الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الفوضى العارمة تجتاح شوارع بريطانيا

الفوضى العارمة تجتاح شوارع بريطانيا
الفوضى العارمة تجتاح شوارع بريطانيا




تجتاح المملكة المتحدة حالة غير مسبوقة من الفوضى نتجت عن سياسات حكومية خاطئة وأثرت تبعاتها على أحد أعرق وأقوى أجهزة الأمن فى العالم الغربي، فثمة أزمة نقص تمويل واضحة لجهاز الشرطة البريطاني، سكوتلانديارد، على مدى سنوات أدت إلى إضعاف سمعة الجهاز العالمية كواحد من أقوى أجهزة الشرطة فى العالم منذ تأسيسه سنة 1829، وإصابته بقصور وظيفى واضح ضرب أمن المجتمع البريطانى فى مقتل.
تعود فصول الأزمة إلى عام 2010 عندما قررت الحكومة، بقيادة حزب المحافظين، إتباع سياسة تقشفية لتقليص العجز فى الميزانية وكبح جماح المديونية العامة، وهو الأمر الذى طال المؤسسات الحكومية الحساسة مثل الشرطة والصحة والتعليم وأثر بشكل سلبى على حياة المواطنين فى بريطانيا.
وبينما لجأت بعض المستشفيات لإغلاق أقسام الطوارئ فيها بسبب الضغوط المالية، لجأ جهاز الشرطة إلى تقليص عدد رجاله، وإغلاق عدد من المراكز وتقليص ساعات العمل فى مراكز أخرى، وكشفت آخر التقارير الصادرة عن مجلس العموم البريطاني، انخفاض عدد ضباط جهاز الشرطة البريطانى المتاحين لأداء واجبهم، لأقل عدد له منذ «عام الشغب» عام 1981. وذكر التقرير إنه تم تقليص القوات بإنهاء عمل حوالى 20 ألف ضابط، ليصبح عدد الضباط فى الخدمة الآن هو 110 آلاف ضابط موزعين على 39 مركزا، وبإدراج ويلز يصبح العدد الكلى 117.456 ألف ضابط وهو الرقم الأقل منذ 38 عاما.
صيحات تحذيرية
قبل عامين حذرت الهيئة الملكية لمراقبة الشرطة فى بريطانيا من الأوضاع المتدهورة لقوات الشرطة فى البلاد بعد مجموعة من الإخفاقات الأمنية، وقالت الهيئة فى تقرير لها إن الشرطة لا تقوم بمهامها الأساسية بعد أن باتت تخذل ضحايا الجرائم وتحفظ القضايا الجنائية بل إنها لا تتعقب المشتبه بهم.
وفى تحذير لم يسبق له مثيل، قالت الهيئة إن انخفاض عدد المحققين ورجال البحث الجنائى باسكوتلانديارد يصل إلى مستوى الأزمة القومية. وذكرت زوى بيلينجهام، المفتش العام بالهيئة، أنه خلال السنوات الماضية كانت الشرطة البريطانية تجاهد لأداء دورها بكفاءة فى ظل الظروف الصعبة التى تمر بها ولكن اليوم فإن الهيئة تدق ناقوس الخطر حيال عواقب ما سمته التقليص اللاواعى لأعداد قوات الشرطة.
ويبدو تأثير التقشف كارثيا بالنسبة لجهاز الأمن العريق الذى يظهر قصوره الوظيفى بشكل واضح للمواطنين حتى أنهم باتوا لا يتوقعون الاستجابة لجميع الاتصالات مثل سرقات المنازل العادية وغيرها من الجرائم لا تتضمن اعتداء جسدى أو إصابات، بسبب التراجع الحاد فى عدد عناصر الجهاز الذى يواجه جرائم العنف فى الشوارع وعصابات المخدرات والجرائم السيبرانية والتهديدات الإرهابية وجرائم السكاكين التى تحولت لظاهرة مخيفة تهدد المجتمع.
وباء جرائم السكاكين:
سجل الشهر الأول من العام الجارى 2019 مقتل 24 شخصا طعنا بالسكين فى حوادث متفرقة بالعاصمة لندن، وكشفت التقارير الأخيرة عن مقتل 138 شخصا بالطريقة نفسها فى المدينة على مدى العام الماضي، فى حين تكشف سجلات مكتب الإحصاءات الوطني، وقوع 40 ألف جريمة بسكين أو آلة حادة فى الفترة من يونيو 2017 ويونيو 2018، وهو أعلى معدل له خلال السنوات الثمانى الأخيرة، الأمر الذى جعل الجميع فى بريطانيا، حكومة ومعارضة وسياسيين وشخصيات عامة، يتفق على أن الظاهرة أصبحت «وباء» يحتاج لأسلوب مكافحة جديد من نوعه.
