الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الحكومة تحوّل أرض «السيدة زينب» إلى «روضة» من رياض الدولة

الحكومة تحوّل أرض «السيدة زينب» إلى «روضة» من رياض الدولة
الحكومة تحوّل أرض «السيدة زينب» إلى «روضة» من رياض الدولة




«احنا اتولدنا من جديد» بتلك الجملة عبرت أمل عمر، عن شعورها تجاه الحياة الآدمية التى تنتظرها هى وطفلاها فى «روضة السيدة» وهو نفس الحى الذى كانت تسكنه قبل أن يطاله رياح التطوير، إذ تحول ـ بقدرة الدولة ـ من منطقة خطرة غير صالحة للحياة، إلى مجمع سكنى حضرى، ترعاه مؤسسات الدولة المعنية بكل أجهزتها. فـ «أمل» واحدة من 3500 مواطن كانوا يقطنون ذلك الحى الذى كان منكوبًا بالعشوائية، قبل أن تدب فيه الحياة. قديمًا «قبل التطوير» كان يعرف باسم «تل العقارب» والآن اختار له الأهالى اسما جديدًا، له من وصفه نصيب، إذ أطلقوا عليه «روضة السيدة» ليكون أول خطوة فى طريق تطوير تلك المنطقة الهامة فى قلب العاصمة وهى السيدة زينب.

أخذت «روزاليوسف» على عاتقها رصد الإجراءات التى تقوم بها الدولة فى هذه المنطقة الهامة، لتتلمس ـ عبر هذا التحقيق ـ معالم التغيير الذى حدث على الأرض، وترصد عبر جولات ميدانية مشاعر الأهالى تجاهه، ليحكوا لنا ـ من مواقع معايشتهم ـ عمق هذا التطوير، ومدى تأثيره على حياتهم.
بسعادة ملحوظة، قارنت «أمل»، 49 عامًا، بين حى «تل العقارب» قبل وبعد التطوير قائلة: «شتان ما بين الوضعين، فلا يوجد أدنى وجه للشبه، فتل العقارب فى الماضى كان منطقة خطرة، بؤرة للأمراض، السكن فيها مخيف، خصوصًا أنى سيدة مطلقة، وأبنائى صغار». تحكى «أمل» عن مشاعرها فى الحى قبل تطويره قائلة: «حالتنا النفسية كانت تسوء لمجرد النظر لأوضاع تل العقارب، فالصرف الصحى طافح فى كل مكان، وانهيارات المساكن المتهالكة المتكررة كانت تسبب لنا فزعا دائما».
«أنا بحب الرسم جدًا، وبعد ما لقيت المنطقة المخيفة اللى كنت سكنة فيها بقت جنة، قررت ارسم صورة للريس عبد الفتاح السيسى، دى أقل حاجة ممكن أقدمها له بعد ما غير حياتنا» هكذا قالت أمل فى ختام حديثها معنا.
«مستنية العودة لتل العقارب بفارغ الصبر، مشتاقة للحياة الجديدة والراحة النفسية هناك بعد التطوير، المكان حقيقى بقى يليق بآدميتنا» بتلك الجمل، عبرت إحدى السيدات التى كانت تسكن منطقة «تل العقارب» ـ طلبت عدم ذكر اسمها ـ مضيفة أنها عاشت فى ذلك الحى 15 عامًا، عانت خلالهم من ضيق السكن وتدهور المرافق، وكلما مرت السنين اكتظت العشش بالسكان، وانتشرت الأمراض بين الأطفال، علاوة على اتساع رقعة المشاجرات والمشاحنات بين السكان بشكل يومى. قائلة: «اتحمست جدًا لما طرحوا فكرة تطوير تل العقارب، وأقنعت جيرانى بأنهم يوافقوا، كنت متأكدة أن حياتنا ـ أنا وعيالى ـ هتختلف، وهبقى متطمنة على مستقبلهم، وفعلا اللى توقعته حصل».
السيدة أكدت لـ «روزاليوسف» أنها كانت تتوجه ـ هى وجيرانها ـ إلى إدارة حى السيدة زينب لتحصل على مبلغ 1200 جنيه شهريًا، بشكل منتظم، وهو مبلغ خصصته الدولة كإعانة لهم من أجل استأجار شقة صغيرة، يقطنونها لحين الانتهاء من تطوير المشروع.
تجولت «روزاليوسف» داخل منطقة «الروضة 1» بحى السيدة زينب، إذ أجمع كل من التقتهم على أن التطوير الذى حدث لمنطقة «تل العقارب» يفوق تصوراتهم، مؤكدين أن المنطقة كانت بائسة بسكانها الفقراء كما كانت ملاذا للحيوانات الضالة، ومخبئًا للثعابين والعقارب التى كانت تتخذ من القمامة المتراكمة بيتًا، يزاحمون السكان فى حياتهم ويهددون بقاءهم على قيد الحياة فى أوقات كثيرة.
