الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

د.محمد كمال رئيس قسم الشريعة بجامعة الإسكندرية: معركة تنقيح التراث مفتعلة

د.محمد كمال رئيس قسم الشريعة بجامعة الإسكندرية:  معركة تنقيح التراث مفتعلة
د.محمد كمال رئيس قسم الشريعة بجامعة الإسكندرية: معركة تنقيح التراث مفتعلة




الأزهر لا يملك عصا سحرية للتجديد، إلا أن هذا الأمر لا يعنى أن القدر الأكبر من المسئولية لا يقع على عاتقه، هكذا بدأ الدكتور محمد كمال إمام – أستاذ الشريعة بكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية حواره مع «روزاليوسف».
المفكر الإسلامى وأستاذ الشريعة، كان أحد المشاركين فى الاجتماعات التى نظمتها مشيخة الأزهر خلال 2015 / 2016 الخاصة بإعداد وثيقة لتجديد الخطاب الدينى، وهى الوثيقة التى لم تر النور حتى يومنا هذا.
يتحدث الدكتور – محمد كمال - عن قضية تجديد الخطاب الدينى، ومعارك «التنويريين» مع الأزاهرة حول تنقيح التراث، بالإضافة إلى الإعلام ودوره فى بث خطاب «غير متوازن» حول قضية الخطاب الدينى، وإلى نص الحوار.