وفى محاولة جادة للسيطرة على الأزمة، أعدت الحكومة تعديلات على قانون حيازة الأسلحة يتضمن عقوبات شبيهة بتلك التى تفرض على المدانين بالإرهاب، وتشمل حظر أو تقييد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتقييد الحركة ضمن مساحة جغرافية محددة، وتقول وزارة الداخلية إن تلك التعديلات ستكون رادعة وإنه فى حالة موافقة البرلمان عليها فإنها سوف تطبق على أى شخص يبلغ عمره 12 عاما فأكثر، تشتبه الشرطة به.
انقسام فى البرلمان
أدت تصريحات وزير الداخلية البريطانى ساجد جاويد التى قال فيها؛ إن القوانين ستفرض على أى شخص تعتقد الشرطة إنه يحمل سكينا وعلى الأشخاص المعتادين على حملها أو هؤلاء الذين أدينوا بارتكاب جريمة لها علاقة بحمل السكاكين، إلى حدوث انقسام داخل البرلمان ما بين مؤيد يرى ضرورة فى تطبيق التعديلات الجديدة على القانون كخطوة حاسمة لمواجهة الظاهرة المتفشية، وبين معارض يحذر من التسرع فى تطبيقها بسبب الأضرار التى قد تنجم عن حرمان الصبية بسن 12 عاما أو أكثر، من وسائل التواصل الاجتماعى ودفعهم إلى الإجرام خصوصا وأن البعض يحمل السكاكين بدافع الخوف من التعرض للاعتداء ليس أكثر.
تصريحات ماى تخلق حربا إعلامية
فى الوقت الذى يؤكد فيه رؤساء ومفوضو الشرطة والجريمة على أن موجات الجريمة المتصاعدة تعود بشكل رئيسى إلى انخفاض التواجد الأمنى فى الشوارع الرئيسية والأحياء الفقيرة وتراجع الدوريات بسبب نقص التمويل، تخرج رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي، لتنفى وجود علاقة بين خفض أعداد رجال الشرطة وارتفاع موجات الجريمة التى تشهدها المملكة المتحدة قائلة فى تصريح نقلته الصحف اللندنية «إنه لا يوجد ارتباط مباشر بين جرائم محددة وبين أعداد رجل الشرطة»، وهو التصريح الذى أثار موجة واسعة من الغضب ضدها وضد الحكومة، وخلق حربا إعلامية بين قادة حكومة الظل وقادة شرطة سكوتلانديارد من جانب وبين الحكومة ووزارة الداخلية من جانب آخر.
ووجه زعيم حزب العمال جيريمى كوربين انتقادات حادة لماى وتساءل عما إذا كانت رئيسة الوزراء سوف تبدى أسفها على تخفيض أعداد الشرطة، فى حين طالبت رئيسة مجلس رؤساء الشرطة الوطنية سارة نورثون، بتمويل طارئ مطالبة الحكومة بالنظر إلى الحقائق. وقالت وزيرة الداخلية فى حكومة الظل، إيان أبوت، إن خفض أعداد الشرطة كان له عواقب وخيمة على السلامة العامة إلا أن الحكومة فى حالة إنكار تام، متسائلة عن دور وزير الداخلية فى حفظ الأمن، وهى الانتقادات التى دفعت وزير الداخلية لاستدراك الموقف والتعهد بإعطاء المزيد من الصلاحيات لجهاز الشرطة الذى أوشك على على الرغم من سمعته العريقة فى إرساء الأمن وحل القضايا المعقدة، فشل جهاز سكوتلانديارد فى توفير الأمن بشكل تام وسجل عدد من الإخفاقات فى فك لغز بعض القضايا الجنائية، وأبرزها على الإطلاق قضية «السفاح جاك سنة «1888، الذى ذبح 5 سيدات ومثل بجثثهن على مدى 3 أشهر، ولم تستطع الشرطة التعرف على هويته، وقضية «الذهب المفقود عام 1983» حيث فشلت الشرطة فى تحديد هوية سارقى 6800 سبيكة ذهبية بقيمة 40 مليون دولار وقتها من مستودع برينكس مات فى هونسلو رغم التأمين العالى للمستودع وقتها. وكذلك قضية «الإصبع المقطوع 2010» حيث عثرت الشرطة على إصبع مقطوع لرجل فى منطقة وبرن ووك لكنها لم تستطع الوصول لهوية هذا الرجل حتى هذه اللحظة. أيضا حادث مقتل الطالبين الفرنسيين لوران بونومو وجابرييل فيريز عام 2008، واللذان عثر عليهما مقيدين ومكممين وقد تعرضا لمئات الطعنات بالسكين فى حى سترلينج جاردنز بنيو كروس، وقضايا تخص مشاهير وسياسيين، مثل قضية مقتل الفنانة المصرية سعاد حسنى فى يونيو 2001، بعد سقوطها من بناية «ستيوارت تاور» والتى سقط منها قائد الحرس الجمهورى الليثى ناصف فى أغسطس عام 1973.