الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الفستان بقلم إحسان

الفستان بقلم إحسان
الفستان بقلم إحسان




ـــ يا حفيظ يا عادل يا أخى انت مابتفهمش قلت لك أنا مش بتاعة حب ولا كلام فاضى من اللى انت بتقوله ده.. ــ أمال اللى فات ده كل إيه يا عزيزة! ــ من قال لك إنه كان حب.. ده مجرد استلطاف ياخد حده وينتهي، زى تمام الواحدة لما يعجبها فستان تقوم تشتريه وتلبسه وتحافظ عليه بعنيها وبعد يومين ترميه وتدور على غيره. ــ وأنا كنت الفستان!! ــ مضبوط، أهو قربت تفهم. شفتك وعجبتنى زى ما عجبنى الفستان، واشتقت لك برضه زى ما أشتاق للفستان، فصاحبتك واتمتعت بيك، وبعدين خلاص رميتك وابتديت أشتاق لغيرك فسيبنى واعمل معروف واعتبر إن كل اللى فات مات.. ــ لكن أنا ذنبى إيه يا عزيزة. انت مافهمتنيش كده من الأول! انت اللى خلتنى أحبك بجريك ورايا وبدموع عينك أنا برضه كنت فاهم إن علاقتى بيكى مش حتزيد عن ليلة أو اثنين زى أى واحدة ثانية لكن عمايلك دى خلتنى أغير فكرتى، خلتنى أحبك. فاهمة أحبك يعنى إيه؟ ــ آه يا عبيط. ما هو برضه الواحدة لما يعجبها فستان تفضل تجرى وراه وتعمل اللى ما يعمل لغاية ما تشتريه... و... ــ يعنى لسه برضه مصممة على أنى فستان طيب! وترك عادل مجلسه فى حركة عصبية وقد تجهم وجهه وعلت أساريره إمارات من اعتزم شيئًا جليلا، وخرج من (الصالة) ونظرات عزيزة الراقصة تشيعه وقد ارتسمت على فمها ابتسامة تهكم وإشفاق. كانت عزيزة امرأة ذات ماض حافل فى عالم الصالات كما كان لها دوسيه لا يشرف فى جميع أقسام البوليس، إلا أنها كانت تستر كل ذلك برواء من مظهر الرقة والرزانة لا تستطيع حياله إلا أن تحكم أنها (بنت أصل وجار عليها الزمن) كما كانت تقول دائماً لمن يسوقه سوء طالعه إلى الوقوع فى شراكها وكانت فوق ذلك امرأة ذات مزاج خاص ينقسم الناس فى عرفها إلى نوعين نوع تماشيه حبا فى ماله، وتطلق عليه لقب «الهندوه» مفرده «هندى» ونوع تماشيه لتشبع به ميلها الغريزى ومزاجها الخاص وتطلق عليه لقب «العرسان» «مفرد عريس». وكان عادل صادق نجل عبدالعزيز باشا صادق طالبا بالسنة الثانية فى كلية الحقوق، وكان ف عرف عزيزة مزيجا من النوعين السالفى الذكر، أى أنه كان «عريسا هنديا.. «التقى بها فى إحدى «صالات» عماد الدين، فأحبت فيه شبابه وعزوبته كما أحبت فيه محفظته المنتفخة ويده المبسوطة كل البسط، فدعته إلى المبيت فى منزلها. ورأى هو فيها فتاة طارئة من فتيات الهوى لا تهمه فى شىء إلا بقدر ما سيجنيه من لذة، فلبى دعوتها غير عابئ إلا بما سيناله من تقريع والده على قضائه الليل خارج المنزل. وانقضت الليلة وأعقبتها ليال، ولم تنقطع علاقة عادل بعزيزة وتستدرجه حتى يعود إلى أحضانها، وكانت تعرف نقطة الضعف فيه وهى طيبة قلبه، فلم يكن أهون عليها من البكاء أمامه مستعطفة متوسلة أو أن نسرد عليه تاريخا كاذباً لما هى فيه من شقاء  حكم به