الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«مترو» تذكرة عبور للحب فى محطة قطار معطلة!

«مترو» تذكرة عبور للحب فى محطة قطار معطلة!
«مترو» تذكرة عبور للحب فى محطة قطار معطلة!




فى محطة قطار مجهولة وقف شاب فى انتظار «المترو» الذى تعلن إدارة المحطة عن تعطله منذ فترة طويلة ليجد فتاة جالسة تكتب على أوراق بقلم بلا حبر ثم تقوم بتقطيع ما كتبته بشكل مستمر فى حالة عصبية وكأنها تعانى من «هيستريا»،

 محطة فارغة من الحياة والوقت مجهولة الإسم والزمن، وضعت ساعة كبيرة فى خلفية المسرح بلا عقارب وتبدأ أحداث العرض والحوار بين الشاب والفتاة الذى يعرض كلاهما أزمته لتنتهى بقصة حب رومانسية تعيد لهذه المحطة الحياة..!

الانتقال من حال إلى حال
بدت محطة القطار فى تصميمها أشبه بمحطات قطار السفر بالأفلام القديمة، وليس مجرد محطة مترو عادية عطل أصحابها أو تعطلت عليها أحلامهم وتوقفت بتوقف القطار فأغلب الظن قصد مصمم الديكور أبعاد أخرى أعمق وأبعد من مجرد توقف الحياة فى هذا المكان، ففى كتب تفسير الأحلام إرتبط حلم السفر بتغيير الأحوال من حال إلى حال وتغليف هذا المكان بشكل أو تصميم يقترب من محطات السفر القديمة قد يؤدى بالإيحاء إلى بعدين، البعد الأول الرغبة فى الإنتقال من وضعهم الحالى إلى وضع أفضل وهو ما حدث فى نهاية العرض بتحقق قصة الحب بين الإثنين، والبعد الأجمل والأعمق هو ارتباط شكل هذا المكان برائحة الأماكن القديمة أو روائح الذكريات المحفورة فى قلوبنا وأذهاننا جميعًا ففيه مشاعر مختلطة من النوستالجيا بالحنين إلى الماضى ولحياة الطفولة ومشاعر البراءة الأولى؛ وبالفعل يتذكر الإثنان طوال العرض أيام الطفولة فكلاهما يتحدث عن طفولته وأحلامه ومشاعره، بالإضافة إلى خواء هذا المكان وتوقف الزمن والحياة فيه؛ حتى البشر المحيطين بهم مجرد تماثيل مجموعة من المانيكانات وكأنهم وقعوا فى متاهة أو مكان مرعب اختلط فيه الحلم بالوحشة والرهبة وكأنهما عاشا معا أجواء كابوس فى محطة افتراضية صنعت من خيال أحلامهما المعطلة.

حكمة اللاوعى
يلعب اللا وعى دورًا كبيرًا فى حياة كل منا وبدأ هذا العرض وكأنه يخاطب اللا وعى فى كل شخص حضره فلم يقتصر على مجرد عرض قضية لشاب توقفت أحلامه وطموحه وتعطل وقت ذهابه إلى العمل وفتاة تائهة لا تعلم ماذا تريد بل أدخلنا فى عالم الأحلام مع هؤلاء بوقوعهما فى مكان ليس محدد زمنيا أو واقعيا كما لو أنهما عبرا معا من الواقع إلى كابوس، وبعد وقت طويل من العرض جلس على مقعد فى منتصف المسرح اثنان متخفيان وراء ورق جرائد وفجأة يدخلان فى أجواء اللعبة المسرحية، واحد أخرس لا يتكلم سوى بإصدار أصوات غير مفهومة والآخر تجرى على لسانه حكمة العرض لعب الاثنان دور المهرج الذى يلقى على عاتقه الجانب الساخر من القضية ثم الحكمة والنصيحة أو المرشد الواعى للعقل اللاوعى لبطل العرض ففى الوقت الذى يتشاجر فيه هذا الشاب مع الفتاة للحصول على التذكرة يطرح عليه هذا المهرج سؤال منطقى لماذا تتشاجر معها فى الحصول على التذكرة والمترو لم يأت بعد؟!!

صياغة مبتكرة لقضية متكررة
تقدم مسرحية «مترو» تجربة تناقش إحباطات أحلام وطموحات الشباب فى شكل مسرحى مغاير عن المعتاد فربما صادفنا هذه القضايا كثيرا فى أعمال مسرحية متعددة بينما قدمها المخرج فى صياغة مبتكرة مستخدما الشكل العبثى كإطار لعمله المسرحي، فى فكرة المترو المتعطل والمحطة الغير محددة الهوية وهم فى إنتظار الأحلام التى لا تأتى أبدا حتى وهم يمتكلون تذاكر العبور إلا أنها ما زالت معطلة، ثم استخدام معنى التذكرة فى العبور للحياة بوقوعهما فى الحب حتى ولو لم يأت المترو بعد..!، فكان التناول أقرب للشكل الفلسفى منه للشكل المسرحى التقليدي، لكن فى حين احتواء العمل على أفكار فلسفية إلا أنه حقق معادلة المتعة والمضمون الجيد، فهو عمل لا يتعالى على الجمهور بل يناسب كل مستويات التلقى الجماهيري؛ كما حقق المتعة البصرية بالإضاءة والديكور فكان لهذين العنصرين النصيب الأكبر فى وضع الجمهور بحالات ومشاعر متعددة ومختلطة بين الحيرة والخوف والإحباط والرغبة فى العودة لأيام الطفولة وإحساس الإنتقال والسفر؛ بجانب تحقيقه لمتعة المعايشة بإتحاد هذه العناصر مع الموسيقى والغناء وأداء الممثلين ففى هذا العرض يقدم مخرجه عادل رأفت مجموعة كبيرة من الموهوبين للوسط الفنى أحمد خالد وشيريهان قطب فى دور الشاب والفتاة المحبطين قدما دوريهما بتلقائية وحضور فى التمثيل والحركة على خشبة المسرح، ثم خالد الشرشابى وأحمد عمار ساهم الاثنان فى شد إيقاع العرض فور ظهورهما حيث تمتعا بخفة ظل وروح الدعابة وقدم كلاهما شكل كوميدى مختلف عن الآخر ربما لو اتيحت لهما مساحة أكبر كنا سنرى منهما المزيد من المتعة بحرفة وبساطة الأداء، تميزت أيضا سلمى عصام فى دور المطربة وعازف الكمان مصطفى رضا كانا عنصران مكملان للحالة التى قدمها المخرج بتجربته الجديدة «مترو»..تأليف محمد فضل، أشعار ضياء الرحمن، ديكور أحمد سيد، أزياء شاهندة حمد، إضاءة أبوبكر الشريف، تصميم استعراضات حمد إبراهيم.