الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

نادين لبكى لـ«روزاليوسف»: بطل «كفر ناحوم» من الشارع

نادين لبكى لـ«روزاليوسف»: بطل «كفر ناحوم» من الشارع
نادين لبكى لـ«روزاليوسف»: بطل «كفر ناحوم» من الشارع




حالة من العواطف المختلطة والثورة النفسية تسكنك فور مشاهدة فيلم «كفر ناحوم»، ففى خلال ساعتين استطاعت المخرجة نادين لبكى رصد أبشع الجرائم الانسانية التى يتم ارتكابها فى حق الطفل العربى خاصة سكان العشوائيات الذين لا تعترف بهم دولهم لوجودهم تحت خط الفقر. ورغم حصول الفيلم على العديد من الجوائز العالمية التى رفعت اسم السينما اللبنانية الا ان البعض شن هجوما على لبكى واتهموها بتشويه الواقع الذى تعيشه لبنان والمتاجرة بآلام الاطفال دون ايجاد حل جذرى لهم.
وفى الحوار التالى كشفت لبكى الكثير من التفاصيل الخاصة بالفيلم وكواليس تصويره والمشاكل التى قابلتها.. فإلى نص الحوار..


■ فى البداية لماذا وقع اختيارك على قضية الأطفال المشردين لتقديمها فى عمل فنى؟
- رؤيتى طوال الوقت لآلاف الأطفال المشردين والمهدورة حقوقهم داخل بلادنا، وهم يعملون فى الإشارات المرورية وغيرها من الأعمال المهمشة، فكان هذا دافعا قويا لى كسينمائية لأن استخدم فنى وجعله وسيلة لعرض مشكلاتهم على المجتمع وتوصيل صورتهم ومعاناتهم، فكل منا يحاول المساعدة بمجاله، وكان أمامى خيار من الاثنين اما ان احاول المساعدة بطريقتى وإما انى اغض بصري، واخترت أن أكون إنسانة وأقوم بواجبى نحوهم.
ولكنك أقحمتى العديد من القضايا بفيلم واحد.. فهل هذا كان مقصودا؟
نعم صممت ان اقدم ما يشبه الصدمة للجمهور وإحداث ثورة نفسية كبيرة بداخل كل واحد بأنه يجب ان يتحرك لقضية هؤلاء الاطفال فالأمر ليس فقط مقتصرا على لبنان او الوطن العربى لان هناك ملايين من الاطفال حول العالم يعانون من عدم توافر حياة كريمة لهم، مما يهدد بحدوث مصيبة مستقبلية، لأن هؤلاء الاطفال من كثرة تعرضهم للإهمال يحملون غضبا بداخلهم تجاه المجتمع، فتخيلوا كيف سيكونون فى المستقبل.
■ كيف استقبل الجمهور اللبنانى الفيلم؟
- الجمهور أعجب به كثيرًا ولكن هناك فئة من الناس رفضوا الاعتراف بوجود هذه المشكلات، لانهم يرفضون التطلع لعيوب المجتمع او حلها، لذا يلجأون الى حل «غض البصر» والاقتناع بأن الحياة جميلة وأننا نهول من الأمور.. وهؤلاء لم يتقبلوا الفيلم بالطبع، ولكن الأغلبية أعجبوا به وتأثروا به، وبالمناسبة انا كنت اتوقع ردود فعل سلبية لأن الناس دائما ما يرفضون الاعتراف بوجود كل هذه المشاكل.
■ ما ردك على الاتهامات بالمتاجرة بقضايا الأطفال لاستعطاف الجمهور الغربى؟
- أولا مشكلة الأطفال المشردين موجودة بكل العالم، فهناك بلايين الأطفال الذين يعانون من الفقر  والتشرد فى جميع الدول.. والحقيقة أننا حاولنا تخفيف الواقع من حولنا لأنه أشد قسوة مما اظهرته بالفيلم، ولو عايشت أسرة من الأسر سوف نجد كل هذه القضايا مطروحة داخلها، مثل صفقات زواج القاصرات وسجن الاطفال والمتاجرة بالأطفال، كذلك الاتجار بالترامادول وغيرها من القضايا البشعة.
■ وماذا عن إدخال القضية السورية بلبنان؟
- عندما تعيشى بلبنان فستجدى ان هناك أكثر من مليون ونص مليون لاجئ حتى الآن وهذه المشكلة تنعكس اقتصاديا على البلد، والاقتصاد اللبنانى يعانى من عدة أزمات، وهو الأمر الذى ينعكس بشكل أو بآخر على الأطفال العاملين والمهمشين فى المجتمع.
أما فيما يتعلق بأمر إقحام قضية اللاجئيين السوريين فهو ليس حقيقة، ولكن عندما تتواجد فى العالم الخاص بهؤلاء الاطفال تجد ان قضية اللاجئين من أهم القضايا التى لا يمكن التغاضى عنها.
■ وماذا عن اختيار الممثلين خاصة الأطفال منهم؟
- تعمدت أن كل من يشارك بالعمل يكون من غير المحترفين والأطفال تم اختيارهم بشكل خاص من مناطق فقيرة ومن بيئة قريبة من الفيلم، وظلننا نعمل على «الكاستينج» فى عدد كبير من الأحياء الفقيرة والسجون والشوارع وغيرها من المناطق التى كنا نبحث فيها عن كاريزما ولد مثل «زين» بطل العمل، وبالفعل قمنا بالتعرف عليه فى الشارع وهو يعيش فى بيئة مشابهة لأحداث الفيلم ولكن ما يختلف عن العمل بأن والديه فى الحقيقة يراعيانه كثيرا، وهو من اللاجئين السوريين حضر للبنان مع اهله منذ 8 سنوات.
