الإثنين 23 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الشاعر السورى عبدالرزاق الدرباس: قصيدة النثر مولود صغير.. والمنفى مدرسة نتعلم منها

الشاعر السورى عبدالرزاق الدرباس:  قصيدة النثر مولود صغير.. والمنفى مدرسة نتعلم منها
الشاعر السورى عبدالرزاق الدرباس: قصيدة النثر مولود صغير.. والمنفى مدرسة نتعلم منها




عبد الرزاق الدرباس شاعر سورى مقيم فى الإمارات، متعدد الاهتمامات، فيكتب للأطفال، والنقد، والعمل الصحفى كما أنه خبير فى اللغة العربية، يسعى إلى أن يحول إبداعه إلى حديقة يرتادها الأطفال والمهمشون والمجروحون، يستخدم لغة طازجة ويبدع صورًا مبتكرة دون ادعاء، من أعماله الشعرية: ليلى وأحلام الرجال، عابر سبيل، أجنحة الكلام، وشم على جدار الروح، بيادر الورق، مشارق الخير، ومن أدب الأطفال: القمر الغائب، سارق الأحلام، ضيفة المساء، نجمة الصبح، ومن كتبه النقدية: دواوين على مدارات النقد.. حول رؤيته وتجاربه وأفكاره كان حوارنا معه.


■ أنت شاعر وناقد وأديب وكاتب للأطفال وصحفى وخبير لغة عربية، كيف توفّق بين هذه الاهتمامات؟
لا يوجد مبدع مختص فى مجال واحد بشكل نقيّ تمامًا، فالأجناس الأدبية متداخلة والاهتمامات تتعدد وفقًا لهذا التداخل بينها وبإمكان الكاتب أن يمتلكها كلها إذا توافرت لديه الموهبة وكانت مسيرة حياته اليومية تتطلب منه هذا التنوع، ويبقى العامل الأهمّ فى امتلاك كل ذلك للغة العربية التى بها نجعل من تلك الاهتمامات منتجًا أدبيًا واضحًا، أن تكون شاعرًا أو قاصًا فهذا يعنى قدرتك على النقد الأدبي، وأن تكون عاملًا فى مجال التربية والطفولة فذلك يجعلك منخرطًا فى الكتابة للطفل والناشئ، وأن تقرأ الصحف وتختلط بالصحفيين فمعناه قدرتك على مجاراتهم فى التقرير الصحفى والتحرير الأدبي، وأن تكون موجّهًا مختصًّا للغة العربية فى وزارة كبيرة كالتربية والتعليم فمعناه أن تشتغل فى اللغة وتكون مدققًا لغويًا دون أن تتعمّد ذلك، باختصار فإن اهتمامك بالمجال الأدبى وامتلاكك المهارة والإرادة تجد نفسك عاملًا فيه، ثم إن الحياة مزيج من كل ذلك وليس لها سكّة واحدة مجدّدة.
■ أين تجد نفسكَ أكثر؟
أجد نفسى فى القصيدة، لأنها تحلق بى لعالم مدهش حالم وهى التى يعرفنى بها الناس وهى التى أخذت من نتاجى الأدبى أكثر من غيرها خاصة فى بداياتى الأدبية حيث كنتُ أراها الملاذ الأجمل لى والراحة الأدبية التى بها أشعر أنى أدّيتُ رسالتى الإنسانية والثقافية.
■ برأيك، هل  يثرى هذا التعدد فى الاهتمامات شخصية المبدع؟
فى حقيقة الأمر هو يقوم بالأمرين كليهما، فهو من حيث النضج والإحاطة الأدبية والتمكّن والذكاء الأدبى ووظائف اللغة يثرى المبدع ويجعله كقطارٍ جميل يضيف له فى كل محطةٍ راكبًا مختلفًا ومهاراتٍ جديدةً وإطلالة (بانورامية) على الحراك الثقافى الأدبى للمجتمع، وهو من جهة أخرى يبعثر إمكاناتك ووقتك ويجعلك ككرة الزجاج المتدحرجة على صخور الحياة فتترك فى كل مكان شظية منك وفى كل ميدان بصمة غير مكتملة حتى إذا ما أردت تجميع نفسك صعُبَ الأمر عليك.
