السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المذابح الأرمنية.. وصمة عار فى تاريخ تركيا

المذابح الأرمنية.. وصمة عار فى تاريخ تركيا
المذابح الأرمنية.. وصمة عار فى تاريخ تركيا




تمر الأيام وتعبر السنين لكنها لا تمحى أبدا من ذاكرة الإنسانية أحداثا فاصلة، لم تكن مجرد تاريخ وأرقام بقدر ما كانت مرايا كاشفة لزيف ادعاءات البطولة التى يطلقها البعض، وتعد الإبادة والمجازر الأرمنیّة الرهیبة التى ارتكبتها الدولة العثمانیّة ضد الشعب الأرمنيّ على أرضِ وطنه الأُمّ وأودت بحیاة ملیون ونصف ملیون أرمنيّ شهید، من أكثر الأحداث التاريخية مأساوية وجرما لا يغتفر فى حق أجداد اللا طيب أردوغان، والتى تعد أول إبادة شهدتها البشریّة فى مطلع القرن العشرین، ويظل تاريخ ٢٤ أبریل من العام ١٩١٥یوما ألیما وأسود فى تاریخ الإنسانیّة.

الكثيرون لديهم شهادات موثوق فيها عما اصطلح على تسميته»القضیّة الأرمنية»، ونتناول شهادات مهمة نبدأها بالمطران كریكور أوغسطینوس كوسا، أسقف الإسكندریة وأورشلیم والأردن للأرمن الكاثولیك مصر، والذى قال: بقیت الإبادة الجماعیّة العنصریّة التى اقترفها الأتراك منذ مائة وثلاث سنوات ضد الشعب الأرمنيّ دون عقاب، ولم تسترد الأمّة الأرمنیّة حقوقها الكاملة والمطلقة على أراضیها المتوارثة أبّاً عن جدّ، والقانون الدولى ومیثاق الأُمَم المتحدة وإعلان حقوق الإنسان والوثیقة الصادرة عن الجمعیّة العمومیّة للأمم المتحدة والمتعلقة بالإبادة الجماعیّة، تُعتبر كُلِّها أُسساً كافیة للتندید بالإبادة والتعویض عنها.
وقال: لقد مرّ على المجازر الأرمنیة ١٠٣ سنوات فهى بالنسبة لنا نحن الشعب الأرمنيّ كأنها الیوم، فمرور السنین لا یعنى أبداً طَيّ هذه الصفحة الألیمة فى حیاة شعبٍ تعرّض للتنكیل والقتل والذبح، إنها القضیّة العادلة الحیّة فى ضمیر كلّ أرمنيّ، وفِى ضمیر كلِّ إنسان أینما وجدَ فى هذا العالم. وكما فى الأمس القریب، هى الیوم تُطرح فى كل مناسبة، ومن على كلِّ منبرٍ دولى للكشف عن أسبابها ومسببیها، وبالتالى معاقبة مرتكبیها والمطالبة بالتعویض على الشعب الأرمنيّ عبر إعادة أرضه إلیه.
والأرمن الیوم، كما بالأمس، ما زالوا ینتظرون وبكُلُّ إیمان عدالة قضّيتهم، إنّهم بتصمیم حازم لا یتزعزع واثقون بأن حقوقهم لن تموت بمرور الزمن، ویتوجب على دول الاتحاد السوفیتيّ السابق وروسیا بالأخص، وعلى حلفاء أرمينیا القدماء، وعلى الدول الموقعة على معاهدة «سیفر»، وكذلك على جمیع أعضاء هیئة الأُمَم المتحدة الذین صوّتوا على وثیقة حقوق الإنسان والمیثاق الخاص بالإبادة، یتوجب علیهم جَمیعاً أن یقوموا بالتزاماتهم كاملةً، والتعویض عن الإبادة العنصریّة التى ذهب الشعب الأرمنيّ ضحیتها، وبإیجاد حلّ عادل للقضیّة الأرمنیّة، عن طریق تمكین الأمة الأرمنیة من استرجاع حقوقها المطلقة على أراضیها القومیّة.
وأشار إلى أن إبادة الأرمن جریمة سیاسیّة كبرى، ارتُكبت من قبل تركیا ضد المواطنین الأرمن القاطنین فى وطنهم، بهدف إزالتهم من الوجود لتحقیق وحدة الشعوب ذات الأصل الطورانيّ، والطورانیّة هى حركة قومیة تهدف إلى تتریك الدولة العثمانیّة بما فى ذلك العناصر غیر التركیّة، والحل المنطقيّ والمناسب للقضیّة الأرمنیّة هو اعتراف الدولة التركیّة بالمجازر التى ارتكبها أسلافها بالشعب الأرمنيّ فى العام ١٩١٥، والتعویض عن الخسائر المادیة والمعنویة التى ألحقتها بالأرمن والتى كانت سبباً فى تهجیرهم من أراضیهم وتشریدهم منها.
وأَضاف: كذلك لا بد من إعادة أراضى أرمینیا الغربیة «المعروفة بالولایات الست» بموجب معاهدة سیفر عام ١٩٢٠، علماً بأن تركیا كانت إحدى الدول الموقعة على المعاهدة، وعلى دول العالم والأمم المتحدة أن تعترف بحقوق الشعب الارمنيّ وأن تضغط بالفعل لا بالكلام على تركیا لحملها على الانسحاب من الأراضى الأرمنیّة المحتلة والاعتراف بحقوق الشعب الأرمنيّ، والذى هو مستمر فى نضاله من أجل حقوقه ومن أجل السلام فى المنطقة.

