الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قنصوة وواقعية الإبداع

قنصوة وواقعية الإبداع
قنصوة وواقعية الإبداع




 

كسر التابوهات فى العلم والفن والأدب والحياة  هى مهمة المبدعين فكتابة نص النظرية العلمية يحتاج لسنوات من الدراسة ونظيرتها للتجربة ليخرج صاحبها بمجموعة من النتائج يعبر عنها بأسلوبه الخاص  فى بضعة سطور ثم يأتى من بعده أجيال من الباحثين يشرحونها فى كتب  ومجلدات ضخمة لتصنفها فى كلمة إبداع .. بينما الإبداع الحقيقى بعيداً عن كلكعة المصطلحات وتعقيداتها هو ما يلامس واقع البشر لا خيالات الفلاسفة ومدنهم الفاضلة ..ولعل المفكر والكاتب الكبير  صلاح قنصوة الذى رحل عن عالمنا أمس الأول بفكره وأسلوبه نسقاً خاصاً فى التفكير، يخرج على الأطر والأنماط المتعارف عليها والصور الجاهزة والمحفوظة والمكررة، يعتمد أسلوبه على إعمال العقل بجعل الفلسفة تنحاز إلى رجل الشارع ومع أفكاره التى تهفو دائماً إلى التغيير، وهى أفكار تسير فى ركب الثورة العلمية والتكنولوجية فى الوقت نفسه.
كان لقنصوة رؤية خاصة للثقافة الجماهيرية أوجزها فى كلمات فى حوار سابق له فقال السمة الأساسية للثورة العلمية والتكنولوجية الحادثة الآن هى سمة الجماهيرية، بحكم أن المصطلحات التى تولدت عن هذه الثورة تحمل هذا اللفظ، فنقول إنتاج جماهيري، ووسائل اتصال جماهيرية، ومجتمع جماهيرى والذى من المفترض أن يكون رجل الشارع والثقافة الجماهيرية تمثل عمق هذه الثقافة ومن هنا لا تنمية من دون إكساب هذه الاستنارة.
أسهم المفكر الراحل الدكتور صلاح قنصوة بالعديد من المؤلفات فى مجال الفلسفة، على مدار مشواره العلمي. كتاب «الموضوعية فى العلوم الإنسانية» يتصدى لبحث أشكال الموضوعية فى العلوم الانسانية ، وهو يستهدف الإجابة على السؤال التالي: هل هناك إمكانية لتأسيس علوم الإنسان على أرض الموضوعية الصلبة بحيث تختفى من مبحثها الأهواء والأغراض والتحيزات والأحكام المسبقة ... إلخ.
كتاب «فلسفة العلم» اختط المؤلف فى هذا الكتاب طريقا خاصة لفلسفة العلم تجعل من العلم فاعلية إنسانية، ومؤسسة ثقافية أو اجتماعية لها نوعيتها الخاصة من حيث الهدف والأسلوب، وتتميز بالمنهج الذى يدور معظم بحثنا حول إيضاح كل جوانبه.
ومهما يكن من تعدد التفاصيل والمصطلحات التى تشغل مساحة الكتاب، إلا أن خطأ محوريا واحدا يجمعها ويضمها الى اتجاه فلسفى محدد هو المذهب الإنساني، والكتاب يحمل دعوة للتخفف من بعض الأفكار والآراء التى صقلها طول الترديد والتكرار حول العلم،  وهو فى الوقت نفسه، محاولة لتخطى الأخدود العميق الذى يفصل بين العلم وسائر مجالات الثقافة الإنسانية.
كتاب «الدين والفكر والسياسة» ثمة كثير من التشابه بين جريمة النصب العادي، وجريمة النصب الفكرى، إذ أنهما يعتمدان على استغلال بعض النقائص فى شخصية الضحية بحيث يبدو الجانى والمجنى عليه شريكين فى تواطؤ من نوع ما، فكلاهما يهدف إلى الربح السريع و إختصار الجهد، وسذاجة المجنى عليه التى نقبلها عذراً له إنما فى الواقع تنحاز إلى الكسل فى ممارسة التفكير، ما يعنى فى نهاية الأمر الربح والفوز بالراحة كجائزة عن سلبيته وقعوده عن بذل الجهد، والكاتب يرى ضرورة طرح الأسئلة ويقدم المؤلف محاولة لمعالجتها: ماذا نصنع بنار أصحابنا من مستثمرى النصب الفكرى؟ ومن قبل ذلك، من هم هؤلاء وأيضاً هل هم جميعاً من أصحاب سوء الطوية؟
ولأن للكتاب الأول دائماً بالغ الأثر فى حياة كل مفكر فقد كان لإحدى روايات الجيب أثرها على حياة قنصوة  وكانت باسم «دمعة وابتسامة» للكاتب المجرى الأصل «جيبور فازري»، وهى تدور حول قصة حبه لامرأة فرنسية التقاها، خلال إقامته فى باريس ثم لقت مصرعها أثناء الحرب، تم اقتباسها فيما بعد عبر السينما العربية فى فيلم شهير باسم «عزيزتي»، لكن ما أثر على هو أسلوب المؤلف فى التعبير عن مأساته بطريقة ساخرة، وغير مألوفة من قبل، وعن أول قراءته الفلسفية كان كتاب بعنوان: «مدخل إلى الفلسفة» لمؤلفه «أزفلت كولب»، الذى قدم له إجابات جسورة على أسئلة محيرة لدى الإنسان وهو ما شجعه على طرح أسئلة جديدة، وعلى الاجتهاد فى البحث عن إجابات لها، كى لا يكون مجرد تابع لما يتلقاه، الأمر الذى دفعه إلى اتخاذ قرار الاشتغال بالفلسفة.
يذكر أن قنصوة تخرج من كلية الآداب جامعة القاهرة قسم الفلسفة عام 1957، عمل أستاذا ورئيس قسم الفلسفة فى كل من جامعة الزقازيق بمصر، وجامعة صنعاء باليمن ورئيسا للمعهد العالى للنقد الفنى بأكاديمية الفنون من 1993 حتى 1996، وعمل عضوًا بلجنة الفلسفة بالمجلس الأعلى للثقافة المصري، وخبيرا بلجنة الفلسفة وعلم الاجتماع بالمجمع اللغوى بالقاهرة، وعضو الرابطة الدولية لنقاد الفن التشكيلى «الأيكا» فى باريس، وهو عضو مؤسس للجمعية المصرية للفلسفة، والجمعية العربية للفلسفة، وجمعية الدراسات الجمالية، وجمعية النقد الأدبي، وجمعية محبى الفنون الجميلة، والجمعية المصرية للدراسات التاريخية.