السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«شمس بلا أمل» .. لعبة الحرب والشتات النفسى وضياع الهوية

«شمس بلا أمل» .. لعبة الحرب والشتات النفسى وضياع الهوية
«شمس بلا أمل» .. لعبة الحرب والشتات النفسى وضياع الهوية




ترجمة- نيرة أبوالعينين

 

شمس بلا أمل هى رواية ثلاثية الأجزاء وتعد سيرة ذاتية لكاتبها كينت أندرسون ، حيث إنها استكمالا لروايتيه»التعاطف مع الشيطان» التى نشرت فى عام 1987 فى الولايات المتحدة الأمريكية، إسحدى القمم الأدبية آسنذاك و«كلاب الليل» 1996حيث خيبات أمل الرقيب الذى أضحى مجرد شرطى فى بورتلاند. الشخصية الرئيسية بالروايات الثلاث هو الرقيب السابق فى القوات الخاصة الذى شهد أحداث الحرب «هانسون»  والذى يقرأ كتابات وأشعار ييتس فى دورياته المسائية طويلة المدى، والذى أيضا يتوق إلى العودة إلى «العالم». وفى منتصف قصته، يبذل قصارى جهده للعودة إلى المنزل. وعندما يصل إلى هناك، يمكنه فقط أن يتسلل إلى غضب عارم ضد المدنيين الذين يظلون أبرياء فى عالمه الهش.
 بعد مرور أكثر من عقد من الزمان، يفتقد إلى النقاء البسيط للصراع. لا يهتم هانسون إذا كان يعيش أويموت. قد جعلته هذه الحرية أقرب إلى مجتمعه الذى لا يحظى بالخدمات.فهوعلى خلاف مع سياسة الإدارة، بل يعتبر نفسه «عامل اجتماعى مسلح»، ثملا منفردا يستسقى من قصائد ييتس. تتعقد الأمور عندما يعبر طريق فيلكس ماكسويل حيث يقابل تاجر المخدرات المحلى الذى أصبح نوعًا من البطل الشعبى المدنى. يبحر هانسون فى شوارع أوكلاند الوسطى بمساعدة صبى فى الحادية عشرة من عمره يدعى «ويغى» فى سلسلة من الحلقات المفعمة بالحيوية والهلوسة فى كثير من الأحيان.
قد كنا نتطلع لمدة عشرين عاما لعودة ظهور هذا الجندى المصدوم، الذى يمثل محاكاة لكاتب الرواية أندرسون،  لنراه مرة أخرى فى دورية من أمسيات أوكلاند المريبة فى عام 1983، ليجازف بحياته فى لعبة الحظ المميتة الروليت الروسية.
نجد الشخصية الرئيسية مفعمة بالاضطرابات النفسية والعقلية متقبلة الحالات الجسدية،  على غرار زملائها، ولكنها أيضا تمثل خطرا مثل قنبلة يدوية منزوعة الفتيل فى مواجهة البذاءة أيا كان نوعها. شخصية بلهاء، مشروطة بالقتل وهى مدركة بذلك.
فى فيتنام يخضب النوم بالقنابل الفسفورية،ثملا يرضع زجاجته فى نهاية دوريته الليلية، مبتسما إلى الأطياف التى تزوره وتحادثه أثناء هلوسته،كأنها أرنب كبير يتعقبه.

 

