الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المترجم محمد نصر الدين الجبالى: الترجمة أسهمت فى التقارب ما بين روسيا والعالم العربى

المترجم محمد نصر الدين الجبالى: الترجمة أسهمت فى التقارب ما بين روسيا والعالم العربى
المترجم محمد نصر الدين الجبالى: الترجمة أسهمت فى التقارب ما بين روسيا والعالم العربى




تمثل أعمال الدكتور محمد نصر الدين الجبالى أستاذ اللغة الروسية ورئيس قسم اللغة الروسية بكلية الألسن بجامعة عين شمس جسرا للتواصل الثقافى والحضارى بين روسيا والعالم العربي، فهو يؤمن بأن الترجمة ليست نقلا من لغة إلى أخرى فحسب، وأن اللغة ليست مجرد آلة تعبير يمكن استبدالها بأخرى، بل هى فكر وثقافة ورؤية للعالم.. من أعماله: الاستراتيجية الأمريكية فى القرن العشرين، رواية «زمن النساء»، معجم المصطلحات السياسية والاقتصادية، تاريخ روسيا فى الشرق الأوسط من لينين إلى بوتين، حوار الحضارات.. روسيا والعالم الإسلامي، موسوعة الحج والحرمين الشريفين.. حجاج آسيا الوسطى- طاجكستان، وغيرهما كما ترجم إلى الروسية أعمال الروائى يوسف زيدان مثل عزازيل والنبطي.
عن دور الترجمة فى نهوض الأمم تحدث «الجبالي» قائلا: تعد الترجمة من أقدم أوجه النشاط الإنسانى حيث ظهرت بظهور الحاجة إلى وسيلة للتواصل بين الشعوب والأمم. وقد لعبت الترجمة ولا تزال دورا مهما فى التقارب بين الحضارات. ولا يخفى على أحد دور الترجمة المهم فى إحداث النهضة الأوروبية عندما نقل مترجمو أوروبا أمهات الكتب العربية خاصة فى العصرين الأموى والعباسى وكذلك فى عهد دولة الأندلس الإسلامية. وقد مرت عملية الترجمة من العربية إلى الروسية والعكس بعدة مراحل صعودا وهبوطا. وارتبط ذلك دائما بمدى اهتمام العلماء والباحثين والمترجمين وشغفهم بعلوم ومعارف وآداب الطرف الآخر.
وأضاف: قد ساعدت نهضة العرب تلك على الارتقاء بفن الترجمة حيث كان لهم العديد من الانجازات المشرقة سبقوا فيها أوروبا بخطوات. والأمر نفسه ينطبق على الإمبراطورية الروسية التى شهدت فى مرحلة حكم بطرس الأكبر سلسلة من الإصلاحات وحققت تقدما كبيرا فى عديد المجالات، وأيقن القائمون على حكم روسيا فى حينها أن بلادهم لا يمكن أن تتقدم فى اتجاه ميادين الإبداع العلمى والأدبى إلا بالاهتمام بالترجمة.
وعن دور الأدباء الروس والعرب فى انتعاش حركة الترجمة يقول:  كان للكتاب الروس والعرب دور كبير فى دفع حركة الترجمة من الروسية إلى العربية ومن العربية إلى الروسية الأمر الذى أسفر عن وجود عدد كبير من الأعمال المترجمة من الروسية إلى العربية على وجه الخصوص. وقد انطلقت عملية الترجمة بين العربية والروسية فى النصف الأول من القرن التاسع عشر. ويعد كل من الشيخ محمد عياد الطنطاوى والمستشرق الروسى اغناطيوس كراتشكوفسكى صاحبى الفضل الأول والأكبر فى تدشين هذه العملية.
 وعن دور الشيخ الطنطاوى فى التقارب الثقافى بين مصر وروسيا يقول: ولد الشيخ محمود عياد الطنطاوى فى مدينة طنطا بمحافظة الغربية وكان ذلك فى عام 1810م. وكانت مصر فى تلك الفترة تعيش فترة تنويرية لم تشهدها منذ زمن بعيد. وبات الاحتياج للترجمة شديداً وكذلك تحرير الترجمة. تعرف الشيخ على العلماء الأوربيين الشباب، وكان من بين تلاميذه المستشرقان الروسيان نيقولاى موخين ورودلف فرين اللذان كانا يخدمان فى القنصلية الروسية العامة، ومن خلالهما تمت دعوته للتدريس فى روسيا بإذن من القيصر وكان ذلك فى عام 1840.
وأضاف: قد عاش الطنطاوى نصف قرن فقط ورغم ذلك كان إنتاجه ضخما. حيث تتلمذ على يديه كثير من كبار المستشرقين الروس والذين ذاع صيتهم فيما بعد. وقد ترأس الطنطاوى قسم الدراسات الآسيوية بوزارة الخارجية الروسية ومنح أعلى وسام فى الإمبراطورية على جهوده فى نشر اللغة العربية والترجمة.
 وتناول «الجبالي» أهم المؤلفات التى تركها الشيخ الطنطاوى ومن أهم المؤلفات التى تركها الشيخ للتراث الإنسانى :كتاب «تحفة الأذكياء بأخبار بلاد الروسيا»  وكتاب «أحسن النخب فى معرفة لسان العرب»  الذى كتب باللغة الفرنسية وهو كتاب أكسب الطنطاوى شهرة واسعة فى كل أوروبا وغيرها من المصنفات الخاصة فى العقائد وقواعد اللغة والبلاغة وحتى الجبر والحساب والميراث، كما ترجم الأمثال العربية الشهيرة إلى اللغة الروسية.
