الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

هل «قدر» ماكرون أن يكون «مكروهًا»؟

هل «قدر» ماكرون أن يكون «مكروهًا»؟
هل «قدر» ماكرون أن يكون «مكروهًا»؟




بقلم - روبرت زارتسكى

نقلا عن فورين بوليسى

ترجمة : وسام النحراوى

المأساة التراجيدية الفرنسية الكلاسيكية دائمًا ما يكون فصلها الخامس هو الأخير ثم يسدل الستار وتضاء الأنوار ويغادر الجمهور المسرح، وتستمر الحياة الحقيقية، إلا أن تظاهرات السترات الصفراء لديها رأى آخر، فبعد خامس سبت احتجاجى لم يسدل الستار بعد.
حاول الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون احتواء الغضب الشعبى بالتحدث إلى شعبه مباشرة فى محاولة لتهدئة الأوضاع، معلنًا «حالة الطوارئ الاقتصادية» التى تضمنت رفع الحد الأدنى للأجور شهريًا بمقدار 100 يورو ( برغم تعهد وزير العمل الفرنسى قبل يوم واحد بعدم الزيادة)، وإلغاء الزيادات الضريبية المخطط لها على أولئك الذين يكسبون أقل من 2000 يورو فى الشهر، كما أعلن أيضًا أن «ضريبة الثروة» التى ألغاها عندما جاء إلى منصبه لن يعاد إدخالها، مقتنعاً بأن ذلك من شأنه أن يشل الجهود المبذولة لجذب المستثمرين من رجال الأعمال إلى فرنسا.
لكن على عكس أسوأ التوقعات استمرت التظاهرات فى التأجج، وشعبية ماكرون فى النزيف، فقد استطاعت حركة «السترات الصفراء» تجميع أكثر من مائة ألف متظاهر فى عشرات المدن الفرنسية، وتصدرت باريس بعشرة آلاف متظاهر منفردة.
كل هؤلاء أتوا للتعبير المجدد عن استيائهم وكراهيتهم للحكومة ولماكرون وللإجراءات غير المدروسة التى يتراجع عنها بعد إصدارها، بدءًا من رفع الضرائب وفرض ضريبة على البنزين، وخفض الحد الأقصى للسرعة، وزيادة الضرائب المستقطعة، وإلغاء ضريبة الثروة، إلى جانب انخفاض الثروة الشرائية، واستمرار البطالة.
ومع ذلك، تفشل هذه السياسات الاسترضائية وحدها فى تفسير المشاعر الاجتماعية والسياسية الحارقة التى لاتقنع بأى حلول وإنما تصب غضبها وكرهها بشكل مباشر على ماكرون، الذى ينتهج فى حكمه طريقة يطلق عليها مستشاروه «العمودية» والتى تعنى أن الأوامر والتفكير فى القرارات لايأتى إلا من القمة فقط، وهذا وصف لنهجه منذ دخوله قصر الإليزيه، ولذلك حتى عندما أقر بتحمله مسئولية ما يحدث، حملها لنفسه فقط.
ويصر الفرنسيون على المواجهة والتحدى وإحراج ماكرون بتخليف كارثة متكاملة الأركان من عدد قتلى وصل إلى 6 ومئات الجرحى وأضرار مادية بالملايين، وإلى الآن لم يستوعب ماكرون ما يحدث ويتصرف على قدر الموقف.
وأبرز مثال على ذلك، استخدامه كلمة «أراضي» مثلًا للتأكيد على أهمية الريف الفرنسي، إلا أن الشعب لم يصدقه، فهو لم يشر إلى مسقط رأسه وموطنه منذ توليه الرئاسة على عكس سابقيه من الرؤساء مثل شيراك وديجول الذين كانا دائمى الزيارة إلى موطنهم ومسقط رأسهما.
وبالتالى فالمعارضة لاتزال مستمرة، وشعبيته مستمرة فى الهبوط، ووفقًا لاستطلاع أجرته صحيفة «لو فيجارو» الفرنسية فقد انخفض دعم ماكرون إلى 21٪.
وبالعودة إلى ماضى فرنسا الثورى من أجل فهم المأزق الحالى، نتأكد بأن ما يحدث هو أحدث بكثيرمن أى مقارنات تاريخية، ليس لأن السترات الصفراء هى حركة بلا قيادة، ولكن لأن مصدر كل ثورة فى فرنسا كان باريس وسكانها، فقد كانت عاصمة النور هى البطل العظيم فى القصص الثورية لفرنسا، و لكنهم سرقوا الدور الرئيسى من باريس.
وقد قلبت الأسابيع القليلة الماضية هذه الحقيقة رأسًا على عقب، فالغالبية العظمى من متظاهرى السترات الصفراء ليسوا من سكان باريس، ولكن من المقاطعات، التى يهملها ماكرون، ويشعرون أنهم معزولين بشكل متزايد عن الدولة، وخدماتها المتناقصة.