السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المترجم العراقى تحسين رزاق عيد: رواية «لاوروس» تجمع بين المعرفة والخبرة والخرافات والأوهام

المترجم العراقى  تحسين رزاق عيد:  رواية «لاوروس» تجمع بين المعرفة والخبرة والخرافات والأوهام
المترجم العراقى تحسين رزاق عيد: رواية «لاوروس» تجمع بين المعرفة والخبرة والخرافات والأوهام




يرصد المترجم العراقى تحسين رزاق عيد صاحب الترجمات المميزة لكنوز الأدب الروسى إلى العربية  الصعوبات التى واجهته فى ترجمة رواية« لاوروس» للكاتب الروسى المعاصر يفغينى فودولازكين فى هذا التقرير فيقول:
من بين الكتب التى واجهتنا فيها صعوبات كثيرة فى الترجمة هى رواية الكاتب الروسى المعاصر يفغينى فودولازكين «لاوروس» الصادرةعام 2012  والفائزة بجائزة «الكتاب الكبير» فى روسيا. وقد صدرت فى هذا العام الترجمة عن دار المدى المعروفة.
تكمن صعوبة الرواية فى كون مؤلفها يفغينى فودولازكين لغوى متخصص فى اللغة الروسية القديمة. وقد استغل معرفته باللغة الروسية القديمة الميتة واستعمل مفرداتها فى حوارات أبطاله.
تجرى حوادث الرواية فى روسيا العصور الوسطى وبالتحديد فى القرن الخامس عشر. بطل الرواية - العشاب أرسينى الذى يمتلك قدرات الشفاء، الذى رباه جده كريستوفر وعلمه القراءة والكتابة وعِلم الأعشاب. تموت عشيقته وزوجته غير الرسمية أوستينا أثناء الولادة، ويموت ابنهما فى رحمها. يشعر أرسينى بالذنب لاعتقاده بأنه السبب وفى وفاتها قبل أن تتناول القربان المقدس، فيسعى للتكفير عن خطيئته والدعاء إلى الله بالخلاص لروحها، وتكريس حياته لها. وخلال عمره الطويل المليء بحب لا يفتر لأوستينا، يصبح عشاباً جوّاباً، ومعالجاً للناس، ومجذوباً الذى اتخذ اسم حبيبته أوستين، ويسافر للحج إلى القدس ويعود، ويُرسَم راهباً، ومن ثم ناسكاً بعد أن يتخذ اسم لاوروس.
رواية «لاوروس» مكتوبة باللغة الروسية المعاصرة وباللغة الروسية القديمة. فالحوارات والمونولوجات تدور أحياناً كثيرة باللغة الروسية القديمة وبعض الاقتباسات من الكتب القديمة ومن الكتاب المقدس أيضاً باللغة الروسية القديمة. تقدم هذه الرواية - صورة موثوقة جداً لعالم القرون الوسطى. ولا يقتصر هذا الأمر على واقعيات القرون الوسطى، بل يشمل كذلك الناس الذين عاشوا فى ذلك الوقت. الناس بأفكارهم ومعتقداتهم وروحهم وديانتهم ولغتهم. حيث تتعايش المعرفة والخبرة مع الخرافات والأوهام. وحيث تعيش حكمة الحياة كلها فى كلمات المجذوبين.
إنَّ الميزة الإيجابية لهذه الرواية تكمن فى مزج اللغة القديمة باللغة الحديثة. ولكن هذه الميزة الإيجابية المفهومة بالنسبة للقارئ الروسى تشكل عبئاً ثقيلاً يقع على عاتق المترجم الذى يضطر لاستعمال القواميس القديمة ويضطر كذلك لدراسة القواعد القديمة للغة الروسية القديمة. وبعد أن يفهم المترجم المفردات والعبارات القديمة يبقى متحيراً فى كيفية ترجمتها. فنحن المترجمون العرب نترجم من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية الفصحى المعاصرة التى قد لا تختلف كثيراً عن اللغة العربية الفصحى قبل عدة قرون. ولكى نميِّز فى الترجمة العبارات والجمل التى وردت فى النص الأصلى باللغة الروسية القديمة عن تلك التى وردت باللغة المعاصرة لجأنا إلى استعمال الحركات ووضعها على الحروف كما فى الكتب العربية الدينية والقديمة المحققة.
