الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الرابحون والخاسرون.. بعد عامين من الثورة




عامان مرا على قيام ثورة 25 يناير.. تبدلت أحوال وتغيرت أوضاع سياسية واجتماعية كثيرة نظام سياسى سقط.. ونظام بديل حل طبقات اجتماعية تضررت.. وأخرى صعدت واستفادت ورغم تبادل المقاعد إلا أن الأوضاع فى مجملها لم نتحرك للأمام كثيرا.

«روزاليوسف» رصدت عشرة مشاهد من الشارع ترصد حالة الحراك التى حصلت فى الشارع.. بعض هذه المشاهد ايجابي.. وبعضها الآخر سلبى لكنها جميعا نتيجة طبيعية للحراك الذى حصل؟ منتفعون جدد ظهروا وفئات أخرى أخيرت من الأحداث.. ليس لفساaد منها أو ارتباط بنظام سياسى رحل ولكن لما لها من طبيعة خاصة.

قطاعات السياحة والبورصة شهدت تأثرا سلبيا بالاضطراب السياسى والأمني.. بينما ظهرت فئات أخرى مثل البلطجية والباعة الجائلين، استفادت من الظروف المستجدة بحثت لنفسها عن موطئ قدم فى الخريطة وكأن لسان حال الشارع يعكس الحكمة القائلة «مصائب قوم عند قوم فوائد».


 ● بلطج.. تعش.. تنتعش

رغم تباين الاحصائيات حول ظاهرة البلطجة فى الشارع المصرى إلا أن جميعها اتفق على أن أعداد البلطجية تضاعفت عقب قيام الثورة، وفى الوقت الذى تقدر دراسة عددهم بنصف مليون بلطجى فإن دراسة أخرى تقدر عددهم بـ150 ألف بلطجى زاد عددهم بعد الثورة إلى 200 ألف شخص.

ازدياد شراسة الظاهرة كشفتها الدراسة التى أعدتها د.فادية أبوشهبة الأستاذ بالمركز القومى للبحوث الجنائية والتى أوضحت أن هناك تطوراً نوعياً على الأسلحة المستخدمة من قبل جماعات البلطجة وامتدت إلى الأسلحة الثقيلة كذلك انطلقت من الحارات الضيقة والشعبية إلى الشوارع الرئيسية والعامة وامتدت للحرم الجامعي، وكانت السمة المميزدة الثالثة هو التحول من أسلوب العمل الفردى إلى العمل الجماعى وأكثر تنظيما حيث انتشرت ظاهرة وجود زعيم للبلطجية يتولى التخطيط لأعمال البلطجة وأتباع له ينفذون أعمال السطو والسرقة.

● الباعة يطاردون كل شبر فى الشارع

الباعة الجائلون ظاهرة لم تكن نتاجاً للثورة ولكن تفاقمهم بشكل يزيد على الحد حتى أصبح الأمر ملحوظا لكل من يتجول فى شوارع نهارا أو ليلا فالأمر تحول إلى ما يشبه البلطجة المقنعة فى إطار البحث عن لقمة العيش والرزق فمن يريد أن يحتل جزءاً من الرصيف أو الشارع لا يجد مانعاً أمامه وأبرز مشهد لذلك منطقة وسط البلد التى يفترش بها باعة الملابس الشارع ليتحول شارع طلعت حرب إلى حارتين فقط تمر بهما السيارات وبقية الطريق تغزوها «استاندات» العرض.

ويتجلى ذات المشهد فى ميدان التحرير والذى تحول إلى ساحة لباعة المشروبات والمأكولات ولم يتمكن الأمن أو المتظاهرون أنفسهم من التخلص منهم فلقد أصبح الأمر بوضع اليد وكأنه حق مكتسب فهناك من يدير الأمر ويتملك أكثر من نصبة للمشروبات الساخنة فى أرجاء الميدان.
تدريجيا أصبح الباعة يواجهون الزمن بعنف ويعتبرون مجرد مطالبتهم بإخلاء المكان تعدياً عليهم رغم عدم المساس ببضاعتهم وتطالعنا صفحات الحوادث بالكثير من الاشتباكات التى تقع بين الباعة الذين حولوا بعض الشوارع إلى أسواق ورفضوا إخلالها وآخر هذه الأحداث كانت من نصيب محطة مترو حلوان التى تحولت إلى سوق عشوائية كبيرة تعوق دخول وخروج راكبى المترو وتم فضهم وإخلاء المنطقة بالقوة بعد إصرار الباعة على عدم المغادرة وهو ما تكرر بنفس الصورة فى عدة مناطق أخرى على مستوى محافظتى القاهرة والجيزة.

