الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التاريخ يطارد إمبراطورية «العار»

التاريخ يطارد إمبراطورية «العار»
التاريخ يطارد إمبراطورية «العار»




أجساد بلا رءوس، وجماجم متراكمة بالآلاف، كلاب تتقاتل من أجل نهش الجثث، نساء اغتصبن حتى الموت، وأخريات بقرت بطونهن وأجنتهن ملقاة بجانبهن، وغيرهن مصلبات عاريات.
مع اقتراب كل ذكرى سنوية لهذه المذابح، نتذكر مشاهد روعة لمجازر وتجاوزات تاريخية أرتكبها العثمانيين بحق الأرمن، التى لا يمكن للعقل البشرى تخيلها، دونتها المراجع التاريخية ومراكز البحوث والصور الفوتوغرافية والأفلام الوثائقية.

«الإبادة الجماعية» لم يعترف الأتراك بالمسئولية الأخلاقية والقانونية الكاملة عنها، ما يجعل المعركة بالنسبة للأرمن مع «العثمانيين الجدد» لم تنته بشأن ما اقترفه أجدادهم، وقد يؤدى لاستمرار صراعات دموية اندلعت منذ عام 1892، فى صور مختلفة عبر شحن سنوى ممتد ومتبادل على مستويات سياسية وإعلامية ودبلوماسية.
«مرتكبو الإبادة»
«طلعت باشا» الرأس المدبر لعمليات الإبادة رئيس جمعية الاتحاد والترقى ووزير الداخلية، نظّم حملات همجية على الأرمن نفذها عثمانيون أتراك وأكراد وقوقازيون «شركس وشيشان»، وقد كانوا من عمال الطبقة الوسطى أو أميين عاطلين عن العمل.
أسباب المجازر ترجع إلى فشل العثمانيون فى إحياء الدولة الطورانية التركية واحتضان كل الشتات التركي، لذا كان احتلال أرمينيا السبيل الأوحد لجمع العرق التركي، وبسبب التحالف الروسى الأرمنى الذى ألحق خسائر فادحة للجيش التركى المحتل، جاء رد العثمانيين بإجراء التطهير الدينى العنيف قتلًا بحق الأرمن.
«التهجير القسرى»
بعد ذبح مليون ونصف أرمنى من أصل مليونى أرمنى، تم تهجير البقية، وكان المهاجرون يتركون خلفهم قافلة من الموتى فى العراء، ونساء وصلوا إلى مرحلة الموت من مرض التيفوس والزحار والكوليرا، وأخريات كن يرمين الأطفال فى الآبار، أو يتركنهم خلف الشجيرات ليموتوا على الأقل بسكينة، بينما ترك فى الخلف جيش صغير من البنات اللواتى بعن كعبيدات، «بسعر حوالى ثمانين سنتا»، وبعد أن يغتصبهن أسيادهن كن يدفعن إلى حياة البغاء بالقوة.
نهر الفرات كان خير شاهد على تلك الفظائع، إذ كان الدرك العثمانيون يدفعون النساء فى الماء عند عبور هذا النهر، ويطلقون بعدها الرصاص على كل إنسان يحاول النجاة بنفسه بالسباحة، وكانت النساء يلقين بأنفسهن فى النهر، لإنقاذ أعراضهن وأطفالهن بين أيديهن.
«مذبحة سيفو»
مجزرة سيفو، «نسبة للطريقة التى قتلوا فيها بالسيف» التى نفذتها السلطنة العثمانية بحق السريان، من أبشع المجازر التى حدثت فى القرن العشرين، وأكثرها وحشية ودموية، لكنها قوبلت بصمت دولى، إذ بات واضحاً أن المصالح السياسية لهذه الدول أهم من دمائنا ومن أرواحنا.
«ديار بكر»
فى ديار بكر ارتكبت مجزرة أخرى لم تقل بشاعة عن «سيفو»، إذ اعتقل وأعدم عددًا كبيرًا من الأرمن على يد الوالى محمد رشيد باشا، الذى استلم أوامر الإبادة عبر برقية من طلعت باشا، وزير الحربية، فيها ثلاث كلمات فقط: احرق دمر اقتل، ومن ثم سقط مائتان وخمسون ألف أرميني.
رشيد أشاع أن الأرمن «ميكروبات خطرة» يجب التخلص منهم، وكان أول من قام بربط حوافر الحمير على أرجل الأرمن وصلبهم.
«دير الزور»