جولات خارج عن القانون عاشق العدالة أكثر من القانون والشرطة التى يسيطر عليها الإحصاءات والسادية: يدون كينت أندرسون مذكراته فى «شمس بلا أمل»،  على وتيرة رائعة لدرء حسرته وشراسته معا. لا نجد عيبا فى عنفه المترسخ فى سيرته الذاتية بحيث إن هذا العنف يشكل قصيدة سامية لا تشوبها شائبة تجمع كل عنف روحى، حيث تحلق الطيور الطنانة وينهمر وابل رحيق المحيط.
الرقيب السابق للقوات الخاصة، المغطى بكفنه ​​وهوحى ميت، يستخلص ومضات السماء لمداواة إرهاب وجوديته.وتتمثل هذه المغفرة الممنوحة من قبل هذه الوجوه الحسنة فى بقاء المرء مصعوقا.
«لا يهتم بالعيش أوالموت. فقد نجا لوقت طويل بينما يموت آخرون لدرجة أن ردة فعله على التهديد أصبحت غريزية، أسرع من التفكير.إن قوة الحياة هذه تتجاوز إرادته. فى بعض الأمسيات يتيقن أنه لا يمكن قتله حيث إنه خائف من العيش للأبد. «.
تقوده رغبة الموت التى تقابلها غريزة البقاء المتأصلة فيه، هومحارب وعسكرى ، غير مبال بشيء،  وجد فى أوكلاند المكان الذى يفتح له أبواب الجنة بقدر ما تستقبله أبواب الجحيم.فيتمثل الجحيم، وهوالأهم على الإطلاق فى زملائه ورؤسائه:فهم إما عنصريون أومفعمون بحركة زناد السلاح أومنهمكون فى الاستراتيجيات السياسية  والإحصاءات ، هذا ما جعل هانسون يتساءل فى كثير من الأحيان عما يفعله هنا.
الجنة، هى أوكلاند حيث المطلوبين للعدالة من السكان الذين لم يعد لديهم شىء لخسارته،حيث العصابات والأحياء المهجورة التى تم وصفها بإتقان من قبل أريك مايلز ويليامسون فى كتابه «مرحبا بك فى أوكلاند» والكثير من الفرص تسنح لهانسون بالتلاعب بنظراته المجنونة وبمطاردة الموت بل يشارفه فى بعض الأحيان، فيمنحه المزيد من الوقت للبحث عنه دائما.

 

نجد فى شمس بلا أمل: دقة الجمل، قصيدة العنف، تلك الأوقات المضطربة التى نفقد فيها قدرتنا على التمييز بقدر هانسون إذا كانت حقيقية أم هى فقط من صناعة خياله المصاب بصدمات الحرب.
يجول هانسون وحيدا فى قلب الظلام خلال دورياته الليلية، ويوظف أندرسون اللحظات والشخصيات المضيئة التى ربما تسمح بخلاصه، بل أيضا  تربط بينه وبين الحياة: هوكالمهر الذى يحب التجوال فى الصباح، والطيور التى تترقبه، ليبيا، حيث يمكن أن يقع فى الحب خاصة مع ويغي، طفل الدراجة الذى يبدو وكأنه يتتبع خطواته أحيانا ،  فيكون له المرشد فى متاهات أوكلاند. طفل فى مواجهة هانسون ويمكن أن يكون فى مواجهة نفسه هو والحياة أيضا.
فى إطار الحبكة القصصية التى تشهد تطور علاقة،  غريبة بين هانسون وفيليكس، كبير تجار المخدرات فى أوكلاند وويغى طفل الدراجة، كينت أندرسون، كما فى رواياته السابقة،يربط الفصول ببعضها البعض على هيئة قصص قصيرة، حول الحياة اليومية للبطل المطعمة بالذكريات التى تطارده كما لوأن هناك أرنبا أسود ضخما يلاحقه تجسيد لضميره ولغريزة البقاء على قيد الحياة.
كل هذا يزينه جمال اليأس الذى يتأرجح ضد إمكانية حياة أخرى أوربما جمال عملية البحث عن مهرب الذى غالبا ما يكون عنيفا، ودائما نجد الشعر الفوضوى فقط عند أولئك الذين يعتزون بأنفسهم رافضين شفقة أحدهم، فيستدعى الكثير من اللحظات السعيدة بقدر تلك القاسية وتلك اللحظات ذات الفكاهة العبثية. هذا فقط ما يمكن أن تقدمه الحياة.

 

«لا يوجد سبيل للعودة من حرب فيتنام،بل سنتعفن هناك، الوجه محطم من الداخل فقد انتهى أمره بالفعل هناك، وتتجلى الحياة فى جملة. تمتزج النشوة والثمالة مع نزعة حمل مسدس ماغنوم عيار 357  إلى المعبد بهدف إطلاق النار على وحوشه بدلا من إصابة أحدهم. قد استأنف عمله بوصفه شرطيا فى أحياء شرق أوكلاند المدمرة اقتصاديًا،  بعد انغماسه فى الثمالة لمدة ثلاث سنوات، هوالكاتب الأمريكى كينت أندرسون الذى قد كان من ضمن القوات الخاصة  لسلاح المشاة «القلنسوات الخضراء» والتى قد تم تسريحها فى عام 1970. وقبل التحاقه بالعمل العسكرى مرة أخرى قام بدراسة وتدريس الأدب الإنجليزى فى أيداهو. والذى لم يكن كافيا لإرضائه، فالتحق فى عمر 38 بقوات شرطة اوكلاند0