الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

يحيى الفخرانى على بابا الفن

يحيى الفخرانى على بابا الفن
يحيى الفخرانى على بابا الفن




ناسكًا متعبدًا فى محراب الفن، عاشق يهيم بكل دور، تتبدل عليه الشخصيات ولا يتغير، يظل على دربه قانتا خاشعا هائما فى التشخيص، بملامحه الهادئة المتأملة ولمعة عينيه الثاقبة وسلاسته المعهودة فى تناول الشخصيات أصبح الفنان يحيى الفخرانى ملكا من ملوك الفن العظام الذين سطروا أسماءهم فى سجلات الفن إلى جانب العديد من العظماء.
لم يمتلك الفخرانى مفتاح الوسامة الذى كان يمتلكه العديد من أبناء جيله من الفنانين الذين ظهروا خلال تلك الفترة، لكنه امتلك موهبة فذة، عملاقة، امتلك ابتسامة ساحرة، وجه مليء بالبراءة ، فحطم نظرية البطل الجان، ووضع معادلة مختلفة للنجاح لم يحتل الشكل الخارجى فيها الصدارة.  
■ ■
الشاب الذى ترك الطب حبًا فى التمثيل بدأ مشواره بمسرحية «لكل حقيقته»، وكانت بدايته فى التليفزيون مع مسلسل «أيام المرح»، عام 1972، مع محمد صبحي، عبد المنعم مدبولي، نظيم شعراوي، ومع السينما كانت البداية من خلال فيلم «آه يا ليل يا زمن» عام 1977، مع وردة، ورشدى أباظة، وعادل أدهم، بينما أول بطولة تليفزيونية له كانت من خلال مسلسل «صيام صيام» عام 1981، واستطاع بصدقه وبراعته الفنية أن يصل سريعًا إلى قلوب المشاهدين.
لم يقدم الفنان «العملاق» يحيى الفخرانى دورا يشبه الآخر ولا كرر أداءه مرتين ينصهر كل مرة لينتج شخصا جديدا، فهو سليم باشا البدرى فى «ليالى الحلمية»، و«بشر عامر عبد الظاهر» فى «زيزينيا»، و«شيخ العرب همام»، و«ربيع الحسيني»، و»سيد أوبرا»، وعباس الدميرى ولطفى الجناينى فى «عباس الأبيض فى اليوم الأسود»، و«حمادة عزو» و«ونوس» و«الخواجة عبد القادر» و«الملك لير»، كل هؤلاء والمزيد أرواح حاضرة تجسدت فى شخصيته، اجتمعوا فى كيان واحد لفنان متعدد الوجوه ممثل من طراز رفيع.
■ ■
كيف تستطيع الانفصال عن ذاتك كى تتقمص لتتحول إلي شخص آخر لا تعرفه، شخصية تحيا بك ومعك طوال ثلاثين يوما ينتظرها الجمهور بفارغ الصبر لا لشيء سوى متعة مشاهدة الفخرانى يلعبها أمامهم، تربع على عرش الدراما المصرية فهو أحد أهم نجوم الشهر الكريم المفضلين والمنتظرين دائما وأبدا، لو غاب شعر متابعوه بأزمة الفقد لشيء ثمين؛ فنان لا ينازعه أحد فى شغف ودأب طلب رؤيته وهو يبدع فى فن التشخيص، من شدة انفصاله واتحاده مع الأدوار التى لعبها تحيا شخصياته على يديه وكأنهم أناس يعيشون بيننا.
هو مشخصاتى كبير سواء فى الدراما التليفزيونية أو أمام الجمهور على خشبة المسرح، وبمجرد الإعلان عن عودة «الملك لير» للمرة الثالثة بعد نجاحها على يد المخرج الراحل أحمد عبد الحليم عام 2001 على خشبة المسرح القومي، إذ تعاد هذه المرة بمسرح القطاع الخاص، يتساءل جمهوره يوميا عن موعد افتتاح عرضها رغبة فى رؤيته على المسرح من جديد فى نفس العمل ومجسدا نفس الشخصية «لير».
■ ■
عشق الفخرانى هذا الملك العجوز وتوحد معه وكأن وليم شكسبير كتبها من أجله فحينما تقرأ لير ويداعب خيالك شكل أبطالها لن تجد سوى الفخرانى متجسدا أمامك فما زال لير حيا يرزق على يديه ومازال لديه المزيد لتقديم هذه الشخصية وإعادة طرحها دراميا على محبيه.
لم يقتصر إبداع الفخرانى على «الملك لير» بالطبع، لكنه قدم للمسرح العديد من الأعمال الناجحة مثل «ليلة من ألف ليلة» 2015 واستمرت ثلاث سنوات بين التوقف والإعادة على خشبة المسرح القومى للمخرج محسن حلمي، نجحت نجاحا منقطع النظير حقق بها أعلى إيرادات فى تاريخ المسرح القومي، وكذلك عروض»حضرات السادة»، «بكالوريوس فى حكم الشعوب»، «غراميات عطوة أبو مطوة»، «جوازة طلياني»، «راقصة قطاع عام»، «البهلوان»،  «كيمو والفستان الأزرق».
■ ■
لن تكفى المساحة للحديث عن نجم كبير فى حجم الفنان يحيى الفخرانى لأنه لم يكتف بطرق باب واحد فى فن التمثيل بل طرق كل الأبواب وله بصمته فى كل انواع الفنون المسموعة والمرئية فى السينما والمسرح والإذاعة والتليفزيون.
كانت حياته حافلة بالتجارب والمغامرات حصل على بكالوريس الطب والجراحة سنة 1971 من جامعة عين شمس، وكان عضوا بارزا فى فريق التمثيل بالكلية، ثم حصل على جائزة أحسن ممثل على مستوى الجامعات المصرية.
أثرى الفخرانى الساحة الفنية بإبداعه وخياله الفنى غير المحدود وكان ولا يزال يمتع جمهوره إلى لحظة كتابة هذه السطور.. هو فن له قيمة.. هو أداء يستحق التكريم.. من أجل هذا وأكثر وجدناه يستحق «وسام الاحترام».

روزاليوسف