التنصل  التركى  

يعد الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانونى الدولى العام من الخبراء الذين يتحدثون عن الإبادة الأرمنية بشكل قانونى دامغ لا يقبل الشك، وكشف فى شهادته كيف أن التنصل  التركى من ابادة  الأرمن رهان خاسر، حيث يعاند الرئيس التركى رجب طيب أردوغان إرادة المجتمع الدولى  ويمتهن القيم الإنسانية برفضه المريب للإقرار بمسئولية  «تركيا» الدولة الخلف للسلطنة العثمانية التى دوما ما يتشدق بتاريخها وماضيها الأسودين، وهذا رغم إقرار الدولتين الحليفتين  للإمبراطورية  العثمانية أثناء  الحرب  العالمية  الأولى  1914م -1918م، وهما  ألمانيا  والنمسا  منذ ثلاث سنوات، أن  ما  ارتكبته  السلطات العثمانية  أثناء  الحرب  العالمية  الأولى وتحديدا  عام 1915م، هو جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان وفقا للتعريف والتفصيل  الواردين  فى اتفاقية  الجمعية العامة للأمم المتحدة لمنع  والعقاب  على  ارتكاب  هذه  الجريمة  الشنيعة التى  توصم  بكونها  جريمة  من الجرائم  الدولية، والجريمة النموذج  للجرائم  ضد  الإنسانية.
وكشف عن الشهادات والتقارير الموثقة للسفراء والمبعوثين الرسميين لدول أجنبية عديدة للخروقات الجسيمة لحقوق الانسان التى ارتكبتها السلطات العثمانية بحق الأرمن أثناء الأحداث الإبادية، ومن  بين  هذه  الشهادات  تدليلا  وليس  حصرا، المخاطبات  والاتصالات  والمذكرات  الرسمية  للممثلين والقناصل  لدول  أجنبية  فى أسطنبول، وهناك عشرات الاقرارات الرسمية العديدة التى صدرت عن حكومات وبرلمانات لعديد من الدول، وتقر أن ما وقع للأرمن على يد العثمانيين فى عام 1915 جريمة ابادة جماعية بالقانون الدولى، ويعد الإقرار الأخير  للبرلمان الهولندى فى فبراير الماضي، دليلا  دامغا على ارتكاب العثمانيين هذه الجريمة الفظيعة بحق الأرمن الأبرياء العزل.
وعلى الرغم من ذلك تنكر الحكومات التركية المتعاقبة حقيقة ما جرى للأرمن على يد السلطات العثمانية فى عام 1915، ويعد ذلك الانكار الذى يتنافى مع القيم الأخلاقية والإنسانية والقانونية العقبة الأكبر فى تطبيع العلاقات الرسمية وغير الرسمية بين الدولتيين التركية والأرمينية، والحكومة التركية الحالية، تزعم أن القتلى من الأرمن فى عام 1915 لا يتجاوز 300 ألف قتيل، وقضوا نحبهم أثناء ترحيلهم الى صحراء الشام فى العراق وسوريا، ونتيجة الجوع والعطش والظروف الجوية السيئة، ولم تطلق عليهم رصاصة واحدة من القوات التركية التى كانت ترافقهم وتؤمنهم، والرئيس التركى أردوغان أشار إلى هذه الانتهاكات الجسيمة  بحق الأرمن  فى  مناسبات عديدة، لكنه فى ذات  الوقت رفض الإقرار بارتكاب  جريمة  الابادة  الجماعية  ضد  الأرمن.
يشار فى ذلك الصدد الى أن اتفاقية الابادة الجماعية التى تحظر أفعال الابادة الجماعية، لم تتحدث فقط عن قتل أعضاء الجماعة باعتبار القتل هو النمط الوحيد المستخدم لإبادة جزء أو كل الجماعة المستهدفة، لكن الاتفاقية- كما سبق أن وضحنا- تحدثت أيضا عن إلحاق أذى جسدى أو روحى خطير بأعضاء من الجماعة، واخضاع الجماعة لظروف معيشية يراد بها تدميرها كليا أو جزئيا.
إن المحاكمات الدولية التى دشنتها محكمة  نورمبرج  عامى 1945م -1946م لمقاضاة كبار  مجرمى  الحرب  النازيين،  فضلا  عن  الإقرار  الألمانى  بجرائم  الإبادة  الجماعية  التى ارتكبها  الرايخ  الألمانى  أثناء  الحرب  العالمية الثانية،  فضلا عن  التعويضات  المالية  التى  تقوم  الحكومة  الألمانية بدفعها  لأحفاد  الأحفاد  من  الضحايا  اليهود، تثبت  أيضا  أن  جرائم  الإبادة  الجماعية  لا تسقط  بالتقادم، ولا يجوز  فيها  العفو، ولا يجوز  أيضا لمرتكبيها الدفع بصفتهم  الرسمية  وان  علت  مراتبهم .
واختتم قائلا: إن  القضية  الارمينية  وعدالتها، تمثل  لمصر تاريخا وحاضرا  بارزين،  فالقاصى  والدانى  يعلم  أن  مصر  كانت  من أوائل  الدول  فى  العالم  التى  احتضنت  اللاجئين الأبرياء  العزل  الأرمن  الذين  هربوا  من بطش  الجيش  العثمانى  إلى  مصر، وساهم  هؤلاء  فيما بعد  فى  النهضة المصرية الكبرى فى بدايات القرن  العشرين، وحاضرا  فالعلاقات  الرسمية  والشعبية  الأرمنية - المصرية  تشهدان طفرة  نوعية  كبيرة،  فى  الأعوام  الاخيرة.