 ■ هل هناك علاقة بين الخطاب الدينى والأمن القومى؟
ـ العلاقة وثيقة بين الخطاب الدينى والأمن القومى، فحينما نغرس القيم الدينية والأخلاقية فى وجدان المواطن، فتترسخ لديه عقيدة رفض الإرهاب بكل صوره وأشكاله، فهذا حفاظ على الأمن القومى، خاصة فى ظل وجود علاقات دولية تسعى لتفكيك المجتمعات والمؤسسات الدينية، ولو سألت نفسك عن سبب تدهور أى أمة ستجد أن تدنى المنظومة القيمية المنغرسة فى أبنائها وراء ذلك، فمن يمارس الاحتكار؟ ومن ينتهج الفساد؟ ومن يزاول الطائفية والتنمر؟، إنه الفرد الذى لن ينصلح حاله إلا بتبنى الدولة والأزهر لمنهجية ضابطة لكل الأفكار التى تصب باسم الدين».
 ■ ومن يتحمل مسئولية تجديد الخطاب الدينى؟
 ـ لا بد أن نفصل بين حضور الدين فى المجتمع الإسلامى والعربى كممارسة الفرائض اليومية كالصلاة والصوم والزكاة فالدين حاضر فى قلب المنظومة الاجتماعية على عكس دول أخرى، وبين الخطاب الدينى الذى هو منبع الآلية التى تحمل الثقافة الإسلامية للمجتمع.
والخطاب الدينى مسئولية المجتمع ككل، وليس الأزهر وحده، فحينما نتحدث عن تجديد الخطاب الدينى تتوجه الأعين «أوتوماتيكيا» صوب مؤسسة الأزهر، وهذا ليس عيبًا لأنه دائما منبع التغيير والتجديد الإسلامى، لكن لا تتعجب حينما أقول لك أن المؤسسة التشريعية جزء من عملية تجديد الخطاب الدينى عن طريق القوانين التى تصدرها وتضبط من خلالها إيقاع الحياة اليومية فى الشارع المصرى، وكذلك الحكومة مسئولة بوزاراتها المختلفة عن تجديد الخطاب الديني.
 ■ وما دور الأزهر تحديدا؟
ـ الأزهر يتحكم فيما يخصه من مناهج دراسية يستطيع التغيير فيها بالحذف والإضافة لتؤدى دورها فى إعلاء المنظومة القيمية، ومن ناحية أخرى يجب أن تتبنى وزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالى نفس الفكر، وكذلك وزارة الشباب والرياضة من خلال الندوات فى النوادى ومراكز الشباب، فما يتم تقديمه فى المدرسة ينبغى ألا يتعارض مع ما يتلقاه الشاب فى النادى، أو مع ما يسمعه المتلقى فى الراديو، ومن هنا نخلص إلى أن تجديد الخطاب الدينى ليس فقط متعلقًا بما ورد فى القرآن الكريم والسنة النبوية، وإنما هو منظومة قيمية كاملة يسير أطرافها فى خطوط متوازية نحو الهدف الحقيقي.
 ■ شاركت فى لجنة إعداد وثيقة الأزهر لتجديد الخطاب الدينى.. فأين هى؟
ـ الوثيقة هى نص، مثل وثيقة الدستور، ووثيقة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وكذلك وثيقة الأزهر، هى خلاصة أفكار لمجموعة من المثقفين والمتخصصين لتحدد الطريق الذى ينبغى السير عليه، ولا بد من ترجمة الوثيقة لبرامج عمل، فهذه ليست مهمة من صنع الوثيقة وإنما مهمة الأزهر الذى يجب أن يترجم وثائقه من خلال معاهده وكلياته ومنصاته المختلفة بالتنسيق مع باقى أجهزة الدولة.. نجاح الوثيقة فى صدورها أما تنفيذها فهذا شأن آخر.
 ■ هل يمكن أن يساهم الفرد فى إنجاح خطة تجديد الخطاب الدينى؟
ـ مصر دولة متدينة بطبعها، والدين موروث فى نفوس أبنائها، ونحن فى حاجة إلى تأكيد ذلك المفهوم فى الخطاب الرسمى، فمهما بلغت الدولة بأزهرها وأوقافها جهودًا مضنية لتجديد الخطاب الدينى لن تنجح إلا بتعاون المواطن، فالأسرة هى نواة المجتمع.. الحفاظ على تماسك المجتمع فريضة، والمجتمع هو الدولة التى نعيش فيها، فحينما يدرك المواطن أننا نمر بأزمة اقتصادية مثلا فلا يمارس الاحتكار أو يرفع الأسعار من منطلق دينى وأخلاقى، هنا يمكن القول أننا نجحنا فى تجديد الخطاب الدينى، ولم نصدر فكرة تتبناها الدولة فقط.
 ■ وما دور الإعلام فى عملية تجديد الخطاب الدينى؟
ـ الإعلام يبث ثقافة وخطابًا مختلًا، متعارضًا مع بعضه البعض، خاصة الإعلام الخاص الذى يفرز ثقافة مغايرة عن المجتمع، وهذا ليس عيبًا لكن هناك فرقا بين ثقافة مغايرة تضيف للمجتمع وبين أخرى تخصم من رصيده الفكرى والدينى والسياسى.. ولكن لا يوجد توازن فى المواد التى يقدمها الإعلام فبرامج «التوك شو» عديدة تتحدث فى كل شىء عدا مسألة تجديد الخطاب الدينى بشكل حقيقى وفعال، إلا أنه للأسف لا يحظى المتخصصون والمعنيون بتجديد الخطاب الدينى، بالمكانة اللازمة على خريطة الإعلام إلا نادرًا، والقضية ليست فى وسائل الإعلام وإنما فى تبنى ثقافة إعلامية جديدة تعمل على توحيد الرسالة، فمن واقع تجربتى فى إذاعة القرآن الكريم كنا نعمل بالتنسيق مع باقى الإذاعات فى ماسبيرو، كلُ فى مجاله سواء الدينى أو الرياضى أو الفنى، لكن لا نخرج عن منظومة القيم.. للأسف أصبح الإعلام فى بلادنا باستثناء الإعلام الحكومى إعلانًا وليس إعلامًا.
 ■ ما تأثير الفتوى على قضية تجديد الخطاب الدينى؟
صلاح الخطاب الدينى من صلاح حال الفتوى، لأنه تتعامل مع الوقائع التى تحدث فى حياة الناس، من طلاق وزواج وتعاملات مالية وعبادات، لذا يجب أن تعيش الفتوى عصرها وتعالج مشكلات الإنسان الآنية، وألا تكون تردادا لفتوى قديمة فى ثراث فقهى سابق، يجب أن تكون فقهًا جديدا لواقع جديد غير منفصل كليا عن مصادر التشريع المعروفة كالقرآن والسنة.
■ وما رأيك فى الجدل الدائر حول قضية تنقية التراث؟
ـ الصدام الدائر بين الأزاهرة ومن يطلقون على أنفسهم «التنويرين» لتنقية التراث هو صدام مفتعل لأن الحضارة الإنسانية نهضت وتطورت وظهر ابن سينا وابن رشد والفارابى والأئمة الأربعة ومذاهب المعتزلة ورغم ذلك لم نشعر أن هناك مشكلة تتعلق بتنقية التراث، فهل حينما تطورت الحضارة الغربية ألغت التراث اليونانى؟، لم يقل أحد أن الحديث المطعون فى صحته تؤخذ منه الأحكام، نحن نأخذ الأحكام من السنة الصحيحة، ومشكلتنا مع هؤلاء الذين يتخذون من الأحاديث الضعيفة أساسا للوصول إلى أحكام، أو ينكرون السنة من الأساس، وبدلا من أن نشغل أنفسنا بتنقية التراث، فلندخل فى مشكلات العصر وعندما تصادفنا إشكالية حول حديث معين يجلس أهل الاختصاص لتحريره وتخريجه، هذه قاعدة لا يختلف عليها أحد، أما أن ندخل فى معارك لا حصر لها حول البخارى فهو استنزاف للجهد.. وأغلب الذين يهاجمون السنة فى الإعلام لا يعرفون شيئًا عنها، باب التراث مفتوح للجميع لكن لا يدخله إلا من يتقنه.