● الصاعق والمطواة فى يد الجميع

«السلاح فى أيدى الجميع» هذا ما يعبر عن الأوضاع فيما بعد الثورة فالأسلحة تباع على الأرصفة بدءا من الشوم والصواعق الكهربائية والأسلجة البيضاء أمام أعين المارة والأمن أيضا فهى التجارة الأكثر رواجا والتى صعدت بحدة فى أعقاب قيام الثورة ما بين أسلحة تم سرقتها من أقسام الشرطة التى تم اقتحامها التى قدرت بما يزيد على 16 ألف قطعة سلاح ما بين بنادق آلية سريعة الطلقات وبنادق خرطوش ومسدسات.

أنتعشت جرائم تهريب السلاح عبر الحدود الليبية وفى سيناء فأصبح الحصول على السلاح أمراً لا يحتاج جهداً كبيراً خاصة فى ظل الانفلات الأمنى على الرغم من محاولات سد منافذ التهريب عبر الحدود وحسب احصائية أصدرتها مصلحة الأمن العام فإن عدد الأسلحة التى دخلت البلاد خلال الفترة من 25 يناير 2011 حتى 25 ديسمبر 2012 أكدت أن عدد الأسلحة التى تم ضبطها داخل البلاد وصلت إلى 29474 تتنوع ما بين قتالية متطورة وثقيلة حيث تم ضبط 141 صاروخ أرض - أرض و3 صواريخ كاتيوشا و14 صاروخاً عابراً للمدن وقنبلة طائرات و42 صاروخاً متطوراً بمراوح و64 قنبلة يدوية و545 دانة، و42 قذيفة آر بى جيه وبلغ عدد تجار السلاح المقبوض عليهم 6520.

● الكتل الخرسانية تلتهم 200 ألف فدان

فى الوقت الذى تعالت فيه الأصوات مطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية هرول الفاسدون لمزيد من الاستغلال من تعديات والتى ستؤدى لكارثة مستقبلية لا محالة، فقد كشفتقرير صادر عن الإدارة المركزية لحماية الأراضى التابعة للوزارة، أن اجمالى مساحات الأراضى الزراعية التى جرى التعدى عليها بالبناء، قبل ثورة 25 يناير، بلغ 101 ألف و777 فدانًا، بينما قدرت مصادر رسمية بوزارة الزراعة اجمالى التعديات بعد الثورة إلى 200 ألف فدان، مشيرًا إلى أنه يتركز فى مناطق شرق قناة السويس ووادى النطرون وأسوان وأسيوط والوادى الجديد.

وطبقًا لاحصاءات وزارة الزراعة فإن معدل التعديات على الأراضى يرتفع خلال فترات الانتخابات البرلمانية والرئاسية، استغلالًا للوعود الانتخابية بحل مشاكل مخالفات التعديات، سواء بتشريعات برلمانية أو قرارات وزارية، بالإضافة إلى استغلال الانفلات الأمنى الذى تشهده البلاد فى استمرار التعدى على الأرض الزراعية، الذى يجنى صاحبه أرباحًا خيالية من تحويلها إلى مبان.


● مصر تتراجع 13 مركزًا فى تقرير التنافسية السياحية

قدرت وزارة السياحة حجم خسائر قطاع السياحة بـ267 مليون دولار أسبوعيًا منذ اندلاع ثورة 25 يناير وحتى ديسمبر الماضى، وتراجع الاشغالات بنسبة تتراوح بين 5 و18٪.

أشارت الدراسة الصادرة أيضًا إلى انخفاض حجم انفاق السائح من 85 دولارًا إلى 72.2 يوميًا، وهو ما أثر على دخل السياحة، كذلك تراجعت مصر بنحو 13 مركزًا فى تقرير التنافسية السياحية، الذى احتلت فيه  المركز رقم 94 من بين 142 دولة مقارنة بـ2011.

