الدولة تكسر احتكار 25 عامًا من سيطرة الأجانب على سوق الدواء
روزاليوسف اليومية
فى مؤشر قوى على عودة الدولة بقوة إلى سوق إنتاج الدواء رصدت الحكومة 750 مليون جنيه لتحديث 17 خط إنتاج مملوك لشركات قطاع الأعمال فضلا عن قيام وزارة الصحة بالبدء فى إنشاء 4 مصانع جديدة لإنتاج أدوية الأورام والسرنجات ذاتية التدمير وأمصال أنفلونزا الطيور ومصنع إنتاج المحاليل الطبية .. ..ومع اتجاه وزارة قطاع الأعمال العام إلى تطوير وإعادة هيكلة شركات القطاع بشكل عام ينتظر قطاع شركات الدواء بشكل خاص دوره فى التطوير وإعادة الهيكلة لما تحمله هذه الشركات من أبعاد اجتماعية وارتباطه بصحة المواطن.. لتعود بذلك الدولة للإنتاج بقوة بعد هيمنة وسيطرة أجنبية دامت لأكثر من 25 عامًا على هذه السوق.. ويبقى السؤال :هل ستنجح وزارة قطاع الأعمال فى تطوير هذا القطاع الحيوى فى تحقيق المعادلة الصعبة مابين تحقيق أرباح لشركاته وتوفير أدوية بأسعار مناسبة للمواطن؟
750مليون جنيه لتحديث 17 خط إنتاج مملوكة لقطاع الأعمال
تتضمن خطة تطوير الشركة القابضة للأدوية وشركاتها التابعة تخصيص مبلغ 750 مليون جنيه بالتركيز على 4 شركات تابعة للقابضة تحقق 792 مليون جنيه، ضمن خطة التطوير الشاملة لـ26 شركة من كبرى الشركات الخاسرة لقطاع الأعمال التى ستنفذ خلال عام 2019تحديد مشروعات الصيانة والتأهيل لكل مصنع، وذلك لتوفيق أوضاع وتحديث نحو 17 خط إنتاج مع المتطلبات الفنية لإنتاج الدواء والذى من شأنه زيادة القدرة على التصدير والتصنيع للغير مع الشركات العالمية، ويبلغ إنتاج شركات قطاع الأعمال من الدواء نحو 1600 صنف دوائى سنويًا.
وتضمنت الخطة تطوير الشركة القابضة للأدوية الاتفاق بين وزارتى قطاع الأعمال والصحة على تسهيل تسجيل مستحضرات دوائية جديدة مع إعادة تسعير الأدوية التى تقل أسعارها عن تكلفة إنتاجها وقد وافقت الصحة مؤخرا على تحريك اسعار 192مستحضرا دوائيا تنتجها شركات القطاع من أصل 360 مستحضرا ينتج بالخسارة على أن يتم تحريك اسعرها فيما بعد على. دفعات بنسب زيادة تتراوح مابين 15 إلى 30%، وكذلك دعم توجه الشركات للتصدير عن طريق بحث سبل تذليل العقبات المتعلقة بمتطلبات الأسواق الخارجية بخصوص الالتزام بسعر المنتج فى بلد المنشأ، فضلًا عن تسوية مديونية وزارة الصحة مع الشركة المصرية لتجارة الأدوية التى حققت خسائر 602 مليون جنيه المساهمة فى توفير السيولة الشركات، وتضمنت الاستراتيجية المبادرات المشتركة بين الوزارتين، وبحث سبل زيادة دور المصرية لتجارة الأدوية فى توفير وتوزيع الأدوية التى لا غنى فى السوق المحلية.
كما تدرس خطة التطوير نقل بعض المصانع الخاصة بشركات الدواء التابعة لقطاع العام خارج الكتلة السكنية ذات الكثافة العالية، وبناء مصانع حديثة تتناسب مع المعايير العالمية والدولية وتعتمد على أحدث التكنولوجيات المتطورة فى هذا المجال، تستهدف أيضًا الخطة تحديث شبكة التوزيع المحلية الخاصة بشركتى (المصرية لتجارة الأدوية، والجمهورية للأدوية) التابعتين للشركة القابضة للأدوية، وذلك من خلال تطوير أسلوب العمل داخل الشركتين بما يساهم فى رفع كفاءتهما، وتوسيع شبكة التوزيع الخاصة بهما على مستوى الجمهورية، وتحقيق أعلى درجات الضبط لهذه المنظومة، وذلك باعتبار تلك الشركات هى ذراع الدولة فى توفير الأدوية بشكل يغطى احتياجات المواطنين.
