الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

شعراء خلدوا سير أمهاتهم فتوهجوا شعرًا وجمالًا

شعراء خلدوا سير أمهاتهم فتوهجوا شعرًا وجمالًا
شعراء خلدوا سير أمهاتهم فتوهجوا شعرًا وجمالًا




تخط الأمهات أولى الخطوط الإبداعية فى حياة أبنائهم منذ اللحظة الأولى لالتقاء عيونهن بعين أبنائهم فتلقى برحيق روحها لتمتد وتزهر نبتتهم الخضراء فترعاها بكل حب وحنان رغم المشقة والألم والعناء وتحتوى كل غضبة وزفرة وتمرد وتنتظر أن تهدهدهم ثم تهذبهم الحياة على مقربة من جناحيها فدائمًا هى فى الانتظار ودائمًا منها وإليها الفرار.

نزار قبانى وقصة القديسة الحلوة

ولد نزار قبانى سنة 1923، فى» مئذنة الشحم» فى دمشق، ليعيش طفولته مدللًا بين إخوته، فى منزله الدمشقى الأصيل، وهو من البيوت الشامية القديمة، ويتكون من طابقين، أحدهما باحة مكشوفة مصنوعة من الرخام والأعمدة الرخامية، التى يتسلقها الياسمين الأبيض والورد الأحمر وفيها شجر الليمون، وفى منتصف الباحة نافورة مياه
نشأ نزار فى هذا الجو الرومانسى الجميل، تربطه بأمه علاقة حميمة. فقد ظلت ترضعه من صدرها حتى بلغ السابعة من عمره، وتطعمه الطعام بيدها حتى بلغ الثالثة عشرة من عمره، حتى قالوا عنه إنه يعانى من عقدة «أوديب» عاشق أمه، حتى أن بعض العلماء النفسيين أخذ يطبق علم النفس على شعر نزار، ويرى أن سر استعماله كلمة «نهد» هو طول فترة رضاعته
وعندما كان فى الثالثة عشرة من عمره كان ضيوف أبيه يسألون: «ماهى اهتمامات نزار؟» فيجيبهم والده بكل بساطة :»ابنى يريد أن يكون شاعرًا» فيتغير لون سائليه، ويتصبب العرق البارد من جباههم ويلتفتون إلى بعضهم قائلين: «لا حول ولا قوة الا بالله..قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ، لكن نزار لم يبدأ حياته شاعرًا بل بدأ بأشياء فنية أخرى مثل الرسم، وكان مولعًا بالألوان ويصبغ الجدران بها. وأدرك أنه لن يكون رسامًا عبقريًا، فقرر أن يجرب الموسيقى والتلحين، فأحضر عودًا وطلب من أمه أن تأتى له بأستاذ يعلمه العود والموسيقى. وبدأ يتلقى دروسه الموسيقية. لكن الأستاذ بدأ معه بطريقة غير موفقة، فقد بدأ يعلمه النوتة الموسيقية، وهى علم مثل الرياضيات، حسب قوله، وهو يكره الرياضيات، وبتشجيع ودأب من أمه شق طريقه فى الشعر والكتابة فلمع نجمه حتى الآن.

الأبنودى والرؤية بعيون

فاطمة دائمًا ما كان يتباهى الشاعر عبدالرحمن الأبنودى بانتمائه لوالدته فاطمة قنديل أكثر من والده الشيخ محمود مأذون القرية فهى بالرغم من أميتها علمته كيف يكتب الشعر، «أمى هى الشجرة المظللة التى أدين لها بالأبنودى كله».
وقال الأبنودى فى أحد لقاءاته: «ما سمعته من أمى شحننى بتجربة خرافية كانت دائمًا لصيقة بالغناء، لأنه فى أبنود يشكل علاقة فريدة مع الحياة، كالحر والبرد والظل والشمس والليل والنهار والجوع والشبع، لا يوجد فعل لا يصاحبه غناء فى تلك القرية وفى بيتنا الفقير بالذات. لذلك كانت فاطمة مصدر الوحى فى كل الأغانى والشعر التى كتبها الخال فكان يغمض عينيه ويتذكر موقف أو كلمة لها ويبنى عليها فكرته، فكان يرى الحياة والشعر بعيون فاطمة وهى تكتب بيده. وحكت له فاطمة والجدة ست أبوها حكايات السيرة الهلالية عندما كان طفلًا وعلقاه بها فذهب إلى البندر يستمع لشعراء الربابة الذين يحكون حكايات أبو زيد، ومن هنا بدأت بذرة الشاعر تكبر فى داخله، وكتب أول قصيدة له «حبة كلام»، وما إن رآها الشيخ محمود الأبنودى حتى مزقها، فشجعته قنديلة على مواصلة الكتابة، فأرسل عدة قصائد إلى صلاح جاهين وخصص له عامود فى جريدة الأهرام، ولم يكتف بذلك بل أرسل أغنيتين للإذاعة «هما بالسلامة يا حبيبي» و«تحت الشجر يا وهيبة»، وهو النجاح الذى نسبه عبدالرحمن لدعاء والدته وتشجيعها، وفى كل قصائد الأبنودى تجد فاطمة حاضرة حتى فى حزنه سوف تلمح طيفها بين سطور شعره.