الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الفتاوى الشاذة سلاح «داعش» فى معركة البقاء

الفتاوى الشاذة سلاح «داعش» فى معركة البقاء
الفتاوى الشاذة سلاح «داعش» فى معركة البقاء




بعد الإعلان عن هزيمة تنظيم داعش الإرهابى فى آخر معاقله بمدينة الباغوز شرقى سوريا، كشف المؤشر العالمى للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء بالعالم استخدام تنظيم داعش لسلاح الفتاوى فى مراحل الحشد والهزيمة.
حيث حلل مؤشر الإفتاء الخطاب الإفتائى للتنظيم منذ نشأته وظهوره على الساحة حيث بدأ بإطلاق دعاوى الحشد بهدف إقامة دولة الخلافة المزعومة، مرورًا بفتاوى التمكين والأسر واستلاب الأموال وانتهاك الأعراض، إلى أن انتهى بفتاوى الهزيمة فى الفترة الأخيرة التى تدعو إلى الصبر والثبات والتحفيز على نيل الشهادة فى مواجهة الأعداء.
وأوضح المؤشر أن التنظيم الإرهابى يستغل «سلاح الفتاوى» فى تحريك وصناعة الأحداث بشكل عام؛ لذا نجده يطوِّع الفتوى لتحقيق أهدافه التى تخدم التنظيم بنسبة تصل إلى  (90%)، كما بيَّن أن أبرز فتاوى الحشد تمثلت فى طاعة القائد والخليفة، واستغلال النساء والأطفال، وسرقة ونهب ممتلكات وآثار الدول، واللجوء لإباحة العملات الرقمية المشفرة لمزيد من البقاء وتمويل عناصر التنظيم، ونسف الهوية الوطنية، فى حين كانت أبرز فتاوى الهزيمة: الثبات والصبر والتبرع بالأموال والانقلاب على القائد والتذكير بالشهادة ودخول الجنة والحور العين.
وابتداءً من حيث انتهى الأمر بهزيمة التنظيم وخسارته لآخر معاقله أكد المؤشر العالمى للفتوى أن التنظيم استخدم سلاح الفتاوى ليعيد الروح من جديد فى جسد التنظيم المنهار، والإعلان عن موته إكلينيكيًّا حيث بدأ يحث أتباعه على الثبات وعدم اليأس والتبرع بالمال والنفس فداءً لبقائه.
وكشف مؤشر الفتوى فى ظل الدعوات التى تطالب بالانقلاب على البغدادى الذى لم يشارك فى المعارك والذى انقطعت صلته بالتنظيم بعد الهزيمة التى مُنى بها أتباعه؛ أن فتاوى الانقلاب على القائد جاءت بنسبة (30%) من فتاوى الهزيمة وانحسار مناطق نفوذ التنظيم، ومن ذلك ما أفتى به مهاجرون عرب من قادة التنظيم عبر وسائل التواصل الاجتماعى : «إسقاط مبايعة أبى بكر البغدادى وعزله أمر شرعى، لعدم مشاركته فى المعارك الميدانية وانقطاع اتصاله بعناصره القتالية فى سوريا والعراق».
أما فتاوى التبرع بالأموال فجاءت بنسبة (25%) من جملة فتاوى التنظيم التى تحث على دعم التنظيم، ومن ذلك فتوى بثتها إذاعة البيان التابعة للتنظيم فى العام 2015م بـ»وجوب تبرع المجاهدين بأموالهم لإنفاقها فى سبيل الله»، فى حين مثلت فتاوى الصبر عند الهزيمة (20%) من جملة الفتاوى، وذلك مثل فتوى نشرتها إحدى قنوات «داعش» عبر تليجرام عام 2017 ونادت بــ«وجوب الصبر على الابتلاءات والهزائم التى يتعرض لها أبناء الخلافة».
ولفت المؤشر العالمى للفتوى النظر إلى أن فتاوى «عدم الدفاع عن المُلاحَقِين من قِبل الأمن» مثلت (15%) من فتاوى الهزيمة، وذلك كما ورد بفتوى فى إحدى قنوات «داعش» عبر تليجرام عام 2017 حيث قالت : «يجب الحفاظ على النفس وتسليم الأعضاء الذين تم اكتشافهم وعدم محاولة الدفاع عنهم عند محاصرة منازلهم».
وأخيرًا، جاءت فتاوى «الاستمرار فى الجهاد» و«الحث على الانتشار عبر تويتر» بنسبة (5%) لكل منها من جملة فتاوى الهزيمة والانحسار، فمن الأولى: فتوى وردت بإحدى قنوات داعش على تليجرام عام 2017 وقالت إن «دفع الصائلين فريضة وقتالهم من أعظم القربات»، ومن الثانية ما جاء أيضًا بإحدى قنوات داعش عبر تليجرام عام 2016 ونادت بـ «وجوب العودة والتفاعل عبر تويتر فهو بمثابة ميدان النزال مع الأعداء.. أحكموا الحسابات وأكثروا منها وانقلبوا على الكافرين».
