الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

مصر القبطية هنا «ارتاحت» العائلة المقدسة

مصر القبطية هنا «ارتاحت»  العائلة المقدسة
مصر القبطية هنا «ارتاحت» العائلة المقدسة




لم يكن القرار الذى اتخذه البابا فرانسيس بابا الفاتيكان فى أكتوبر الماضى باعتماد مسار العائلة المقدسة فى مصر ضمن مسار الحج المسيحى فى العالم مجرد شأن عادى، حيث كان لحظة فارقة بالنسبة للتراث المصرى عامة والقبطى خاصة، حيث وضع مسار العائلة المقدسة فى مصر فى مكانة جديدة أمام العالم وسائحيه، بما يضمه هذا المسار من كنائس ومواقع أثرية مهمة.
والكنائس التى تقع فى مسار العائلة المقدسة مجرد أمثلة من كنائس أثرية وتاريخية كثيرة منتشرة فى ربوع مصر، وإن كانت منطقة مصر القديمة تضم مجموعة تعد الأبرز فيها، خاصة أنها تمثل أحد أهم مكونات منطقة مجمع الأديان بجانب مسجد عمرو بن العاص والمعبد اليهودى.
وحكاية كنائس مصر القديمة ضاربة فى التاريخ، ويكشفها لنا الدكتور عاطف نجيب نائب رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية للآثار القبطية والمدير العام السابق للمتحف القبطى، حيث قال لنا: إن حيّ مصر القديمة، من المناطق الغنية بالآثار مثل جامع عمرو بن العاص والمعبد اليهودى وحِصن بابليون، ويُطلق على هذا الحيّ أيضاً مصر القبطية لكثرة الكنائس والآثار القبطية به.
وتابع: ويعتقد أن العائلة المقدسة مرت فى طريقها من الزيتون إلى مصر القديمة على المنطقة الكائن بها حالياً كنيسة السيدة العذراء الأثرية بحارة زويلة وكذلك على كنيسة العزوباية بكلوت بك، حيث تمتلئ المنطقة بالعديد من الكنائس والأديرة والمعابد، واشتهرت بمنطقة السبع كنائس وتضم الكنيسة المعلقة، وكنيسة القديس أبى سرجة، وكنيسة القديس مار جرجس، وكنيسة القديسة بربارة، وكنيسة القديس أبى سيفين، وكنيسة القديس تادرش الشاطبى، وكنيسة الملاك ميخائيل.
وقال: إن الكنيسة المعلقة أهم كنائس المنطقة الأثرية فى مصر القديمة، لما لها من تفرد معمارى واثر روحى عظيم عند كل زائر من أى بقعة فى العالم، وتقع فى حى مصر القديمة على مقربة من جامع عمرو بن العاص ومعبد بن عزرا اليهودى، وكنيسة القديس مينا بجوار حصن بابليون، وكنيسة الشهيد مرقوريوس (أبوسيفين)، وكنائس عديدة أخرى، وسميت بالمعلقة لأنها بنيت على برجين من الأبراج القديمة للحصن الرومانى (حصن بابليون)، ذلك الذى كان قد بناه الإمبراطور تراجان فى القرن الثانى الميلادى، وتعتبر المعلقة هى أقدم الكنائس التى لا تزال باقية فى مصر، وقد بنيت على أنقاض مكان احتمت فيه العائلة المقدسة (السيدة مريم العذراء، المسيح الطفل، والقديس يوسف النجار) أثناء الثلاث سنوات التى قضوها فى مصر هروبا من هيرودس حاكم فلسطين الذى كان قد أمر بقتل الأطفال تخوفا من نبوءة وردته، والبعض يرى أنها مكان لقلاية (مكان للخلوة) كان يعيش فيها أحد الرهبان النساء، فى واحد من السراديب الصخرية المحفورة فى المكان.
الكنيسة المعلقة كما قال نجيب جددت عدة مرات خلال العصر الإسلامى، مرة فى خلافة هارون الرشيد حينما طلب البطريرك الأنبا مرقس من الوالى الإذن بتجديد الكنيسة، ومرة فى عهد العزيز بالله الفاطمى الذى سمح للبطريرك افرام السريانى بتجديد جميع كنائس مصر وإصلاح ما تهدم منها، ومرة ثالثة فى عهد الظاهر لإعزاز دين الله، وكانت مقرا للعديد من البطاركة منذ القرن الحادى عشر، وكان البطريرك خريستودولوس هو أول من اتخذ الكنيسة المعلقة مقرا لبابا الإسكندرية، وقد دفن بها عدد من البطاركة فى القرنين الحادى عشر والثانى عشر، ولا تزال توجد لهم صور وأيقونات بالكنيسة تضاء لها الشموع، وكانت تقام بها محاكمات الكهنة والأساقفة ومحاكمات المهرطقين فيها أيضا، وتعتبر مزارا مهما للأقباط نظرا لقدمها التاريخى، وارتباط المكان بالعائلة المقدسة ووجودها بين كنائس وأديرة لقديسين أجلاء فتسهل زيارتهم، حيث تقع واجهة الكنيسة بالناحية الغربية على شارع مار جرجس وهى من طابقين.