منطقة خطرة ضد الحياة
قصة تطوير المنطقة بدأت منذ 18 شهرًا، بعد توجيهات رئاسية للحكومة لخلق حياة آدمية لكل مواطن، والآن تتأهب منطقة «روضة السيدة» لاستقبال الأهالى الذين كانوا يقطنونها قبل التطوير. ليتسلموا وحداتهم السكنية هناك كاملة المرافق والبنية التحتية، بحلول إبريل المقبل.
التحول الجذرى الذى رصدناه فى هذا التحقيق لملامح حى تل العقارب، قبل وبعد التطوير، يقف خلفه صندوق تطوير العشوائيات التابع لرئاسة مجلس الوزراء، وهو أول خطوة فى تطوير حى السيدة زينب «الذى يتم على ثلاث مراحل» بدأت بتل العقارب، وتمتد لتطوير المنطقة بأكملها حتى سور مجرى العيون، وذلك تنفيذا لبرنامج «حياة كريمة لشعب عظيم» الذى وجّه به رئيس الجمهورية.
«منطقة خطرة لا تصلح للحياة» هكذا وصف المهندس خالد صديق، المدير التنفيذى لصندوق تطوير المناطق العشوائية، منطقة تل العقارب قبل التطوير، قائلًا إنها إحدى المناطق العشوائية المسجلة بالصندوق ضمن مناطق الخطورة من الدرجة الثانية لكونها سكنا غير ملائم.
يوضح «صديق» الحالة التى كانت عليها المنطقة قبل خضوعها للتطوير: «أن المنطقة تقع على تلة مرتفعة من 4 إلى 12 مترًا، وهى عبارة عن طبقات من الردم، مختلفة التكوين، ومخلفات بناء، وقمامة، ومواد جيرية تمتد من سطح الأرض إلى عمق يصل إلى 5.5 متر، تبلغ مساحة المنطقة 7.5 فدان، ويقطنها حوالى 3500 نسمة».
يضيف «صديق» أن المنطقة بالكامل كانت سابقًا فى حالة إنشائية سيئة، بيوتها من طابق أو طابقين، مبنية من مخلفات البناء، ودورات المياه بها مشتركة، إضافة إلى أن حالة الصرف الصحى بها سيئة، ومنتشرة هناك حنفيات مياه عمومية، مما يتسبب فى حالات مرضية.
المدير التنفيذى لصندوق تطوير المناطق العشوائية، أكد لمعد التحقيق أنه روعى فى تصميم الحى أن يكون متماشيًا ومحافظًا على الطابع المعمارى للمنطقة المنتمى إلى العصر الفاطمي، وعليه كلف استشارى لدراسة التصميم المعمارى المناسب، فجاء محاكيا للنسق المعمارى لمنطقة السيدة زينب، الشهيرة بالطابع الإسلامى المميز والمشربيات الخشبية.
يقول «صديق»: «إن تصميم مبانى المشروع مكون من دور أرضى «تجارى» وخمسة طوابق سكنية، بإجمالى عدد وحدات 816 وحدة سكنية، بالإضافة إلى 198 وحدة تجارية، بمساحات مختلفة تصل إلى 166 مترا مربعا، تصلح لجميع الأنشطة، إذ فكرنا فى أن المنطقة قد تتحول إلى مكان جذب سياحى وتجارى، تضاهى شارع المعز، فالشوارع رصفت بـ«الإنترلوك»، مع منع مرور السيارات فى الشوراع هناك ـ إلا للطوارئ» موضحا أن المشروع انتهى بالكامل، وجار حاليًا، فرش الوحدات بالأثاث والأجهزة اللازمة للمعيشة».
# الدعم النفسى واجب
الدكتور محمد إبراهيم، أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس، رأى أن النقلة النوعية التى تحدث فى حياة سكان «تل العقارب» «العائدين إلى منطقتهم بعد التطوير» تستوجب إرشادًا نفسيًا، خاصة المراهقين. قائلًا: «إن تحويل المنطقة من عشوائية إلى مكان حضارى، إنسانى، لا بد أن يواكبه تغيير فى سلوك الأفراد»
«إبراهيم» شرح لـ «روزاليوسف» وجهة نظره فى هذا الصدد: «قبل تطوير تل العقارب كان المواطن يعيش فى مجتمع مزدحم باستمرار، لا خصوصية، ولا رؤية مستقبلية، العشش فى كل مكان، الأجواء مشحونة بالصراعات، والعدوانية، حيث لا أمل فى مستقبل جيد».
أستاذ الصحة النفسية أوضح: «أن الطفل الذى يعيش فى غرفة واحدة مع والده ووالدته وإخوته تكون لديه اضطرابات نفسية، تتشكل إما فى الولع بالعلاقات الخاصة أو المخاوف المرضية من أى علاقة ما بين طرفين، حتى وإن كانت علاقة صداقة، لذلك من الضرورى الاستعانة بالإرشاد النفسى، حتى يتجاوز الفرد ما كان يعانيه ويترسخ فى نفسيته، وليتعرف على نقاط ضعفه وقوته».
