السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

شارل بودلير رائد «الرمزية» فى الشعر الفرنسى

شارل بودلير رائد «الرمزية» فى الشعر الفرنسى
شارل بودلير رائد «الرمزية» فى الشعر الفرنسى




«أنا غرفة انتظارٍ عتيقةٌ مليئةٌ بالورود الذابلة، يملأها خليطٌ عجيبٌ من أزياءٍ فات زمانها، ولا تتنفس فيها إلا الرسوم النائحة ولوحات «بوشيه» الشاحبة»، كان هذا هو وصف رائد المذهب الرمزى فى الشعر الفرنسى شارل بودلير (Charles Baudelaire)، الذى لم يكن لديه شعور مباشر لا تحمله نظرة مرهفة فى قصائده، كما أنه كان دائم التأمل لنفسه وذاته ولكن يحدث ذلك من خلال تأمله للأشياء المحيطة به.
وكانت حياة بودلير بائسة، مرتبكة، حملت الكثير من الآسى منذ بلوغه سن السادسة، وتحديدًا بعد وفاة والده، وزواج والدته بأحد العسكريين الصارمين.
وكانت طبيعة زوج والدته الصارمة لا تتناسب مع سلوك الفتى الصغير الذى بدأت شخصيته تتكشف مبكرًا، والتى ظهر أنها مضادة لكل تقاليد عائلته الصغيرة الصارمة، بل وصل الأمر الى النفور لأى قواعد وقوانين تحكمه، فرفض المدرسة، والمنزل البرجوازي، ثم رفض الزواج وتكوين أسرة، فكان يحلم بالتحرر من كل شئ ويسكر قواعد وتقاليد كل شىء.
وبسبب حياته الغير تقليدية والتى تميل إلى البوهيمية فى الكثير من الأوقات، استطاع بودلير أن يرسم نهجاً جديداً فى الشعر الفرنسى، كما أسس لمذهب الحداثة فى الأدب، وكان له العديد من التشبيهات الغريبة والمتداخله فى أبياته، فكان دائم الخلط بينها، فالأذن عين والعين أذن، وكان يمنح لحواسه بعداً آخر تخطى سطور القصيدة، وقطع المسافة الفاصلة بين وعى الإنسان وعقله الباطن، لذلك يمكن لمن يقرأ شعر بودلير أن يشعر بالموسيقى ويسمع العطر ويرى ما لا يرى.
ولد شارل بودلير فى باريس عام 1821، وبعد وفاة والده عانى الطفل الصغير من اهمال والدته، ما أثر على حياته الشخصية فيما بعد وسبب له صدماتٍ نفسيةٍ وأدى إلى حدوث العديد من التجاوزات غير السوية فى نمط حياته، كما ظهرت طبيعة علاقة بودلير مع والدته من خلال الرسائل التى كان يكتبها لها، حيث يقول فى إحدى الرسائل: «لم تكن فترة طفولتى بالنسبة لك إلا مرحلة حبٍّ كنت تعيشينها مع زوجك الجديد»، وبعد حصوله على الباكلوريا يقرر الشاعر الفرنسى التفرغ الى الشعر والآدب ويتجه ليسلك طريق آخر غير الذى كان يتمناه له زوج والدته وهو أن يلحقه بالسلك الدبلوماسى.
أصدر بودلير ديوان «أزهار الشر» النثرى فى عام 1857، وهو الديوان الذى وضع بودلير على ضفة الشهرة كشاعر تفوق برموزه وتجديده، لكن هذا الديوان واجه موجة عارمة من الانتقادات على مستوى المفكرين والمثقفين الفرنسيين، وعلى إثره تعرض بودلير للمحاكمة والغرامة بتهمة الإخلال بالآداب العامة، لطرحه مواضيع عن الجنس، واستخدامه كلماتٍ ورموزٍ جديدة على الشعر الفرنسي. ويرى النقاد أن بودلير قد وجد ضالته فيما كتبه الوزيوس بيرتيران من نثريات مستوحاة من ترجمات البالادات الاسكتلندية والألمانية الى الفرنسية، و»البالاد» وهو النص الذى يشبه «الموال القصصي» فى العربية وهو الشكل الذى استوحاه وردزورث وكوليريدج فى ثورتهما على جمود الكلاسيكية.