وتطبيق قواعد الحوكمة بالشركات، والاهتمام بدور الشركة القابضة فى دعم شركاتها التابعة مركزيًا فى الأنشطة ومنها النشاط التسويقي، ورفع معدلات استغلال الطاقات الإنتاجية للشركات وبدأت أولى خطوات خطة التطوير بعرض الشركة القابضة للأدوية 9500 متر مربع من أراضٍ غير مستغلة مملوكة لشركتى المصرية لتجارة الأدوية، وشركة «سيد»، للبيع فى مزاد علنى وسوف يتم توجيه حصيلة بيع الأراضى وتوجيهها لسداد المديونيات ونقص السيولة بالشركة المصرية لتجارة الأدوية، التى تساهم فى ضمان توفير الأدوية بالسوق المحلية.
4 مصانع جديدة لإنتاج أدوية الأورام والمحاليل والأمصال والسرنجات
بدأت وزاراة الصحة الخطوات الفعلية لإنشاء 4 مصانع جديدة لإنتاج أدوية الأورام والمحاليل والأمصال والسرنجات لتعزز بذلك دور الدولة فى تعظيم إنتاج الأدوية وزيادة نسب تعميق المحلى والقضاء على الهيمنة الأجنبية فى إنتاج الدواء والتى دامت لأكثر من 25 عاما وعلي صعيد تاريخ شركات قطاع الأعمال العام فإنه يوجد نحو 11شركة للدواء تابعة للشركة القابضة للأدوية منها 8 شركات لإنتاج الدواء هى سيد – النيل – ممفيس – مصر – القاهرة – الإسكندرية - العربية – النصر، بالإضافة لشركتين للتجارة والتوزيع، هما: المصرية لتجارة الأدوية تقوم باستيراد الأدوية من الخارج - الجمهورية للأدوية تستورد المواد الخام اللازمة للتصنيع، شركة واحدة لصناعة الكيماويات والعبوات والمستلزمات الطبية بالإضافة إلى مايقرب من 10شركات تملك فيها القابضة مساهمات منها بنسب محددة.
ويعود تاريخ انشاء بعض هذه الشركات الى عام 1934 عندما قام الصيدلى المصرى محمد حجازى بإنشاء شركة حجازى للأدوية والتى تعد أول منشأة دوائية مصرية يتم إنشاؤها على مواصفات قياسية بعد عدة محاولات لبناء معامل صيدلية متخصصة فى مصر فى وقت كان المتحكم فى سوق المستحضرات الصيدلية بالكامل يتبع الشركات الأجنبية، بعد ذلك تم دمج معامل حجازى مع شركة النيل للأدوية واحدة من الشركات التابعة للشركة القابضة للأدوية.
شهدت الفترة من 1940 إلى 1965 إنشاء العديد من الشركات التابعة الأخرى بالإضافة إلى اندماج عدد كبير من المعامل المتوسطة الإنتاج تعمل بهذه الصناعة فى كيانات أكبر وقد كان النجاح حليف هذه الشركات فى ذلك الوقت والتى ساهمت لحد كبير فى تغطية أكثر من 30% من سوق الدواء فى مصر.
وفى الفترة من 1965 إلى 1975 سيطرت الشركة القابضة على معظم محركات السوق الدوائية المصرية من حيث تداول المواد الخام والإنتاج والاستيراد والتصدير والتسويق والتخزين والتوزيع وذلك من خلال شركاتها التابعة.. وفى نهاية هذه الفترة كانت الشركة القابضة بشركاتها التابعة نجحت فى تغطية أكثر من 74% من حجم السوق الدوائية المصرية المتداولة فى هذه الفترة، حيث كانت تتولى القابضة من خلال الشركات التابعة لها استثمارأموالها فى مجال تصنيع واستيراد وتصدير وتوزيع الأدوية والكيماويات كما وتتولى الشركة فى مجال نشاطها ومن خلال الشركات التابعة لها المشاركة فى تنمية الاقتصاد القومى فى إطار السياسة العامة للدولة حتى الثمانينيات.
