحلف.
وفيما يلى سنرصد أهم بنود قانون الأحوال الشخصية فى تركيا، والتى تخالف تعاليم ديننا الإسلامي، والتى أيضا كانت سببا فى زرع الفتنة فى بلاد إسلامية أخرى اقتدت بالنموذج العلمانى التركى فى قضية المساواة فى الإرث بين الرجل والمرأة وهى «تونس».

1- «المساواة فى الإرث»

تم تغيير أحكامه الشرعية بحيث ساوى بين الذكر والأنثى (بزعم المساواة بين الجنسين، عاجزًا عن إدراك الحكمة الشرعية من وراء نسب توزيع الأنصبة فى الميراث)، كما ألغى نظام الإرث بالتعصيب (القرابة من جهة الأب)، والإرث بالقرابة البعيدة.
ويجدر بنا هنا أن نشير إلى أن هذا القانون لم يكن سقف آمال منظمات المرأة، ودعاة المساواة، وإنما هو خطوة على الطريق تبعتها خطوات، كان من بينها محو النص المشين (من وجهة نظر هذه المنظمات) الذى ينص على أن: «الرجل هو رب الأسرة»، كما جعل أيضا كل الممتلكات المكتسبة أثناء الزواج ملكا للزوجين، ويتم تقاسمها مناصفة.
مخالفة شريعة الله لم تحقق المساواة بين الرجل والمرأة فى تركيا، فلا تزال آلاف النساء فى تركيا ضحايا الاغتصاب وجرائم الشرف؛ والعنف المنزلي، فضلا عن التمييز العنصرى بينها وبين الرجل فى التعليم والعمل، إذ إن مشاركة المرأة التركية فى القوى العاملة أقل من نصف مشاركة المرأة فى الاتحاد الأوروبى.

2- «زواج المسلمة بغير المسلم»

«الجمهورية التركية دولة ديمقراطية، علمانية، يحكمها سيادة القانون» هذا ما نصت عليه المادة الثانية من الدستور التركي، ووفقا لتلك المادة
اصبح الزواج فى تركيا مدنيا، بما يعنى: إلغاء الولى والصداق، وسقوط اعتبار الديانة عند الزواج، بما يبيح زواج المسلمة من غير المسلم، وهو أمر غير جائز فى الشريعة الإسلامية إلا بتحول الرجل إلى الاسلام، ولكنه مباح فى تركيا.


3- «منع تعدد الزوجات»
تعدد الزوجات أمر محرم وغير قانونى فى تركيا، وهو ما يخالف الشريعة الإسلامية، وكان لذلك العديد من الآثار السلبية على المجتمع التركي، إذ لا تعترف الدولة بأى زواج خارج عن الزواج المدنى الرسمى الذى يتم بمعرفه دائره الزواج فى البلديات، وتمنع الزواج الديني، وتفرض الفقره الرابعه من الماده 237 من قانون العقوبات التركي، عقوبة الحبس لكاتب عقد الزواج والزوجين بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر.
ويقضى قانون الأحوال الشخصية ببطلان الزواج الثاني، فى حالة وقوعه، ويمنح الحق للزوجه الأولى برفع دعوى طلاق، إذا ثبت اقتران زوجها بأخري، فيما تمتنع الجهات الرسميه عن تسجيل عقود القران للزواج الثاني، حتى لو حصل حمل أو ولادة من الزوجة الثانية.
ونتيجة لذلك هناك آلاف الأطفال مجهولى النسب، إذ يرفض القضاء اثبات نسبهم من والدهم التركي، إلا بإقرار منه فى دائرة النفوس، أو بموجب دعوى قضائية مما يعنى أن حق الولد مهدد بالضياع، وقد يخاف الوالدان من العقوبة فلا يتم تثبيت نسب الطفل، كما تستطيع الزوجة الأولى أن تنسب الأولاد لها إن أرادت، فى حال حبس الزوجة الثانية.


4-«إلغاء تجريم الزنى»

فى حكم الإسلام يعد الزنى جريمة شرعا، وهو من الأعمال التى تغضب الله تعالى، وتنشر الأخلاق السيئة، ويعاقب فاعلها إما بالجلد أو الرجم أو السجن، أما القانون التركى المعادى للإسلام فقد اعتبر أن الزنى ليس جريمة، حتى فى أشد أنواعه وهو زنى الرجل بالمرأة المتزوجة، والذى يعد أمرا مباحا فى تركيا يندرج تحت بند «الحرية الشخصية».
وفى عام 1926، أقر القانون الجزائى التركى الذى أقر وتعديلاته الصادرة فى عام 1953، ووفقاً لكل من المواد 440 و441 و442 و443 و444، فإن «الزنى» يتعلق بالأزواج، ويحصر «الزنى» فى ما يخص الزوجة بالعلاقة الجنسية خارج إطار الزواج، وتعاقب ما بين ستة أشهر وثلاث سنوات.
وفى ما يخص الزوج، تشترط المادة 441 أن يقيم الزوج مع امرأة أخرى عزباء سواء فى منزل الزوجية أو فى أى مكان معروف للجميع فى علاقة تشبه العلاقة الزوجية، لتتم معاقبته أيضاً بالسجن ما بين ستة أشهر وثلاث سنوات.
وكانت المحكمة الدستورية العليا قد ألغت العمل بالمادة 441، والمتعلقة بالزوج، فى سبتمبر من عام 1996، لتصدر بعد عامين قراراً آخر بوقف العمل بالمادة 440 المتعلقة بالزوجات، وتحديداً فى يونيو من عام 1998، لمخالفتها المادة العاشرة من الدستور التركى التى تشدد على المساواة بين الرجل والمرأة.
بالتالي، لم يعد «زنى الأزواج» جرماً يعاقب عليه القانون الجزائى التركى منذ عام 1998.