■ عناوين دواوينك مستقاة من عناصر الطبيعة فهل تعتبر نفسك شاعرًا رومانسيًا؟
الرومانسية ليست رجلًا مريضًا فى مشفى أطبّائه مهملين حتى يعلنوا وفاتها، هى اتجاه أدبى نفسى متجدد لا يعترف بزمن، هم كانوا مخطئين حين جعلوا ولادتها فى فرنسا على يد شعراء القرن التاسع عشر، لأنها موجودة منذ أن خلق الله الكون، إن اشتهاء أبينا آدم لحوّاء وتغريد العصافير وتأمّل الأنبياء والناس فى خلق الله والطبيعة رومانسية، مغامرات طرفة ابن العبد وامرئ القيس هى رومانسية، استراحة الفلاح الصعيدى تحت شجرة الجمّيز ليتناول فطوره رومانسية، جلوس الجدّ مع زوجته العجوز فى الظل وتذكّر الماضى رومانسية، فكيف يعلنون وفاتها؟؟
لاشك فى أنّ عناوين دواوينى فيها منحى رومانسى (أحلامى وطرقاتى وعصافيرى وأجنحتى والروح والنوارس وأوراقى) كلها توحى بذلك لكن العنوان برأيى يجب أن يكون جديدًا مدهشًا جامعًا لخصائص المجموعة، وأصدقك القول إن بعض دواوينى صار جاهزًا للطباعة وقارب على الصدور ولم أحدد اسمه إلا فى الساعات الأخيرة مع مصمم الغلاف، فالرومانسية باقية ومستمرة فى حياتنا الشخصية والأدبية وكل من يعلن وفاتها فهو يعلن وفاته بخطأ طبّى شنيع.
■ كيف يتفاعل الناقد والمبدع فى داخلك؟
هما متداخلان فى بعضهما لدرجة التماهى، ذلك أن أى إنسان مبدع يفترض خلال إبداعه أنه يقف أمام الجمهور وبالتالى هو الناقد الأول لإبداعه، الفنان التشكيلى والمغنى والملحّن والممثل والقاصّ والشاعر والخطيب وغيرهم من المبدعين يفترضون فى قرارة أنفسهم أنهم مراقَبون من الجمهور لذلك عليهم أن يأتوا بالأفضل والأنسب، وبالتالى هم نقّادٌ، والعمل الإبداعى سابق فى الوجود للنقد، ولذا من أجاد الإبداع أجاد النقد، ومن فرّط فى جمالية الإبداع فقد خسرَ الميزان الذهبى للناقد، ومن هنا يحرص زملائى فى الوسط الأدبى على دفع أعمالهم لى للاطلاع عليها بعين الناقد قبل أن يدفعوا بها للنشر ويتقبلون ملحوظاتى بصدر رحب، ومع أن إصداراتى النقدية قليلة فإن النقد الصحيح البعيد عن المجاملة والتصفيق والهدم والتجريح هو عمل أدبى فنى جمالى متمّم للإبداع، وهكذا أجدهما مكمّلين لبعضهما فى نفسى دون أية معاناة أو تناقض.
■ تكتب للأطفال أيضًا.. ما شروط الكتابة للطفل؟
هى باختصار أن تكون طفلًا كبيرًا.. تنسى عمرك الزمنى واهتماماتك الرجولية والأبوية وتحتفظ بخبرتك الحياتية نازلًا لمستواهم العقلى والخيالى الجميل لتملأ فى أرواحهم زوايا فارغة تحتاج لملئها بما هو مفيد جميل قبل أن يملأها غيرك بالرديء الضارّ.
  فى مجال الشعر والقصة والمسرح.
■ كيف ترى ما يقدم من كتابات للطفل العربى؟    
إذا نظرنا لما يُقدَّم للطفل فى مجال التلفاز أو الكتاب المنشور أو الإنترنت فإننا نجد تسطيحًا واستخفافًا واضحين وتلك كارثة ستكون لها انعكاساتها الخطيرة لاحقًا حين يكبر الطفل ويصبح رجلًا متواجدًا فى مفاصل الحياة، حيث يسود الكسل والعنف والتطرف والجهل والتغرّب عن الواقع وضعف الوازع الأخلاقى وانعدام الولاء الوطنى والقومى وغرس الأفكار الفاسدة فى النفوس المتعطشة لكل ما يأتيها.
لكننا فى المقابل ولله الحمد نجد نموذجًا آخر مشرّفًا لأدب الطفل يلتزم بالمعايير الفنية والجمالية والأخلاقية ويعزّز القيم الإيجابية فى أفعال الطفل وأقواله وسلوكه اليومي، وسواءً فى أدب الطفل أو فى غيره فإنّ توكيل الأمور لغير أهلها يشكّل خطورة على الحاضر والمستقبل، وعلى الجهات الإعلامية والأدبية التشدّد أكثر فى قبول الأعمال الأدبية والفنية وطباعتها وإنتاجها وتوزيعها، خاصة فيما يتعلق بالأطفال والناشئة لأنهم الفئة الأكثر عددًا والأكثر تأثّرًا والأخطر فى النتائج الاجتماعية والثقافية.