ومع بداية التسعينيات بدأت شركات قطاع الأعمال يتراجع دورها وتتقلص حصتها فى السوق وتتحول الشركات من تحقيق أرباح الى تكبد خسائر لتتراجع حصتها السوقية إلى 2,9% فقط.
25 ألف عامل بشركات القطاع يتقاضون 1.2 مليار جنيه سنويًا
تحقق شركات الأدوية التابعة للقابضة للأدوية حجم خسائر سنويا يصل إلى80 مليون جنيه بسبب إنتاج مستحضرات دون سعر التكلفة حيث يصل عدد المستحضرات التى تقوم بإنتاجها شركات دواء القطاع إلى1600 مستحضر دوائى منها 360 مستحضرا يحقق خسائر بالإضافة إلى أن باقى المستحضرات الأخرى لا تحقق الأرباح العادلة المرجوة ويتم إنتاجها بأسعار التكلفة أو هامش ربح محدود.
إلى جانب عدم وجود سياسات مرنة تؤدى إلى عدم عدالة فى تسعير وتسجيل المستحضرات وما يترتب على ذلك من عدم توافر الأدوية واستمرار عمليات الإنتاج، الأمر الذى يؤدى بطبيعة الحال إلى عدم توفر التمويل اللازم لتنفيذ الاستثمارات المطلوبة للتطوير وإغلاق بعض الأقسام الإنتاجية، وبالتالى يؤثر ذلك على القدرة الإنتاجية، وعلى الرغم من تحريك أسعار بعض المستحضرات إلا أن التحريك لم يكن بالقدر المناسب لمواجهة ارتفاع أسعار خامات الإنتاج ولم تستفد منه شركات قطاع الأعمال لتدنى أسعار بعض المستحضرات المنتجة إلى أقل من 5جنيهات.
وأيضا تمثل العمالة الزائد في هذه الشركات من ضمن العوائق يوجد ما يقرب من 25 ألف عامل بها، يتقاضون مليارا و200 مليون جنيه مرتبات سنويا، كما تعانى أيضا شركات الدواء بالقطاع من أزمة فى اختيار القيادات بالشركات لديهم رؤية فى إدارة الشركات.
ومن أهم أسباب تدهور شركات أدوية القطاع بسبب حصولها على مستحقاتها لدى الغير فوزارة الصحة وهيئات حكومية أخرى مدينة للشركة القابضة والشركات التابعة لها بـمليار ونصف المليار جنيه بينما تضطر الشركات أدوية القطاع التوفير سيولة للاقتراض من البنوك بفوائد وصلت إلى 20%.
بالإضافة إلى خسائر أخرى بسبب فروق أسعار العملة وتأثيرها على أسعار الأدوية والخامات المستوردة لصالح السوق عموما، ومناقصات التوريد لصالح وزارة الصحة تبلغ 400 مليون جنيه تطالب الشركة القابضة وزارة الصحة وهيئات أخرى بها كتعويض بعد تعويم الجنيه، ومع انعدام السيولة لدى الشركات إلى الاقتراض من البنوك، بما وصل إلى أكثر من 400 مليون جنيه بالسحب على المكشوف أدى إلى تراكم ديون على الشركة القابضة وشركاتها التابعة بلغت 800 مليون جنيه، وتعد شركة الجمهورية من أكبر شركات أدوية القطاع المحققة لخسائر حيث تصل الديون المستحقة إلى حوالى مليار جنيه نظرًا لأن 90% من حجم أعمالها لصالح الشركات التابعة، وهذه الديون أدت إلى تعثر شركة الجمهورية.
وتمثل تهالك العديد من الماكينات ومعدات مصانع بعض الشركات أهم العوائق التى تسبب فى خسائر تحتاج للتطوير تجديد لخطوط الإنتاج، حيث إن هناك ماكينات فى هذه الشركات تنتج 50 زجاجة دواء فى الساعة الواحدة، فى حين وجود ماكينات حديثة تنتج 500 زجاجة فى نفس المدة، وبالتالى الاستراتيجيات المستخدمة فى هذه الشركات قديمة جدًا.