البورصة تكتسى بالأحمر

ولم يختلف حال أصحاب المصانع والمستثمرين فى البورصة، فدائمًا المؤشرات حمراء وتخسر بالملايين يوميًا، خاصة مع القرارات السياسية غير المدروسة على حد وصف محمد عبدالمنعم، سمسار فى إحدى شركات تداول الأوراق المالية بقوله: «على الرغم من نجاح البورصة المصرية فى تعويض نحو 90 مليار جنيه من خسائرها الفادحة التى تكبدتها خلال عام 2011، والتى قاربت مائتى مليار جنيه، إلا أن الأوضاع سيئة ومن المتوقع أن تزداد سوءًا فى ظل غياب الرؤية السياسية الواضحة.

● كان رايح مدرسته.. كان شايل كراسته.. والمليونية منعته

حلم تطوير التعليم وانقاذه من التخريب والتجريف وأخيرًا التغريب كان من المفترض أن يكون من أولويات التطوير ما بعد الثورة، إلا أن الحال ازداد سوءًا، فالخطط الحكومية لم تهتم بتطوير المنظومة التعليمية، أو تحسين البيئة التعليمية، والمليونيات والمظاهرات ضربت بعرض الحائط كل الآمال لتلقى الطالب الحد الأدنى من التعليم، وكان طلاب مدارس التحرير ومن بعدهم طلاب مدارس قصر الاتحادية الأكثر ضررًا بعدما اغلقت أبواب مدارسهم وتحولت لثكنات عسكرية وأصبحوا شهود عيان على حوادث قتل واستشهاد يومى لن ليكون الطالب هو الضحية الحقيقية للثورة، من جانبها أكدت دراسة مصرية حديثة أجريت على تلاميذ المدارس فى المنطقة المحيطة بميدان التحرير على إصابة الأطفال فى تلك المدارس بأعراض نفسية بسبب أحداث العنف التى شهدتها تلك المنطقة أثناء ثورة 25 يناير متمثلة فى إصابتهم بالتوتر والقلق والاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة.

 وأضافت الدراسة: إن 44٪ من الطلاب يعانون من اكتئاب،  و67٪ من التلاميذ أكدوا أن حياتهم أسوأ بعد الثورة فى ظل ما يعانونه من أعراض نفسية وكوابيس وأحلام مفزعة وضعف فى التحصيل الدراسى والتواصل مع الآخرين.

● ميدان التحرير يرفع شعار «مغلق للاعتصامات»
حال ميئوس منها وباب رزق مغلق فى مسلسل من الاعتصامات والمليونيات المتكررة وأصحاب محلات وسط البلد من شركات سياحية وبازارات ومحلات ملابس ومطاعم يعانون من كساد لا مثيل له وصل لحد طرد العمالة وتراكم الديون واشهار الافلاس وكان شعارهم الرئيسي «فتحنا أو قفلنا حالنا واقف» ليعبروا عن بؤس حالهم.. موردو البضائع امتنعوا.. والزبائن «طفشوا» وتعرضنا للسرقة والغازات ونعجز عن دفع الرواتب، ونطالب بفض الاعتصام وفتح الميدان والامتناع عن احياء ذكرى 25 يناير.

 أشار «عز الدين» عامل بمحل للحقائب  فى ميدان التحرير إلى أن محلاتنا تغلق كثيرا بسبب الأحداث والمناوشات وكثرة الاعتصامات وأصبح كل هدفنا أن ننجح فى سد المصاريف من عمالة والإيجار، فضلا عن فاتورة الكهرباء.

 وقال  عز الدين: «إنه منذ اندلاع ثورة يناير اعتدنا على الإغلاق فى المليونيات، وحاليا نفتح حتى نحرس المحل والبضاعة وليس  للبيع، فلا يوجد سياح لشراء الحقائب أو زوار للميدان، وتحولنا فى كثير من الأحيان إلى مستشفى ميدانى لعلاج المصابين.