■ وكيف تمكنت من تدريبه؟
- زين لم يكن يمثل شخصية فهو من كثرة الظروف الصعبة التى عاشها بحياته الواقعية والعنف الاجتماعى الذى واجهه، أصبحت شخصيته مثل الرجل الناضج رغم انه ما زال طفلًا، فهو مثلًا لم يذهب الى الدراسة نظرًا لظروف أهله المادية الصعبة، وخلال تصوير العمل كان زين يتعامل مع الشخصية ليس كممثل لكنه كان يتعامل من تلقاء نفسه كرد فعله الشخصى عندما يتم وضعه فى هذه الحالة، وكذلك الأمر بالنسبة لباقى العاملين بالفيلم فكان هناك إطار اجتماعى نضعهم فيه وهم يتعايشون ويرتجلون بشخصياتهم الحقيقية.
■ البعض اتهم العمل بأنه لا يقدم حلولا حتى لأصحابه أنفسهم فالأطفال الذين ظهروا معك لم تتغير حياتهم؟
- انا ليس من مهامى ايجاد الحل، فانا فقط اقوم بعرض القضية، اما الأطفال الذين شاركونى فلو تحدثنا عن زين فهو حاليا التحق بمدرسة ويدرس مثل باقى ابناء سنه، ولكن ما زالت مشاكل باقى الأطفال بالمجتمع قائمة.
■ وكيف قمت بالتصرف مع الطفل الذى قدم دور يونس؟
- كان تدريبه صعبا كثيرا خاصة انه اصغرهم ولا يمكن التحكم بتصرفاته، وبالمناسبة هو فى الأصل بنت وأبواها عاملان هناك من دولتين افريقيتين، ورغم صعوبة توجيهها الا من الصدف أن ابنتى كانت بنفس عمرها، فكنت أعلم الكثير عن تفاصيل هذه السن وكيفية التفاهم معهم، متى يكونون جائعين ومتى يمكن إضحاكهم وهكذا، كما قمت بخلق جو من الألفة بينها وبين «زين» مع الوقت أصبحت الطفلة متعلقة به بشكل واقعى فى الفيلم.
 وقد استغرق تصوير الفيلم 6 أشهر فيجب ان اتعامل مع الاولاد الصغيرين بالصبر انا وكل فريق العمل.
■ لماذا اخترت اسم «كفر ناحوم»؟
- هذه المدينة القى عليها المسيح لعنة فأصبحت تعبر عن الخراب او الدمار، ونحن نستخدم ذلك المصطلح للتعبير عن مدى الخراب والفوضى التى وصل اليها حالنا، وكنت استخدم ذلك المصطلح كثيرًا أثناء دراستى سواء بالمقالات العربية او الفرنسية لاستعرض مهاراتى فى استخدام الكناية اللغوية أمام مدرسينى وقتها.. ووجدت ان هذا المسمى هو الاصلح لحالة الخراب التى وصل عليها اهل هذه الفئة.
■ وما تحضيراتك لنقل الواقع بهذه الدقة؟
- تمت كتابة الفيلم فى 3 سنوات قمت من خلالها بمعايشة هذه المناطق وحفظت مشاكلها، فانا بعيدة كل البعد عنهم ولا يمكن نقل صورة خاطئة او سطحية لذلك قمت بمعايشتهم بشكل يومي. وهذا ساعدنى على تصوير المشاهد المركزة على حقيقة.. فاخترت أماكن طبيعية فى السجون والمحاكم والبيوت والحارات الحقيقية.
ولم أكن أريد إضافة أشياء لا تمت بصلة للحقيقة حتى لا نظهر بأننا مبالغون او العكس، حتى إننا قمنا بالتصوير فى الأماكن الطبيعية كلها، وكان الناس داخل الأسواق يتعاملون مع ممثلين الفيلم على انهم بائعون حقيقيون من كثرة ما رفضنا ان نقيم حواجز حول التصوير او اى مظاهر تعرقل مسيرة الحياة الطبيعية التى ننقلها للشاشة.
■ ألم تتخوفى من تغيير نمط الأفلام التى تقدمينها؟
- لا، فأنا أردت ان أقدم رسالة اجتماعية مختلفة، وبدلا من ان نعطى بعض النقود لهؤلاء الاطفال ونقنع انفسنا باننا قمنا بالواجب، يجب ان نقدم لهم يد العون فى الحقيقة وكل منا يقوم بدوره.
■ قيل إنك لخصت الحل فى تحديد النسل عندما طالب زين أهله بألا ينجبوا مرة ثانية؟
- لا بالطبع فمن الظلم ان نلخص حل لكل المشاكل التى تم طرحها بالفيلم فلا ننكر ان زيادة المواليد بشكل كبير يشكل عبئا اقتصاديا على المجتمع والاسرة، ولكن لا يمكننا العتاب على الاهل وهم ايضا ضحايا لقسوة الحياة والحالة الاقتصادية المزرية.. فمثلا فكرة عدم تسجيل الولد كشخص بالدولة ترجع لضرورة دفع مبلغ مالى ضخم من قبل الاهالى لتسجيل المولود الجديد مما يجعل اغلب ابناء هذه الطبقة غير معترف بيهم بينما هم يتواجدون حولنا وبكثرة.
■ ما تقييمك للسينما اللبنانية بعد الطفرة التى حدثت بها خلال السنوات الماضية؟
- أعتقد ان السينما العربية بشكل عام أصبحت أكثر اهتماما بالأحداث والواقع الاجتماعى والمشاكل التى تعانى منها الشعوب.. فليست السينما اللبنانية فقط التى اصبحت تهتم بالآخر وبالقضايا التى طرأت على مجتمعاتنا الشرقية، بل رسالتنا كلنا كفنانين ان نطرح هذه القضايا لان السينما تعكس الواقع.