ومن أخطر الأمور التى أثرت بشكل كبير على هذه الشركات، هى إنهاء عقود الكثير من الشركات العالمية التى كانت تصنع أدويتها فى الشركات المصرية، حيث إنه كانت هناك شركات فرنسية ودنماركية وألمانية كانت تصنع أدوية لها داخل شركة النيل و«ممفيس» ومصر، وكانت هذة المنتجات تشجع الشركات المصرية وتقوى الطلبات الخاصة بها.
روشتة الإنقاذ
اعتبر الخبراء أن السبب الرئيسى فى التدهور الحالى لشركات أدوية قطاع الأعمال فى تحمليها أكبر من طاقتها على مدار سنوات فى إنتاج أدوية بأقل من سعر تكلفتها وثبات أسعارها على مدار أكثر من 20عاما، ما أدى لتآكل إمكانياتها وخسارتها وعدم قدرتها على مواصلة دورها وتطوير نفسها دون تحقيق أرباح.
وقال محمود فؤاد رئيس المركز المصرى للحق فى الدواء :إن شركات أدوية قطاع الأعمال تنتج 1600 صنف دواء 80% منها أقل من 50جنيها ورغم تحريك أسعار الدواء فى مايو 2016 ثم يناير 2017 لاتزال خسائر شركات الدواء بقطاع الأعمال مستمرة نتيجة لعدم جدوى تحريك الأسعار مع وجود مايقرب 450صنفا دوائيا تنتجه شركات القابضة بسعر يتراوح مابين 80 قرشا إلى 150 قرشا بينما ينتج القطاع الخاص نفس الأصناف وبنفس المادة الفعالة والاسم العلمى يبيعها بسعر من 11 جنيها إلى 265 جنيها.
وأضاف أن عدم عدالة التسعير لأدوية شركات قطاع الأعمال كانت سببا رئيسيا فى خسائره وعدم قدرته على التحمل على القيام بدوره حاليا، لافتا أن أسباب خسائره تراكمية نتيجة لأكثر من 25 عامًا من الأهمال وتخريبها فى التسعينيات لصالح القطاع الخاص مما أدى إلى تقليص حجم استحواذه على مبيعات سوق الدواء فى مصر من 75% الى 4,5% ثم ترجع هذه الحصة أيضا مع وجود نواقص للأدوية مع ارتفاع أسعار المواد الخام ليصل إلى 2,9% حاليا فقط من سوق دواء يصل حجم مبيعاته الى60 مليار جنيه مما يعكس أن مصر لديها سوق دواء جيد حدث فيه نسبة نمو العام الماضى 2018بزيادة 12% واستطاع جذب استثمارات جديدة أيضا تتخطى 2مليار جنيه فى الوقت الذى تتقلص فيه حصة شركات القطاع لتقترب من الخروج من السوق إذا لم يتم تطويرها وإعادة هيكلتها فى الوقت الحالى.
وتابع: إن من أهم الخطوات لمواجهة الخسائر التى لحقت بشركات القطاع العام للدواء يتمثل فى وجود نظام تسعير عادل للأدوية التى تنتجها شركات قطاع الأعمال العام، ومساواتها بالقطاع الخاص، لتحقق التوازن وتراعى البعد الاجتماعى للمريض، ووضع هامش ربح مناسب للشركات.
وأوضح دكتور أيمن أبوالعلا وكيل لجنة الصحة بالبرلمان أن لجنة الصحة تساند الاتجاه الى تطوير وإعادة هيكلة شركات أدوية قطاع الأعمال باعتبارها من الشركات التى لها أبعاد قومية فى إنتاج أنواع من الأدوية الرخيصة وبتوفر أدوية الأمراض المزمنه كالانسولين والاورام والقلب وأيضا البان الأطفال عن طريق الاستيراد وبالتالى دورها يعد بمثابة العمود الفقرى لتوفير أدوية المواطن محدود الدخل، معتبرا أنه من الواجب دعم شركات قطاع دواء لقطاع الأعمال لافتا أن لجنة الصحة ليس لديها مانع فى الموافقة على إعادة تسعير أدوية شركات القطاع.