■ كيف ترى حال اللغة العربية فى العالم العربي؟
أهمية واستمرار لغتنا العربية ليست نابعةً منا كأشخاص أو حكومات ولو كان الأمر كذلك لماتت منذ أمد بعيد، ولكنه نابع من الوجدان الشعبى والفطرة البشرية لسكان هذه البقعة من العالم، ولحفظها فى القرآن الكريم الذى رسّخ مكانتها بين الأمم كلغة حديث وعلوم وإنجازٍ حضارى خالد، ومع اعترافنا بأن التغرّب الثقافى والمدارس والمناهج والجامعات الأجنبية ليست بريئة فى نظامها التعليمى ولكننا واثقون بأن لغتنا صامدة متجددة، أقول ذلك وأنا منفتحٌ على لغات الآخرين فى تلاقح حضاريّ عام ولكن دون أن أذوب فى غيرها ناسيًا لغتى وهويتى وانتمائى، فاللغة وسيلة تواصل وحوار الآخر، وهنا أحب التذكير بمقولة جميلة للمهاتما غاندى فى الهند حين جعلت بريطانيا مناهج ومدارس الهند كلها إنجليزية: اسمحوا لكل النسائم أن تمر من نافذتكم ولكن إياكم أن تسمحوا لأى إعصارٍ مهما كان قويًا أن يقتلعكم من جذوركم.
■ معظم الشعراء تحولوا إلى كتابة الرواية.. لماذا لم تفكّر فى كتابة الرواية؟
يتحوّلون فذلك شأنهم، ولهم الحرية فى اختيار الجنس الأدبى الذى به يعبّرون عما فى نفوسهم وفى سؤالكَ الأول أجبنا على ذلك من خلال تشظى المبدع بين عدة أجناس، وهناك سبب جديد ربما كان الانتشار والمكسب المادى فجوائز الرواية أكثر وأعلى قيمة من الشعر والأعمال الدرامية تنهل من الرواية أكثر من الشعر، أنا فى الرواية لا أعدو أن أكون قارئًا جيدًا حاليًا لكن مَن يدرى؟ ربما تجدنى روائيًا بعد مدة فأنا كاتب للقصة القصيرة ولى فيها باع ليست بالطويلة جدًا من حيث الكتابة والجوائز والتحكيم.
■ كيف تتأمل الوضع الملتهب فى سوريا بعين المبدع؟
أنا إنسان وطنى أعتز بسوريّتى وأهلها وحضارتها كجزء من تاريخنا العربى وانتمائنا الإسلامى وأحزننى ما انزلقت إليه الأمور من حرب عالمية مصغرة نحن وقودها وضحاياها، فى الحرب يا صديقى كل المتحاربين خاسرون حتى من يدّعى منهم الانتصار، فما بالك فى حربٍ تشنّها دول عظمى وحكومة قوية على شعب أعزل ومواطنين بسطاء بذرائع محاربة الإرهاب، نحن كسوريين وكأدباء ضد الحرب والقتل والظلم والاستبداد والجهل والتطرف حيث كان مصدره، وقلناها من بداية الأزمة: لا للقتل لا للظلم لا للاستبداد ونعم للحوار والتفاهم والحرية والأمان والمحبة، ولكن صوتنا كان ضائعًا فى معمعة الرصاص والمصالح الضيقة والأطماع الخارجية.
■ كيف تناولتَ الوجع السوريَّ فى أعمالك؟
أنا لم أتناوله بل عشتُه وإن كنت مقيمًا خارج وطنى سورية، فجذورى وأهلى وبيتى المهدّم وأهلى المشرّدين والقذائف المجنونة والجوع والبرد والضحايا الأبرياء... كل ذلك كان فى نفسى وكتاباتى وأنفاسى، وهناك الكثير من النصوص النثرية والشعرية والمقالات التى كانت انعكاسًا مباشرًا لما يجرى فى وطنى الجميل، أنا سورىّ قبل المولاة والمعارضة أجهر بالحق وأوظّف كلمتى لخدمة وطنى وأهله فى الحق والخير والجمال والحرية والحياة لنا ولأبنائنا وأحفادنا.