عليها الزمن العاتى الذى أجبرها على أن تنزل هذا المعترك من الحياة، فكان قلبه يرق لحالها ويرى فيها فريسة لذئاب المجتمع يجب إنقاذها! وبحكم العادة أو بحكم الألفة، أحب عادل فتاته أحبها حتى الجنون وأسدل الحب على عينيه غشاوة قاتمة فأصبح يرى فى عزيزة فتاة أحلامه ومحط آماله، وعمى عن سيئاتها والوسط الذى انحدرت منه.. وأحب تلك الحياة الصاخبة.. حياة المواخير وتسمم دمه بذلك الجو الملوث الموبوء، فأدمن على السهر، وأدمن على الخمر، كما أدمن على عزيزة، وأدمن على كل ما يحيط بعزيزة.. واحتاجت تلك الحياة إلى أن يطلب من والده زيادة مصروفه، وتوالت طلبات المزيد، وعلم الوالد أخيراً بالأمر فامتنع عن إمداده بالمال وأخذ يواليه بالنصح، فلما لم تنفع النصيحة حرم عليه دخول الدار إلا بعد أن يطهر نفسه من أدران تلك المرأة. خرج عادل طريدًا من دار أبيه، وانقطع عن دراسته، وعاش فى كنف عزيزة وقد خسر كل شىء إلا هى، فتعلق بها وتدله فى حبها وأصبح عبداً مطيعاً لرغباتها وأوامرها وبانقطاع المال عن عادل خاب أمل عزيزة فيه «كهندى»، وعلى مر الأيام كرهت فيه تدلهه واحتياجه إليه وانقياده الأعمى لكل رغباتها دون أن يبدى فى ذلك الرجولة التى تحن إليها المرأة وتشتهيها لذلك خاب أملها فيه «كعريس» أيضاً. واستطاعت المرأة أن تتخلص من عادل بعد أن جرعته سمومها التى أدمن عليها الشاب، وسار مشرداً فى الطرقات يبحث عن فاتنته وهى تتهرب منه، حتى كانت مقابلته لها التى أفهمته خلالها أنه ليس سوى «فستان» اعتراه البلى وذهبت «مودته»! خرج عادل من الصالة وقد علت أساريره أمارات من اعتزم شيئًا جليلا. ولكنه هو نفسه لم يكن يعلم هذا الأمر الجليل الذى اعتزمه، وكل ما شعر به أنه أفاق من حلم مزعج طويل. شعر أنه خرج من مستنقع ولكنه أحس فى الوقت نفسه أن هناك جرحا عميقا فى نفسه. نعم إن كرامته قد جرحت فيجب أن يثأر لها. ويجب أن يبرهن على أنه ليس بفستان! ولكن ماذا يفعل؟ هل يذهب إليها فى صورة الرجل الخشن ويطعنها برقبة زجاجة مثلًا؟ لا، إنها لا تستحق أن يضحى لأجلها بمستقبله؟! إذن فليؤجر عليها بعض البلطجية فيمررون عيشها، ولكن لا، إن الثأر لكرامته لا يأتى له من هذه الناحية. إذن فلينتحر. نعم لينتحر فيريح ضميره ويقتل فى نفسه الكرامة ما دام قد فقد الأمل فى مداواة جرحها. ووقف عادل أمام نافذة إحدى المحال التجارية، وقد تاهت نظراته، وشردت أفكاره وعض على شفته بأسنانه كان هناك «فستان» معروض فى تلك النافذة. وبحركة آلية انحنى على الأرض والتقط حجرا وقذف به النافذة فتحطم زجاجها فى صوت كأنه قصف المدافع فى ساحة الحرب، الحرب القائمة بين ضلوعه، وهجم على الفستان وأخذ يمزقه بيديه وأسنانه حتى لم يبق فيه موضع للتمزيق. وتنهد عادل، وأحسن أنه قد انتصر أخيراً على المرأة عزيزة. وطهر نفسه من أدرانها، وثأر لكرامته فسار إلى بيت والده مرفوع الرأس وقد عاد إلى عينيه بريقهما. إحسان