5- «حقوق المثليين»
لم يغفل «الخليفة المزعوم» أردوغان بندا واحدا من بنود المجون التى ترضى المجتمع الغربي، إلا وجعل لها سندًا قانونيًا يبيح للفاسدين والماجنين ممارسة فحشهم بحماية القانون العلماني، لذلك فإن مثلية الجنسية ليست جريمة فى تركيا، خاصة أن «أردوغان» منذ توليه الرئاسة فى 2014، معروف بدعمه لهذا الملف رغم تحريمها فى الدين الإسلامى بنصوص صريحة.
تحتل تركيا المرتبة الـ2 بعد ألبانيا فى الإقرار بحقوق المثليين، ويصل عدد المثليين جنسيا إلى 3 ملايين شخص على الأقل، وقد أوضحت قرارات القضاء التركى أن غرامة المثلية من قبل الشرطة باعتبارها من «الأعمال الفاضحة فى الطريق العام ومضايقة الآخرين»، تتعارض مع المادة رقم 37 من القانون رقم 5326 المتعلقة، معتبرين أن فعل الانتظار لم يضايق أحد، ما يعنى أن دعارة الشذوذ مباحة فى تركيا بموجب القانون.
ومنذ عام 1852 تم إجازة المثلية الجنسية قانونيا فى تركيا، وتعد مدينة اسطنبول بؤرة تواجدهم،ونظمت جماعة الـLGBT المناصرة لحقوق المثليين والمتحولين جنسيا حول العالم، مسابقة لاختيار ملكة جمال المثليين جنسيا فى تركيا، وخلالها تم اختيار المتسابقة «يانقى بيرام أوغلو»، بالإضافة إلى تنظيم عرض أزياء للمثليين جنسيا، لتذهب أمواله للضحايا المثليين الذين تعرضوا للعنف والكراهية.
كما تم إصدار أول مجلة للمثليين جنسيا، والتى جاءت تحت اسم «جاى ماج»، وترأس تحريرها الصحفى أمير أقجون، كما أقر القضاء التركى حالة زواج علنى لرجلين مثليين، ولكنها لم تكن الأولى فقد سبقها زيجة مثلية أخرى، وهى زواج القنصل الأمريكى فى اسطنبول، تشارلز أف هينتر من شاب تركى يدعى «رمضان تشايسفر» آواخر عام 2015.
ومن المقرر أن يتم إنشاء سجن خاص للمثليين جنسيا، نتيجة لما يتعرضون له من مضايقات وعنف فى السجون العادية.
وأخيرا تمت الموافقة على ترشح نائب تركى مثلى الجنسية وهو جان تشافوش أوغلو فى الانتخابات البرلمانية لعام 2013، ضلا عن دعم «أمينة أردوغان» زوجته لحقوق المثليين والتقاطها الصور مع  دبلوماسى «مثلى» فى سابقة تعد ثورة فى تاريخ المثليين جنسيا فى تركيا.

6- «تقنين الدعارة»

وبعيدا عن قانون الأحوال الشخصية، يسعى أردوغان بكل الطرق غير المشروعة لإنعاش اقتصاد بلاده المتدهور بسبب سياسته الخاطئة، ولذلك سار على درب أجداده ولجأ إلى تقنين «بيوت الدعارة» فى تركيا لإنعاش خزينة الدولة بالإتجار بالنساء، إذ تمارس الدعارة فى تركيا بشكل علنى ومصرح به منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923 على يد آتاتورك، وفقاً للمادة 227 من القانون 5237 التركي، ومؤخرا أصدرت الحكومة التركية عدة قرارت تتيح تعديلات بقانون الرهان فى تركيا لتدخل حيز التنفيذ.
ووفقا لآخر الأرقام المعلنة فإن تجارة الجنس تدر على تركيا 4 مليارات دولار سنويا، حيث تحتل المرتبة العاشرة حول العالم فى هذه التجارة، فى حين تضاعف عدد العاملين بهذا المجال بمعدل 220% خلال فترة 8 سنوات فى ظل حكم العدالة والتنمية، وتضم تركيا حوالى 15 ألف بيت دعارة مرخص، ويصل سن التقاعد فى مهنة الدعارة التركية لـ60 عاما، كما تحتضن أكثر من 100 ألف بائعة هوى غير الوسطاء والقوادين.
وكذلك تنتشر فى تركيا نوادى التعري، أو نوادى الجنس، وتخضع أيضا لقوانين حكومية، حيث لابد من حصولها على تصاريح، وشهادات صحية، ولابد ألا يقل سن العاملين بها عن 18 عاما. بموجب قانون جنائى أعدته حكومة حزب العدالة والتنمية وصدق عليه البرلمان فى 26 سبتمبر عام 2004 ودخل حيز التنفيذ فى الأول من يونيو عام 2005.