الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

اللغة العربية تزاحم اللغات المحلية فى شرق أفريقيا

اللغة العربية تزاحم اللغات المحلية فى شرق أفريقيا
اللغة العربية تزاحم اللغات المحلية فى شرق أفريقيا




دخلت اللغة العربية – عبر الثقافة الإسلامية- إلى منطقة جنوب الصحراء فى أفريقيا بداية من القرن الحادى عشر وحتى القرن التاسع عشر، وأسفر هذا الدخول عن أشكال مختلفة من العربية كلغة اتصال مثل الاقتراض كما هو الحال بالنسبة للكلمات العربية الموجودة فى السواحيلية والكلمات العربية الموجودة فى الملجاشى، والتحول اللغوى الكامل إلى العربية كما هو الحال فى شمال شرقى نيجيريا وحول بحيرة تشاد .
ويستعرض الدكتور محمد الشرقاوى أستاذ اللغويات بجامعة ميشيجان الأمريكية فى كتابه الصادر حديثا عن هيئة الكتاب تحت عنوان (العربية فى شرق أفريقيا.. مقدمة فى التهجين اللغوي) وضع اللغة العربية فى منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقى، حيث تعد العربية فى تلك المنطقة كبسولة تختصر فى سلوكها التركيبى أشكال العربية فى جميع تجمعاتها البشرية التاريخية منها والمعاصرة. ودراسة العربية فى تلك المنطقة تبين لنا مرونة العربية فى تركيبها ووظيفتها التواصلية. كما أن هذه المنطقة تقع على تخوم الجزيرة العربية وبالقرب من منطقة اللهجات السودانية الغربية مما يجعلها امتداداً إيكولوجياً للمساحة التقليدية للغة العربية.
ويأسف المؤلف على وضع اللغة العربية اليوم فى شرق أفريقيا حيث لا تتمتع العربية بحظوة أكاديمية رفيعة فى الوقت الحاضر وخاصة بعد زوال الاستعمار الأوروبى، بالرغم من أن العربية لغة الدين عند غالبية كبيرة من أبناء شعوب تلك المنطقة خاصة السواحيلية أكثر اللغات المستخدمة بشكل كتابى فى أفريقيا وأكثر اللغات الناقلة للمفردات العربية، وعلى الرغم من التجاهل الأكاديمى والرسمى للعربية مكانتها، فإنها لم تكن يوماً أهم منها فى يومنا هذا، فالسواحيلية لا تزال تقترض من العربية بشكل موسع، كما أنها تدمج ما تقترضه بشكل ميكانيكى لحد كبير. وظلت السواحيلية فى شرق أفريقيا  على مدار القرن العشرين  لغة حاملة للسمات التركيبية والمعجمية العربية ربما بشكل فاق نفس الدور الذى لعبته الفارسية فى نقل السمات العربية إلى مناطق وسط آسيا ولغاتها.
ففى تشاد كانت اللغة العربية هى الرسمية للبلاد بجوار الفرنسية منذ عام 1978، حيث يستخدمها نصف عدد السكان كلغة بينية بين الجماعات العرقية واللغوية المختلفة، كما تستخدم العربية كلغة تواصل فى الإذاعة الرسمية والتلفزيون .أما فى أثيوبيا فهناك ثلاثة أنماط من العربية الأول: العربية التى يتحدث بها المهاجرون من أصول يمنية أو سودانية كلغة أم ولا يتعدى عددهم عشرة آلاف نسمة. الثاني: نمط يستخدم كلغة تواصل مشتركة بين الجماعات الأثيوبية المسلمة وغير المسلمين خاص فى السياقات التجارية.الثالث: نمط هجين يستخدم ضمير الغائب المفرد المذكر فى العربية كبديل لكافة الضمائر ويستخدم بين المسلمين وأنفسهم وغيرهم من الطوائف المختلفة.لكن المؤلف يرى أن تأثير العربية القوى على اللهجات المحلية فى أثيوبيا جاء من التأثير المعجمى ،إذ تسللت كلمات من أصول عربية إلى اللهحات المحلية بسبب إما دين الجالية الإسلامية الإثيوبية،أو التأثير الثقافى للسكان الذين عملوا فى الخليج العربى أو اليمن أو الكتابات الإسلامية التى كتبها العرب أو العجم فى تلك المنطقة على مرّ التاريخ.