بطل الرواية يستعمل دائماً الكلمات السلافية والروسية القديمة. لحل هذه المشكلة، بحثنا عن معانى العديد من هذه الكلمات ووجدناها، بالاعتماد على جذر الكلمة. أما الاقتباسات من الكتاب المقدس التى أوردها المؤلف باللغة السلافية الكنسية، فقد أخذناها من نص الكتاب المقدس باللغة العربية.
كان أرسينى وجده كريستوفر يعالجان الأمراض المختلفة للناس بالأعشاب. أسماء الأعشاب هى الصعوبة الثانية فى الترجمة لأنّ الكثير منها لا ينمو فى عالمنا العربى وليس لها أسماء باللغة العربية. فللعثور على أسماء الأعشاب باللغة العربية، كان علينا أولاً تحديد الاسم اللاتينى للعشبة المعنية من خلال اللجوء إلى ويكيبيديا والبحث عنها فى محركات البحث على الشبكة العنكبوتية ومشاهدة صورها لتحديد المكافئ لها باللغة العربية .
الصعوبة الثالثة التى واجهتنا أثناء ترجمة الرواية - هى الوقت، إذ إنَّ الزمان متداخل فى أحداث الرواية وينقلنا المؤلف بين الماضى والحاضر خاصة من خلال رؤى أمبروجو، البطل الآخر فى الرواية، لكن المؤلف نفسه يساعد القارئ (والمترجم) على تجاوز هذه الإشكالية من خلال طرحه لمسألة تداخل الزمان. فبعد قراءة الرواية، يدرك القارئ أن الوقت ليس موجودًا، وإنما اخترعه الناس لتسهيل تنظيم هذا العالم. فجميع الأزمان وجميع الأجيال متصلة ومرتبطة بعضها ببعض. (فمثلاً: عند وصف ذوبان الجليد فى فصل الربيع بدأت تظهر أنواع الأوساخ فى الغابة، ويذكر من بينها العبوات البلاستيكية، وهذا فى القرن الخامس عشر...) (القوارير الملوثة.)
الصعوبة الرابعة تكمن فى حقيقة أن فودولازكين، عند كتابة النص الأصلي، تعمَّد ألا يضع علامات التنقيط فى كثير من الأحيان. إذ لا توجد فى الرواية علامات اقتباس وعلامات استفهام وعلامات تعجب. حاولنا الحفاظ على هذه الميزة الأسلوبية عند الترجمة قدر الإمكان من دون تشويه للنص المترجم خاصة عند الاقتباسات من الكتب القديمة، لكن فى الحالات التى تتسبب بعدم فهمٍ لجأنا مضطرين إلى وضع علامات تنقيط من أجل أن يكون نص الترجمة مفهوماً طبعاً بعد التشاور مع المؤلف.
تكمن الصعوبة الخامسة فى الفكاهة والهزل، الذى استعمله المؤلف بشكل يتناسب مع الصورة العامة. إذ يجعلك المؤلف تتحسر من الشفقة على بطل الرواية ثم يضطرك على الفور للضحك من القلب على طرفة مليحة، وهذا كله طبيعى جداً. فالهزل الخفيف لا يخلو من الأصالة، وقد طرحه المؤلف من خلال شخصية فوما المجذوب الأبله، الذى لم يتخلَّ عن تفاؤله وفكاهته حتى عند الموت. ولتجاوز هذه الصعوبة استعملنا عند ترجمة كلام فوما المجذوب العبارات والكلمات التى كثيراً ما تتردد على ألسن المجذوبين والدراويش فى عالمنا العربي.
ثمة انتقالات سريعة ورائعة فى الحوارات فى الرواية، من خلال الرؤى والتنبؤات، من الحوار باللغة السلافية الكنسية ليس إلى اللغة الروسية الأدبية الحديثة بل إلى اللغة الروسية الدارجة المحكية. فعملنا عند الترجمة، من أجل الحفاظ على روح النص، بالتحول من اللغة العربية الفصحى المكتوبة إلى اللغة العربية الحديثة المحكية، من خلال محاكاة حوارات الأبطال فى روايات الكاتب الكبير نجيب محفوظ. (وكنت كثيراً ما أنصح الطلبة فى درس الترجمة، من أجل تطوير خزينهم اللغوي، ألا تقتصر قراءاتهم على كتب التراث، بل أن يقرأوا كذلك روايات نجيب محفوظ خاصة ثلاثيته المعروفة.).