الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ديوان «متكأ مباح» صراع الحب ولغة الجسد

ديوان «متكأ مباح» صراع الحب ولغة الجسد
ديوان «متكأ مباح» صراع الحب ولغة الجسد




صدر حديثا للشاعرة فاطمة  سليمان المروانى ديوان« متكأ مباح» عن دار الشريف للإعلام و النشر، ويضم الديوان 46 نصاً تتراوح بين القصر الطول، وجاءت جميعها نثرية إلا قليلا منها، ومنذ نص المفتتح «راهب» حتى النص الختامي«عناق» تنطلق الشعرية فى مسار واحد ويجمعها خط تنتظم خلاله ويتجلى فى البنية والسمات والتناول.
يغلب على الديوان الطابع الرومانسى الروحانى، حيث تنتصر لغة الحس والجسد على البلاغة واللغة الشاعرية الزائفة.ولغة الشعر فى قصائد فاطمة المرواني، تميل إلى التصوف والتحرر من كل القيود الشكلية والموضوعاتية، وليس غريبا أن تؤثث لغة الجسد والحب والعزلة فضاء مجمل النصوص الشعرية، فهى تجد فى هذا النوع من اللغة جنتها الخالدة.
فى قصيدة «رعشة» تدور فى فضاء الغربة والحب والحنين فتقول:  مصلوبة بالغربة/ مسكونة بوجع المنفى/ ألمس جدار الصمت/هزنى الفقد فى غياهب الغياب / والثغر عقله النواح من التبسم.وفى قصيدة «مشهد» تستخدم الشاعرة لغة متمردة،تعلن انتصار الحواس على الظلام،وانتصار جسد المرأة على لغة التشدد التى تسجن المرأة فى دائرة الصمت والنسيان فتقول: تولى الليل غياب القمر/ ملأ الشهد الشفاه وثملت/ وارتجفت الأشواق/ وسرقنا قبلة/ لتروى تنهيدة الجفاف، كما أن اللغة الشعرية تختلط بالحس المرهف العميق لتشكل لوحة رومانسية تمتزج فيها ألوان الفرح والألم. فتقول فى قصيدة «دفء»: كالبحر يتنفس بوجع التنهيد/ تتطاير اللحظة/ يحتضن حرارة لهيبها ولا تنطفئ شرارتها.لا تكف المروانى عن استكناه الصور العابرة ما بين التصوير الحسى للحب، والعبور العميق للجسد كحامل/ وعاء للحب، طاقة الحب تتجدد مثل تجدد الطاقة الشمسية التى تمنح الدفء للكائنات واستمرارية الحياة على الكوكب الأرضي.وفى قصيدة « مكان» تحاول الشاعرة رسم بعض اللحظات العابرة التى تعبر عن قلق الروح،فى لحظات عبر عن التناغم بين لحظات الحب والأمل والتحدي،فتقول: طائر الروح/ عندما تكون ضريراً/ والروح هيمانة/تبحث وتبحث وتتعب/ تنزف شرايين مقلك / على الرمال الهيماء / سيبثق ورداً تملأ رائحته المكان/ ستستدل على روحك وحدك.. قالب القصيدة   يستمد شكله من بلاغة القصيدة الشعرية الحديثة التى تتجاوز النمط التقليدى فى الكتابة، وبذلك تعلن ميلاد قصيدة جديدة تشبه شكل قصائد الهايكو اليابانية. فالشاعرة جعلت من القصيدة باقة ورد يغلب عليها الطابع الرومانسى، حيث تنتصر الروح على الكلمة، وتحول القصيدة الصحراء الجرداء إلى ورود وحدائق، حيث الجمال سيد الموقف، وفى قصيدة «انكسار» يعكس عمق التجربة الشعرية التى عاشتها الشاعرة خلال مرحلة ما «مرحلة الحب»، أو تجربة من نوع آخر كتجربة الاعتراف عن طريق الحلم. وتتوزع قصائد المروانى بين قصائد الحب وقصائد المعاناة والتمنى، وهذا يبين أن تجربة الشاعرة ذات الطابع المنكسر تجعل من كتاباتها فضاء رمزيا، يتجلى فى رمزية لغة الجسد، باعتبارها لغة ذات تأويلات كثيرة تعكس عمق التجربة التى مرت منها الشاعرة، إذ إنها تستغل الوجه والعيون  والابتسامة كترجمة للأحاسيس المكبوتة الداخلية، التى تحاول جاهدة الإفصاح عنها ورصد العذاب والاشتياق كاشتياق الجفاف للماء.
وتتميز قصائد المروانى بالإيغال فى الإيحاء والصدق الإنسانى، والتعبير عن المشاعر الجياشة بطريقتها الخاصة بها، وهى كتابة نثرية واضحة المعالم، سلسة، تنساب كماء الغدير، وصورها جميلة ولافتة، ولغتها شاعرية، بليغة، وذات ايقاع موسيقي، انها ترسم بكلماتها ألواناً من الطبيعة فقول فى قصيدة» ارتعاش»: الهوى يربط روحين/ تألق حنان وأمان/ وارتعاش وهمس / أحبك رغم قيدي.كما تطرقت إلى ثنائيات الوجود والصراع بينها كتجسيد للنظرة الصوفية للوجود من خلال هذا التقابل بين الشروق المعبر عن الأمل والغروب المعبر عن الحزن والغياب وكذلك المد والجزر، فتقول: تشهقنى وتزفرني/ مد وجزر أمواجك/ غروبك دمعة حائرة/ شروقك بسمة ثغر.
أن النزعة التأملية عندها تتمثل فى حالة الإحساس الحاد بالتفرد فى الوجود، مما يدفع الذات الإنسانية إلى التمرد على الفكر السائد، وتأسيس شكل من القطيعة مع منظومات الفكر والحياة الاجتماعية بمختلف جوانبها.
تحظى قصائد فاطمة المروانى  بقدر من اليناعة والخضرة والطراوة، منبع هذه السمات عناصر عديدة، أبرزها التجربة الحياتية من النسق المغامر، سواء على مستوى العيش أو مستوى ثقافة الشاعرة ومرجعياتها الثقافية التى تنهل منها ووعيها بالعالم من حولها أن شعرية المروانى تدور فى فلك المعنى لا غير، إذ أن الشعرية لديها شعرية معنى، وهى ليست معنية بالصورة الشعرية، إلا من حيث هى مطية معنى تسافر من خلالها إلى العقل الوجدانى.