فى دير الزور دبر العثمانيون الفخ الأشنع إذ لاحقوا النساء والأطفال الهاربين من المذبحة الأساسية بالإضافة لبعض العشائر الكردية وتركمان إلى دير الزور، وكان مصير الذى يعتقل كان إما الذبح أو الخازوق أو حتى السلخ حيًا والصلب.
«طور عابدين»
وأيضًا فى طور عابدين فى يونيو عام 1915 بدأت القوات العثمانية بالهجوم على القرى الأرمنية والسريانية بمنطقة الجزيرة الفراتية فى سوريا، حيث وقعت مذبحة ماردين، أما فى نصيبين فقد رفض حاكمها التركى نورى باشا دخول الجيش بها لعلمه أن هذا سيؤدى لوقوع مذبحة. عندها أمر محمد رشيد باشا والى ديار بكر باغتياله فوقعت بعدها بأيام مجزرة «مديات» على الحدود السورية التركية.
«اعترافات عالمية»
25 دولة و48 ولاية أمريكية اعترفت رسميًا بوقوع المجازر كحدث تاريخي، وفى 4 مارس 2010، صوتت لجنة من الكونجرس الأمريكى بأن الحادث كان فى الواقع إبادة جماعية ومن ضمنها الأمم المتحدة.
أكثر من 135 نصب تذكارى فى نحو 25 دولة، ورغم ذلك الإنكار كان ولا يزال موقف تركيا على أن سبب وفاة الأرمن هى ظروف الحرب والتهجير، وتم تمرير الفقرة 301 فى القانون التركى فى عام 2005 يجرم فيه الاعتراف بالمذابح فى تركيا.
«فئران تجارب»
استخدام الأرمن فى التجارب الطبية، كان أحد أبشع الجرائم التى ارتكبها العثمانيون بحق الإنسانية، ففى ظروف غياب شروط النظافة الصحية الأولية، انتشرت الأمراض والأوبئة بسرعة بين جنود الجيش التركي، وكانت السبب فى وفاة العشرات، لذا جرت تجارب فى المستشفى المركزى لمدينة إرزينجان استخدم فيه الأرمن من جنود وطلاب المدرسة العسكرية، كفئران للتجارب السريرية.
التجارب جرت تحت الإشراف المباشر من بروفيسور المدرسة الطبية فى اسطنبول «حمدى الزيات» الذى حقن الضحايا بدماء ملوثة بالتيفوس، وبعد انتهاء الحرب وضعت محكمة اسطنبول الخاصة الزيات فى مستشفى المدرسة الطبية للعلاج الإلزامى بسبب «اختلال عقلى شديد».
وتتغاضى تركيا عن جرائم المختل «الزيات» وتعتبره مؤسس علم البكتريولوجيا التركى وحولت منزله إلى نصب ومتحف فى اسطنبول.
تسميم الأطفال الأرمن والحوامل الأرمنيات تم من قبل مسئولى المصحات الطبية فى عام 1919، ومن رفض تناول السم أجبر على تناوله أو رمى فى البحر ليغرق، ومن تمكن من الوصول إلى معسكرات التجميع جرى تزويده بالماء وفيه جرعة قاتلة من المورفين.
«إبادة اقتصادية»
بموازاة أوامر القتل والتهجير، كانت الإبادة الأرمنية أحد أكبر عمليات نقل رأس المال فى العصر الحديث، إذ أصدرت «تركيا الفتاة» عدة قرارات لتجريد الأرمن من ممتلكاتهم وتجارتهم ومهنهم، وكان هذا هجومًا كاسحًا على الاقتصاد الأرمني، الذى تمت مصادرته رسميًا من قبل الدولة.
بذلك تمكن العثمانيون من سلب اقتصادًا ضخمًا يضم المنازل والمزارع والمتاجر والمصانع والورشات والاستديوهات، إذ تمت مصادرة 41.117 مبنى.
«طمس الثقافة»
الإبادة الثقافية كانت من خلال محو آثار الوجود الأرمني، والفتك بالفن المعمارى عبر تدمير الكنائس والمبانى ونقوشها، وتحطيم أديرة ترجع إلى القرون الوسطى، مثل: ناركافانك، فاراكافانك، أركيلوتس فانك، سورب غربيت وسورب خاش.  ولم يتبق اليوم سوى آثار قليلة لمراكز حياة الأرمن الثقافية والدينية، فى حين كان هناك 2600 كنيسة و450 ديرًا و200 مدرسة فى عام 1914.