وفى أريتريا أصبحت العربية لغة رسمية للدولة إلى جانب الإنجليزية والتجرينية منذ عام 1993، على الرغم من أن واحداً بالمائة من السكان فقط يستخدمون العربية كلغة أم فى لهجة تشبه لهجات غرب الجزيرة العربية. كما تستخدم العربية كلغة تواصل بين السكان المسلمين المقيمين على الساحل الجنوبى للبلاد . كما تتميز لغة الاتصال العربية فى أريتريا باستخدام سمات من اللهجات المحلية غير العربية التى تنتمى للعائلة الكوشيتية مثل تركيب الكلمات فى الجمل.
وفى جيبوتى، فقد استجلب الفرنسيون مجموعات من العرب من تهامة وعدن للمشاركة فى بناء مدينة جيبوتى عام 1892م، حيث استقرت تلك الجماعة مكونة أكبر جماعة لغوية مميزة هناك،وعقب استقلال الإقليم عام 1977م أصبح المواطنون اليمنيون جيبوتيين، وتمركز معظمهم فى العاصمة، ويمثل العرب 10% من سكان جيبوتى، والعربى لغة رسمية فى جيبوتى بجانب الفرنسية . ورغم أن الفرنسية هى لغة التعليم الرسمية هناك فإن العربية هى اللغة الوحيدة التى تدرس فى المدارس كلغة أجنبية بداية من العام الخامس.كما تستخدم كلغة وسيطة بين الجماعات العرقية واللغوية المختلفة . كما تخصص الإذاعة المحلية ست ساعات يومياً من البث المباشر بالعربية.كما تستخدم العربية فى التلفزيون كلغة من لغات الإعلان والترفيه والبرامج الحوارية والإخبارية.
وفى جزر القمر يشكل المسلمون الشافعية غالبية السكان وتعد العربية مع «التشيكومورو» التى اقترضت من العربية 35% من مفرداتها لغة رسمية وتأتى الفرنسية كلغة رسمية ثانية .أما السواحيلية فهى لغة موجودة على مستوى الفهم فى تلك المنطقة . وتعليم اللغة العربية يتم فى الكتاتيب مع بداية تحفيظ القرآن للصبية والبنات، كما أن تعليم العربية الرسمى يتم فى المدارس الحكومية تحت إشراف الدولة.
وحتى العام 1890م عندما أصبحت سلطنة زنجبار محمية بريطانية كانت العربية هى اللغة الوحيدة للتعليم والوعظ الدينى والدبلوماسية والسياسة والأدب فى شرق أفريقيا أى أنها كانت لغة كل شيء خارج البيت ،ولكن فى تنجانيقا كانت السواحيلية فى تلك الفترة قد بدأت تحل محل العربية تدريجياً فى بعض وظائفها خلال فترة الاحتلال الألمانى حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وبعد تلك الحرب أصبحت تنجانيقا خاضعة للتاج البريطانى  وتم تشجيع استخدام الإنجليزية كلغة رسمية ولغة التعليم، وحلت بالتالى محل العربية والسواحيلية معاً. وفقدت العربية وظائفها جميعاً إلا بعضا منها :كانت اللغة العربية دستور سلطنة زنجبار متبوعة بالإنجليزية والسواحيلية فى ترتيب تنازلى ،واستمر الحال كذلك حتى الثورة الجمهورية فى يناير 1964، حيث قلب الترتيب وأصبحت السواحيلية هى اللغة الرسمية الأولى وتتبعها الإنجليزية وحلت العربية فى المرتبة الثالثة.كما كان النشيد الوطنى لزينجبار بالعربية حتى الاستقلال.