وتوجد أمامها نافورة وقد بنيت بالطابع البازيليكى الشهير المكون من 3 أجنحة وردهة أمامية وهيكل يتوزع على 3 أجزاء، وهى مستطيلة الشكل وصغيرة نسبيا فأبعادها نحو 23.5 متر طولا و18.5 متر عرضا و9.5  متر ارتفاعا، وتتكون من صحن رئيسى وجناحين صغيرين، وبينهما ثمانية أعمدة على كل جانب، وما بين الصحن والجناح الشمالى صف من ثلاثة أعمدة عليها عقود كبيرة ذات شكل مدبب، والأعمدة التى تفصل بين الأجنحة هى من الرخام فيما عدا واحدا من البازلت الأسود، والملاحظ أن بها عددا من تيجان الأعمدة «كورنثية» الطراز، وفى الجهة الشرقية من الكنيسة توجد ثلاثة هياكل هى: الأوسط يحمل اسم القديسة العذراء مريم، والأيمن باسم القديس يوحنا المعمدان، والأيسر باسم القديس مار جرجس، وفى الجناح الأيمن من الكنيسة، تم تعليق أجزاء من صحف قومية مصرية، على أحد الحوائط راصدة أحداث ومشاهد من التاريخ الحديث للكنيسة، المتعلقة بالأقباط فى مصر، وربما أهمها ظهور السيدة مريم العذراء فى كنيستها بحى الزيتون فى سنة 1968.
وقال الدكتور عاطف نجيب :إن كنيسة دير أبى سيفين مسجلة ضمن الآثار وتحمل رقم 574، وتقع داخل دير أبى سيفين بالقرب من مزلقان سكة حديد حلوان شمال حصن بابليون، وقد هدمت الكنيسة فى القرن الثامن ولم يبق من العمارة الأولى إلا كنيسة صغيرة بالجانب البحرى على اسم القديسين يوحنا المعمدان ويعقوب، وقد جددت الكنيسة فى زمن الخليفة المعز لدين الله الفاطمى ثم أحرقت سنة 1868 فى عهد شاور الوزير الفاطمى ورممت سنة 1174 م.
وأكمل حديثه عن باقى كنائس مصر القديمة على مر العصور وتتميز بتخطيطها البازليكى، وهى كنيسة الأنبا شنودة وتقع بدير أبى سيفين شمال حصن بابليون وجنوب كنيسة أبى سيفين ويرجع تاريخها إلى القرن القرن الحادى عشر الميلادى، وكنيسة العذراء الدمشيرية وتقع بحارة دير أبى سيفين وسميت بالدمشيرية نسبة لمجددها فى القرن الثامن الميلادى، وكنيسة أبى سرجة التى تقع داخل حصن بابليون الرومانى ومؤرخ بناؤها بالقرنين الخامس والسادس الميلاديين ويرى البعض تاريخها بالقرن الثامن الميلادى، وتنسب إلى القديسين سرجيوس وواخس وتخطيط الكنيسة بازليكى وبها المغارة التى أوت إليها العائلة المقدسة فى أثناء رحلتها إلى مصر.
وكنيسة الست بربارة تقع داخل دير مار جرجس بحارة القديسة بربارة بجوار المعبد اليهود ويرجع تاريخها إلى القرنين الرابع الميلادى، الخامس الميلادى وتنسب إلى القديسة بربارة التى قتلها والدها لاعتناقها المسيحية، ودير البنات الراهبات «مقصورة مار جرجس» وترجع للقرنين العاشر أو الحادى عشر الميلاديين، وكنيسة بابليون الدرج وتقع جنوب حصن بابليون الرومانى ويرجع تاريخها إلى القرنين السابع/الثامن الميلادى، وكنيسة أبا كير ويوحنا وتقع جنوب حصن بابليون الرومانى وتقع مجاورة لكنيسة بابليون الدرج ويعود تاريخها إلى القرنين العاشر/الحادى عشر الميلادى، وكنيسة الأمير تادرس الشاطبى وتقع بشارع عز العرب بخرطة الشيخ مبارك بمصر القديمة ويعود تاريخها إلى القرنين العاشر والحادى عشر الميلاديين، وكنيسة دير الملاك القبلى وتقع بخرطة الشيخ مبارك بمصر القديمة وترجع للقرنين العاشر والحادى عشر الميلاديين.
هذا الزخم التاريخى الكبير قابلته وزارة الآثار بوضع خطة لتأهيل وتطوير جميع كنائس مصر القديمة وفم الخليج، وذلك بالتعاون مع اللجنة المركزية للكنائس، حيث تقرر تشكيل لجنة مشتركة لتنسيق العمل بالتعاون منطقة آثار مصر القديمة وجميع الجهات المختصة لتسهيل سير العمل، ووضع جدول زمنى للانتهاء من جميع أعمال تطوير وتأهيل المنطقة مع الاستعانة بمجموعة من المتخصصين فى التراث والعمارة، مع الالتزام بآليات العمل التى ستقوم على الحفاظ على جميع العناصرالأثرية والمعمارية للكنائس وحمايتها، ووضع خطة لمواجهة أى مشكلات قد تواجه المنطقة وفقا لقانون حماية الآثار.
