الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عروض جريئة لحركة مسرحية واعدة

عروض جريئة لحركة مسرحية واعدة
عروض جريئة لحركة مسرحية واعدة




دورة استثنائية لمهرجان استثنائى بالدورة التاسعة والعشرين من أيام الشارقة المسرحية والذى أقيمت فعالياته فى الفترة من 19 إلى 27 مارس الجارى؛ جاء الافتتاح هذا العام مغلفًا بالاحتفاء بالتراث المصرى, حيث افتتح المهرجان بالعرض الفائز بجائزة أفضل عرض عربى لعام 2018, «الطوق والإسورة» من مهرجان الهيئة العربية للمسرح، وسط حشد جماهيرى ضخم وبين جدران وهواء أحد بيوت مدينة الشارقة الأثرية بدولة الإمارات بيت «النابودا» قدم عرض «الطوق والإسورة» وأحسن المخرج ناصر عبدالمنعم استغلال جغرافيا المكان مما أضفى على العمل واقعية أكبر لأحداث الرواية الأشهر ليحيى الطاهر عبدالله, وزع المخرج على أروقة البيت أبطال عمله وتحرك الممثلون بين الحاضرين فى حميمية شديدة.

زخم مسرحى
مع انتهاء يوم الافتتاح بدأت حالة الزخم المسرحى الكبرى بأيام الشارقة المسرحية الذى تجاوز بتنظيمه الفنى الشكل المحلى المحدود أو بمعنى آخر أراد صناعه تقديم مهرجان محلى بفكر دولى أو عربى, ففى هذا المكان تقام فعاليات متلاحقة ضخمة قوية شديدة التنظيم والإتقان ما بين عروض المسابقة الرسمية وعروض الهامش والندوات التطبيقية المصاحبة لهذه العروض ثم الندوات والمحاور الفكرية، زحام شديد ونشاط كبير فى صناعة مهرجان يبدو ذاتى فى شكله يخص أهل بلده؛ بسبب اقتصاره على مشاركة أعمال إنتاج دولة الإمارات العربية فقط وحصر التنافس بينهم, بينما هو فى واقع الأمر شديد الاقتراب والالتحام مع الدول العربية المجاورة, ففى هذا المهرجان يحرص مديره أحمد بورحيمة كل عام على استقطاب أكبر عدد من المتخصصين والعاملين بمجال المسرح للمشاركة فى إقامة ورش وندوات نقدية تفتح المجال لنقل الخبرة للمسرح الإماراتى وللجدل والحوار حول شكل تقديم وصناعة العرض المسرحى وللجدل والاختلاف وتبادل الآراء حول مستوى الأعمال المسرحية المقدمة سواء داخل أو خارج التسابق, وبهذا التقليد يحقق المهرجان معادلته الصعبة بين إقامة مهرجان يهتم بالإنتاج المحلى فى المقام الأول ثم العرض والإطلاع على هذا الإنتاج من قبل المسرحيين من دول عربية مختلفة والاستفادة من خبرات ونقاشات هؤلاء حول فعاليات المهرجان وعروضه.

المسابقة والهامش
شارك خلال هذه الدورة أكثر من عمل ضمن فعاليات المسابقة الرسمية «أحمد بنت سالم» تأليف ناجى الحاى، وإخراج أحمد الأنصارى إنتاج فرقة جميعة كلباء للفنون الشعبية، «مجاريح» تأليف إسماعيل عبدالله إخراج أحمد العامرى فرقة مسرح الشارقة الوطنى، «الساعة الرابعة» تأليف طلال محمود إخراج إبراهيم سالم المسرح الحديث الشارقة، «العرجون القديم» تأليف وإخراج على جمال مسرح دبى الشعبى، «تلايا الليل» تأليف وإخراج مرعى الحليان مسرح رأس الخيمة الوطني، «أبو شنب» تأليف أحمد الماجد وإخراج حسن رجب مسرح دبى الأهلى، وعلى الهامش قدم عدد آخر من الأعمال المهمة منها «بنات النوخذة» تأليف بسمة يونس وإخراج إلهام محمد، «مغامرة المملوك جابر» تأليف سعد الله ونونس وإخراج أحمد عبد الله راشد، «صينية القشور» تأليف حميد الفارسى وإخراج علاء النعيمى، «مزيد من الكلام» تأليف صالح كرامة وإخراج مبارك ماشى، «بذور الشر» تأليف وإخراج مهند كريم.