متحف الإبادة

الدكتور أرمن مظلوميان رئيس الهيئة الوطنية للأرمن بالقاهرة قرر أن يبدأ شهادته من هناك فى ياريفان العاصمة، لكنه قبلها وجه الشكر لمصر، والتى قال: إنها احتضنت بشعبها الكريم النبيل آلاف الأرمن الفارين من المذابح على يد العثمانيين عام 1915، والأرمن فى مصر وأنحاء العالم لا ينسون هذا الموقف الإنسانى المتحضر الذى يعكس وبحق حضارة هذا الشعب وعراقة هذه الدولة الكبيرة التى نشرف بالانتماء إليها.
وتابع: بقدر ما كان هذا الجرم بقدر ما جاء متحف الإبادة فى ياريفان، والذى يحتوى على مقتنيات عديدة ومتنوعة وصور وأفلام وثائقية، تجسد وتكشف حجم المجازر الأرمنية التى وقعت عام 1915، ومذكرات لبعض الناجين بخط اليد، والتدمير الذى أصاب البيوت حينها، كما تعرض فى المتحف صور المفكرين والمثقفين الأرمن الذين قتلوا حينها، كذلك الصحف التى تناولت القضية وقتها وما بعدها، ومكتبة لبيع المصادر والكتب حول إبادة الأرمن والوقائع التاريخية الصادمة والمآسى التى تعرضوا لها على مدار تاريخهم.