من جانبه أشار كامل أنيس صاحب محل ملابس بشارع طلعت حرب إلى أن أحداث الثورة وحتى الآن «خربت بيوتنا»، فنحن نفتح المحل يوم الجمعة لساعات محدودة أملا فى بيع قطعة أو اثنتين أسبوعيا فقط لدفع مستلزمات المحل من إيجار وكهرباء، ولهذا اضطررت للاستغناء عن 3 عاملين خوفا عليهم وعجزا عن تسديد رواتبهم، وحاليا نعيش فى حالة قلق ورهبة من 25 يناير وما هو متوقع من حدوث مناوشات وضرب.

 أما نعيم عبدالله عامل فأشار إلى أن الحال من سيئ لأسوأ، فمنذ قيام الثورة والحال يضمحل، قائلا: «بعدما كنا محظوظين بموقعنا، أصبحنا يائسين، فكل الزبائن من زوار وسط البلد أو الموظفين قاطعونا، أما الثوار فحدث ولا حرج، فبعدما اعتدنا على بيع ساندويتشات الشاورمة اكتفوا الآن بشراء العيش الفينو ولا يوجد أى رواج للحلويات والمخبوزات حتى الطلب بالتليفون توقف تماما، وحاليا سوف يتم تقليل حجم العمالة فى 25 يناير ومن المتوقع أن يتم الإغلاق مبكرا تحسبا للأحداث.

 مصابو الثورة: دماؤنا راحت هدراً

رغم أنهم كانوا فى مقدمة الصفوف الأولى ليكونوا فى المواجهة على مدار أيام الثورة ليدفعوا أرواحهم ثمنا للحرية والعدالة التى خرجوا من أجلها إلا أن مصيرهم الآن يتناسب مع ما قدموه.. لا معاملة آدمية أو رعاية حقيقية.. اشعرتهم الحكومات المتعاقبة بعدم يجدوا التقدير الملائم لمصابى الثورة وأسر  الشهداء والأبطال الذين رووا بدمائهم أرض الوطن.

 محمد فاضل أحد مصابى الثورة بنبرة يكسوها الحزن عبر عما وصل له الحال مع  المصابين فأغلبهم يتسولون حقهم بدلا من معاملتهم كالأبطال فمازال لهم قائمة من الطلبات التى لم يهتم بها أحد فالجميع يتحدث عنهم ويستغل قضيتهم على حد وصفه للمتجرة بها دون فعل حقيقى حتى إن الدولة خصصت لهم مجلساً بلا صلاحيات لتزيد من أزمتهم ولم تخفف عنهم ووصل الأمر إلى حد الاضطهاد فى بعض الأحيان  عند استلام الوظائف المخصصة لهم أو لابنهم مثل ما حدث معه وتم التعسف معه أثناء تأدية خدمته العسكرية وعدم حصوله على راتبه الشهري.

 والد الشهيد عمر محسن تحدث عن القصاص الذى يبحث عنه أهالى الشهداء منذ أن فقدوا اعز الناس لهم ليتخلصوا من نظام مستبد وفساد بلا حدود ولكن ظل الحال كما هو لم يشعر بالتغيير والدليل أن من قتلوا فى أحداث الثورة على مدار عامين لم يتم القصاص من القتلة فالمحاكمات تسير ببطء شديد والبراءات كانت من نصيب الجميع لتظل الحسرة فى القلوب على دماء ذهبت هباء دون تحقيق العدالة الاجتماعية أو اقتلاع الفساد من جذوره فمازال المصريون هم الارخص ثمناً يموتون يوما بعد يوم ولا أحد يحاسب أو ينال عقاب.
 ● هدوء مصر الجديدة.. ذهب مع الثورة

منطقة مصر الجديدة كانت أكثر  المناطق هدوءاً وأمنا خاصة كل ما يقع حول قصر الاتحادية فالشوارع المحيطة به مؤمنة تماما قبل الثورة.. مؤخرا تحولت مصر الجديدة إلى أكثر المناطق سخونة بعد أن لحقت به الاعتصامات ومشهد انتشار الخيام وما حدث بها من اشتباكات بين مؤيدى ومعارضى الرئيس فأصحبت ساحة حرب من المتوقع أن تشتعل مجددا بين الحين والآخر وسقطت عواقب ذلك على قاطنى هذه المنطقة وأصحاب المحلات التجارية.