وهذا الاهتمام امتد إلى المقتنيات الكثيرة التى توجد داخل تلك الكنائس، وتمت ترجمته إلى قرار مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار بالموافقة على تسجيل ١٢ أيقونة محفوظة بالكنيسة المعلقة وكنيسة أبى سفين والقديسة بربارة وكنيسة أبى سرجة  وكنيسة الأمير تادرس بمصر القديمة ودير مارمينا بفم الخليج بسجلات قيد الآثار بمنطقة آثار مصر القديمة والفسطاط.
وأوضح د.ضياء زهران مدير عام التسجيل بقطاع الآثار الإسلامية والقبطية أن تلك الأيقونات تعرض مناظر متنوعة منها أيقونة الملكة هيلانة وابنها الملك قسطنطين بعد اكتشافهم للصليب المقدس، وأيقونة للقديسة دميانة، وأيقونة السيد المسيح بين رؤساء الملائكة وأيقونة المندل المقدس، وأيقونة الشهيدان ماربهان وأخته سارة وأيقونة القديسة بربارة بالإضافة إلى مناظر أخرى.
بدوره قال الدكتور جمال مصطفى رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية: إن منطقة مجمع الأديان بمصر القديمة تضم فى رحابها أهم وأعرق كنائس مصر التى يمتد تاريخها إلى عصور مصر القديمة، وبها أشهر كنيسة بمصر وهى الكنيسة المعلقة والمعبد اليهودى وكنيسة أبى سرجة التى تحتوى على مغارة العائلة المقدسة وكنيسة القدسية باربارا وكنيسة مار جرجس للروم الأرثوذكس وكنيستى السيدة العذراء وأبى سيفين، كما تزخر هذه الكنائس والمساجد والمعابد بالعديد من المقتنيات الأثرية ذات القيمة الفنية والأثرية.
 وقال: إن الكنيسة المعلقة هى إحدى أقدم الكنائس الباقية بمصر حتى الآن، وسميت بالمعلقة لأنها بنيت على الأبراج الجنوبية من الحصن الرومانى وترتفع الكنيسة نحو 13م عن سطح الأرض كما تضم عددا من الأيقونات الأثرية المهمة، أما كنيسة أبى سرجه أو كما تعرف أيضا بكنيسة الشهيدين سرجيوس وواخس فيعود تاريخها إلى القرن الـ4 الميلادى وشيدت فوق المغارة التى أقامت فيها العائلة المقدسة أثناء رحلتها إلى مصر، وتعد كنيسة مار جرجس أحد أهم الكنائس التى شيدت على الحصن الرومانى وقد بنيت فى القرن الـ10 الميلادى وتحتوى على برج الجرس الذى يبلغ ارتفاعه  30م.
من الجيد أن يكون لدينا هذا التاريخ الكبير لنفتخر به أمام العالم، وهذا لا يمنع بالطبع أن نحقق منه استفادة مادية دون أى مساس به أو بمكوناته من آثار ومنشآت تاريخية، وهو ما ترجمه د.حسام شلبى استشارى تطوير الأعمال بشركة بوابة مصر للعالم الرقمية وهى إحدى شركات صندوق تحيا مصر، والذى وضع خطة لتحقيق التنمية السياحية لمسار رحلة العائلة المقدسة فى مصر، والذى قال: إنها تتضمن نحو 25 مسارا تمتد لمسافة ٢٠٠٠ كيلو متر من سيناء حتى الصعيد.
والمرحلة الأولى للمسار تتضمن العريش والفرما وتل بسطا ومسطرد وبلبيس وسمنود وسخا ووادى النطرون، والمرحلة الثانية للمسار تتضمن أون وهليوبوليس والمطرية وعين شمس ثم المنطقة التى يوجد بها الان باب زويلة وكنيسة العذراء بابليون»مصر القديمة»، حيث كنيسة أبى سرجة الأثرية المعروفة باسم الشهيدين سرجيوس وواخيس، ثم ركبت مركب نيلى للمعادى حيث كنيسة العذراء، والمرحلة الثالثة للمسار منف ثم البهنسا ودير الجرنوس وكنسية مريم، ثم إلى جبل الطير ثم الأشمونين، واتجهوا لديروط بأسيوط فالقوصية فدير المحرق ثم انتهت الرحلة فى جبل درنكة.
ولتحقيق التنمية السياحية لمسار العائلة المقدسة، قال إنه لا بد من تشجيع من يرغب من الأهالى على إقامة المطاعم التى تقدم الأكلات المصرية طبقا لمعايير الصحة العامة، ورفع كفاءة الفنادق القريبة من المسار وتوفير الدعم التقنى لتدريب العمالة بالمشروعات السياحية بالمسار، وتشجيع الشركات والكيانات الاقتصادية على توفير دعم مادى للبرامج سابقة الذكر.