صناعة الصورة
امتازت عروض هذه الدورة بتجاوز معظمها للمضمون والتقليدى على مستوى التناول البصرى حيث جاءت الصورة فى أغلب العروض متقنة الصنع حتى أنها أحيانا صنعت حالة خاصة ربما لو لم يبذل المخرج هذا الحجم فى تشكيل السينوغرافيا الإضاءة والملابس والمكياج والديكور والتنكيك الفنى الجديد لاختلف شكل العرض ومستواه جملة وتفصيلا وفى هذا العنصر على وجه التحديد اشترك أكثر من عرض فى جودة الشكل والمضمون معًا وإن شابه عيوبًا انقذها جودة التشكيل البصرى منها عروض «أحمد بنت سالم»، «مجاريح»، «الساعة الرابعة»، «العرجون القديم».. اهتم مخرجوا هذه العروض باكتمال العناصر الفنية باسثتناء عرضى «العرجون القديم» الذى كان شديد الاهتمام بالشكل على حساب المضمون ففى هذا العمل قدم المخرج تكنيكًا فنيًا فى صناعة شكل العرجون وهو الساق الذى يربط العنق بالنخلة صنع من هذا الشكل تكنيك وأسلوب مختلف فى استخدام الديكور بأجساد الممثلين الذين حملوه وارتدوه كأنهم نخل ذابل متحرك استخدم هذا الشكل فى أكثر من مشهد وبأكثر من زاوية وأسلوب معبر وموحى بانتقال أوضاع أبطاله وتبدل أحاولهم، وبالتالى تفوق هذا المخرج فى أسلوب استخدامه لديكور العرض على حساب اهتمامه بالدراما والتمثيل فى بعض الأحيان بسبب صعود وهبوط الأحداث بشكل مفاجئ فى مشاهد كثيرة لكنه نافس وبشدة على جائزة أفضل ديكور، وكذلك احتدمت المنافسة بينه وبين عرض «مجاريح» فى استخدام السينوغرافيا والديكور الذى ثبت فيها المخرج أحبال ممزقة على خشبة المسرح كاملة وكأنها جزوع نخل مبتورة خرجت من بطن الأرض لكننا نكتشف فى النهاية أنها أحبال تم قطعها من قبل وكأنها كانت محاولات سابقة لأشخاص آخرين لنيل الحرية، كما جاء أيضًا عرض «أحمد بنت سالم» من بين الأعمال المميزة والتى اهتم فيها المخرج بالشكل والمعنى والمضمون والتمثيل حيث كان لبطلة العمل الفتاة فى دور «أحمد» النصيب الأكبر من التفوق أما ما كان مفاجئا وصادما للحضور عرض «الساعة الرابعة» الذى قدم معالجة كوميدية فلسفية ساخرة لأوهام الإنسان وأمراضه الاجتماعية وتقوقعه داخل ذاته حتى ظن أنه يحتاج إلى استشارة الطبيب فى قالب كوميدى ممتع متقن الصنع على مستوى الكتابة والتمثيل والإخراج قدم أصحاب العمل عرضًا مسرحيًا جريئًا مختلفًا لا يشبه عروض المهرجان وقد لا يصنف كأحد عروض المهرجانات التى تعتاد دائما الارتباط بأشكال ومضامين فنية بعيدة عن الكوميديا والضحك لضمان التفوق والفوز بينما فى هذا العمل كسر المخرج كل التقاليد بجرأة شديدة فى شكل عروض المهرجانات ونافس وبقوة على كل الجوائز بذكاء ومهارة عالية، لم تكن عروض الهامش «بنات النوخذة» و«مغامرة المملوك جابر» أقل تميزًا بل اجتهد صناعها أيضا فى تقديم شكل مختلف ومغاير من المسرح، لذلك يعتبر أهم ما يميز هذه الدورة هو اكتشاف مواهب جديدة من شباب جرئ بدولة الإمارات يفتح الأفق نحو صناعة حركة مسرحية جدية ومغايرة للمعتاد, حيث تميزت معظم العروض بالجرأة فى تناول موضوعات شائكة خاصة فيما يتعلق بقضايا وحرية المرأة حتى تظن وكأنه مهرجان نسوى وكذلك انفتاح رؤيتهم فى شكل التناول الفنى باستخدام التعبير الحركى فى أغلب العروض المقدمة والذى قدمه صناعه بإتقان شديد وكذلك اتساع افق استخدام وتوظيف الصورة مما يبشر بصناعة حركة مسرحية قوية داخل الإمارات خلال السنوات القادمة وضخ المزيد من الشباب الموهوب صاحب الرؤى المنفتحة والمتنوعة كل منهم لا يشبه الآخر.