وكشف مؤشر الفتوى العالمى عن أهم عوامل هزيمة التنظيم الإرهابى بعد محاصرته وهلاك معظم أتباعه، والتى كان أهمها: مقتل العديد من جنوده وأعضائه وهلاك القيادات والجيل الأول من أعضاء التنظيم الإرهابى بنسبة (30%) ، ومواصلة الأجهزة الأمنية فى العديد من الدول للمواجهة المباشرة وتتبع أعضاء «داعش» والمنتمين لها عبر السوشيال ميديا واختراق حساباتهم بنسبة  (25%)، وفقدان التنظيم الإرهابى لمصداقيته بين أتباعه وعموم المسلمين بعد بيان أن هدفه ليس نصرة الإسلام وإنما تحقيق مآربه الشخصية عبر نشر العنف والإرهاب وذلك بنسبة (20%).
أما آخر العوامل التى أدت إلى خسارة تنظيم داعش الإرهابى لنفوذه وانحساره، فقد أكد مؤشر الفتوى أنها تمثلت فى: «الخلافات الأيديولوجية مع التنظيمات الأخرى (مثل القاعدة)»، و«محاصرة مصادر تمويل التنظيم بعد الجهود الدولية الحثيثة لمواجهته اقتصاديًّا»، و«دراسة أفكاره وتحركاته والرد عليها بأسلوب علمى مؤصل»، مثلما فعلت دار الإفتاء المصرية من إنشاء مرصد الفتاوى التكفيرية ومرصد الإسلاموفوبيا.  
ولفت المؤشر إلى أنه فى عام2016 ، أظهر استطلاع آخر أجرته مؤسسة «Essential Report» أن (49%) من الأستراليين يؤيدون فرض حظر على هجرة المسلمين، غير أن المؤشر أورد دراسة أخرى أجراها باحثون فى جامعة «جريفث» الأسترالية، أظهرت أن نحو (70%) من الأستراليين أقرُّوا أنهم لا يعلمون «سوى القليل» بشأن الإسلام والمسلمين، لكننا نكرههم على أية حال.
 كما كشف مؤشر الفتوى أن فتاوى نسف الهوية الوطنية لدى التنظيم الإرهابى جاءت بنسبة (20%) من إجمالى فتاوى الحشد، واستدل على ذلك بفتوى لأحد قادة التنظيم عام 2015  والتى دعا خلالها بـ:»وجوب إعلاء وتقديم المصلحة العامة على مصلحة الأفراد والأوطان». وفى هذا السياق أكد المؤشر أن فتاوى تنظيم داعش الإرهابى تدعو لطمس الوطنية وتنسف فكرة الدول والحدود والأوطان، مشيرًا إلى أن مفهوم «الولاء والبراء» وهو سلاح مشوَّه يلصقون به الجهاد فى حق أتباعهم ويدفعونه فى حق مخالفيهم، كما أن الوطنية فى مفهومهم ومعتقداتهم هى ولاء الأفراد والأتباع أيًّا كان موضعهم لدولة الخلافة المزعومة.
واستمرارًا لرصد فتاوى حشد تنظيم داعش الإرهابى لمؤيديه وأتباعه فى بداياته، أكد مؤشر الفتوى العالمى أن فتاوى «داعش» القاضية بـ«جواز سرقة أعضاء البشر وجواز بيع التماثيل والآثار ونهب أموال الدول التى استولى عليها التنظيم وإباحة تجارة المخدرات» جاءت بنسبة 35% من فتاوى حشد التنظيم الإرهابى.
وأحصى مؤشر الفتوى العالمى بالنسبة المئوية العوامل التى أدت إلى بروز تنظيم داعش الإرهابى وتعدد مناطق نفوذه وبقائه على قيد الحياة طوال تلك الفترة، مشيرًا إلى أن تلك العوامل تباينت بين: تطويع الفتاوى لتحقيق أهدف التنظيم وتنفيذ أجندته فى مناطق وجوده بنسبة  (25%)، والاعتماد على العملات المشفرة والرقمية فى جميع تعاملاته المالية بنسبة (20%)
كما أشار المؤشر إلى استخدام تنظيم داعش الإرهابى للوسائل التكنولوجية الحديثة فى الحشد والاستعطاف والتواصل بين أتباعه بنسبة (18%)، وتجنيد النساء والأطفال بنسبة (12%)، وسرقة ونهب ثروات وآثار وممتلكات الدول والمناطق التى يقطن بها أفراده بنسبة (8%) ، والتجارة فى الأعضاء البشرية والمخدرات بنسبة (7%) ، وأخيرًا القدرة على نشر خلايا إرهابية فى أكثر من مكان وتزويدها بالأسلحة، واستغلال القضايا الدينية كقضية القدس بنسبة (5%) لكل منها.
وفى النهاية أوصت وحدة الدراسات الاستراتيجية بدار الإفتاء القائمة على عمل المؤشر العالمى للفتوى بضرورة مواصلة واستمرار مواجهة التنظيم الإرهابى وتضييق الخناق عليه عسكريًّا وفكريًّا، وكذلك ضرورة وجود واستحداث آليات جديدة للرد على كل الشائعات التى تروِّج على مدار الساعة، لأن هذه التنظيمات تستغل تلك الشائعات فى استقطاب الشباب.
كما طالبت بضرورة الحضور بقوة فى الساحات الافتراضية على الشبكات الإلكترونية، ومجابهة الإرهاب الإلكترونى؛ لأن وسائل التواصل تُعد الملاذ الأخير لهذه التنظيمات لنشر أفكارها الهدامة.