الدكتورة نجوى خليل، عضو المجلس القومى للمرأة؛ ومدير المركز القومى للعلوم الإجتماعية والجنائية سابقًا، أكدت لـ«روزاليوسف» أن المجلس شكل لجنة لتوجيه السكان لطريقه حياتهم الجديدة، مع بداية التسكين. قائلة: «إنهم بالتأكيد كانوا قد اكتسبوا ممارسة عنيفة فى حياتهم اليومية، لذا ترافق هذه اللجنة قوافل طبية ومكتبات متنقلة لتنوير الأهالى، حتى يحافظوا على ما تم تحديثه من ملاعب ومرافق».
# فلسفة الحياة الآمنة
إيهاب الحنفي، منسق عام صندوق تطوير العشوائيات، فنّد لمعد التحقيق التكلفة المادية للمشروع، وأبعاده ومراحله، قائلًا: «إن التكلفة الإجمالية للمشروع بلغت 330 مليون جنيه، وتحملت الحكومة مقابل إيجارات المساكن البديلة لأهل تل العقارب لحين الانتهاء من المشروع، إذ كانت كل أسرة تتقاضى 1200 جنيه شهريًا، كما نقلت بعض الأسر لمساكن عثمان بمدينة 6 أكتوبر، وقد انتهينا من فرش 500 وحدة حتى الآن، وجار فرش 816 وحدة سكنية حاليًا».
ويفسر «الحنفي» فلسفة تطوير المشروع قائلا إن التطوير والتوسع بشكل رأسى لا يعنى بالضروره زيادة عدد الوحدات السكنية، ففى الوضع السابق كانت العشش متلاصقة، أما الآن فالامر مختلف بشكل جذري، إذ راعينا ضرورة وجود مسافات آمنة بين العقارات، فهناك خدمات وطرق امتد بعدها ليصل حتى 20 مترا، ومع ذلك تم مراعاه أن تزيد عدد الوحدات عن العدد المستحق لها، حيث سيتم تسكين حوالى 600 أسرة والـ300 وحدة المتبقية سينتقل إليها بعض الأسر من منطقة «الطيبى»، وهى المرحلة الثانية التى سيجرى تطويرها، والتى ستتغير لتصبح «روضة السيدة (2)»
ويؤكد منسق عام صندوق تطوير العشوائيات أن سياسات الصندوق تعتمد على تحقيق مبدأ العدالة الإجتماعية وضمان حق المواطن فى الحصول على مسكن آمن؛ مع تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية، من خلال توطين سكان المناطق العشوائية بنفس المواقع أو بأقرب مناطق مجاورة، وتطبيق مبادئ الشراكة مع الأهالى فى مشروعات تطوير المناطق العشوائية، ودعم الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدنى والقطاع الخاص، وتفعيل الشراكة مع الجهات المانحة لتنفيذ أولويات الدولة لتطوير المناطق غير الآمنة، وكل هذه المبادئ تتحقق بالفعل فى مشروع التطوير الحالى إذ تتحمل مؤسسات المجتمع المدنى تكلفة فرش الوحدات بالكامل بحيث يتسلمها صاحبها كاملة المرافق والاثاث.
محمد الخطيب، استشارى مشروع روضة السيدة والمواردى، استعرض مع معد التحقيق خطة تطوير المنطقة، مؤكدًا أن الخطة تتلخص فى «إعادة هيكلة المنطقة التاريخيه ككل، وقد بدأت بمنطقة «تل العقارب» التى كانت تعد أسوأ المناطق داخل الحى، يليها منطقة «الطيبى» مساحتها 8 أفدنة، ومن المتوقع أن يصبح الإخلاء فى المناطق الأخرى أسهل كثيرًا، بعد أن اكتسبنا ثقه السكان بمشروع «الروضة 1»، فتطوير «تل العقارب» جعل مناطق «الطيبي» و«المواردى» و«السد البرانى» و«سور مجرى العيون» أماكن تحتاج للتطوير. وهو ما سوف يحدث وستتحول إلى «روضة 2/3/4»، على أن تكون مساحات الوحدات السكنية بالمشروع تتراوح بين 62 مترا إلى 92 مترًا فى الادوار العليا.
«الخطيب» أكد أن العمل فى منطقة «المواردى» المواجهة لتل العقارب، سيبدأ خلال شهرين من الآن، أنه أعيد التخطيط لها لتتسم بالروح المصرية الخالصة، إذ ستتحول إلى مطاعم للأكلات المصرية فقط «الفشّة والكرشّة والكشرى» إلى جانب منطقة مقاه ذات طابع مصرى، وبازارات لتعزيز الرواج السياحى، وسوف يخصص الدور الأخير للفلكلور المصرى، والتنورة والموالد والإنشاد الدينى، بهدف إحياء التراث، وسوف يتم تخصيص جراج يتسع لحوالى 600 سيارة، لخدمه مرتادى هذه المنطقة التاريخية.