 وعن دور شيخ المستعربين الروس كراتشكوفسكى فى نقل كنوز الثقافة العربية للروسية يقول «الجبالي»: يعد اغناطيوس كراتشكوفسكى أحد أهم مؤسسى مدرسة الاستشراق الروسية، ولد عام 1883م وقد تولى عمادة معهد الاستشراق فى موسكو فى الفترة من 1938-1945م. وقد ألف ما يزيد على 450 بحثا أو كتابا فى مجال التعريب والدراسات الشرقية ولعل أهمها ترجمته لمعانى القران الكريم إلى اللغة الروسية. كما يعد رائدا فى بحوث ودراسات تاريخ الأدب العربى الحديث فى روسيا وأوروبا. كما ترجم العديد من الأشعار العربية إلى الروسية، وقد شهد القرن الماضى إنتاجا مترجما مهما حيث مرت حركة الترجمة من وإلى العربية عدة مراحل صعودا وهبوطا نتوقف عند المحطات المهمة فيها.
 وكشف «الجبالي» عن دور المترجمين اللبنانيين فى التواصل العربى الروسى فيقول: فى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين نشطت الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية الروسية ومدارسها التى كانت تضم بين جنباتها آلاف الطلاب العرب. وقد انصبت معظم الترجمات فى تلك الفترة على التعريف بالأدب الروسى وتاريخ روسيا وحضارتها. ومن أبرز مترجمى تلك الفترة سليم قبعين وخليل بيدس ويعود لهما الفضل فى ترجمة بعض مؤلفات كبار الكتاب الروس.
و يؤرخ «الجبالي» للترجمات الروسية إلى العربية عبر لغات وسيطة فيقول:  شهدت فترة الحرب العالمية الأولى جمودا فى حركة الترجمة نظرا للظروف السياسية والإقليمية المحيطة ثم عادت ونشطت مرة أخرى انطلاقا من مصر هذه المرة. حيث أخذ المترجمون المصريون ينقلون أعمال الأدب الروسى إلى اللغة العربية ليس فقط عن اللغة الروسية ولكن عن لغات أخرى وسيطة كالإنجليزية والفرنسية. حيث ترجمت تقريبا كافة أعمال كبار الكتاب الروس ومنهم دوستويفسكى وتولستوى وتشيكوف. وشهد المسرح المصرى طفرة هائلة وازدهارا بفضل الاستفادة من هذه الأعمال. وقد لعب العامل الأيديولوجى دورا مهما فى ترجمة العديد من الأعمال التى تنوعت بين الاقتصادى والسياسى والاجتماعى أيضا. وأضاف: ثم كانت فترة الخمسينيات من القرن الماضى والتى شهدت ظهور ترجمات رائعة لأمهات الأدب الروسى وعلى رأسها الأعمال الكاملة لدوستيفسكى وتولستوي. وقد قام بهذا العمل الكبير الأديب الشهير السورى الدكتور سامى الدروبى والذى يعد أشهر من ترجم الأدب الروسى رغم عدم درايته باللغة الروسية حيث كان يترجم عن الفرنسية.
وتضمنت مكتبة الأدب العالمى التى أصدرها الاتحاد السوفيتى السابق أكثر من 200 مجلد تعريفى بالأدب العربى وترجمت نصوصا أدبية لكتاب عرب منهم الطيب صالح ونجيب محفوظ وعبد السلام العجيلى وجبران خليل جبران ومحمود درويش وعبد الرحمن الخميسى ومعين بسيسو وعلى عقله عرسان ويوسف السباعى ويوسف إدريس.
وتناول «الجبالى» نشاط دور النشر وأبرز المترجمين فى هذا السياق فقال: من بين دور النشر الروسية التى لعبت دورا مهما فى الترجمة نذكر دار نشر»رادوغا» و«التقدم». ومن المترجمين العرب الذين نشرت كتبهم من خلال دور النشر تلك أبو بكر يوسف من مصر ويوسف الحلاق وشوكت يوسف من سوريا وخيرى الضامن وغائب طعمه فرمان من العراق، أما أولئك الذين عملوا فى حقل الترجمة من العربية إلى الروسية فنذكر المترجمة الروسية أولجا فلاسوفا وفاليريا كيربيتشينكا وأولجا فرالوفا وفلاديمير شاجال.
و نوه «الجبالي» أنه بفضل المترجمين الروس والعرب تعرف القراء فى روسيا على مؤلفات أبرز الأدباء العرب المعاصرين من مصر وسوريه والعراق والمغرب العربي. وتشير الأرقام إلى أن ما صدر من مؤلفات الكتاب العرب فى العهد السوفيتى بلغ نحو 600 عنوان باللغة الروسية.
ويشير أن عملية الترجمة بين الروسية والعربية قطعت أشواطا هامة خلال عمرها الذى يزيد على قرن من الزمان حيث ترجم العرب خلال القرن العشرين معظم أعمال الكلاسيكيين الروس، وأعيدت ترجمة بعض تلك الأعمال، أما طباعتها فتمت مرات ومرات. فأعمال بوشكين وتولستوى ودوستيوفسكى وتورغينيف وتشيكوف وليرمونتوف كلها ترجمت إلى العربية. ونستطيع القول أن القرن العشرين قد شهد أوسع دوائر التأثير والتواصل بين المثقفين والأدباء والمبدعين فى كل من روسيا والعالم العربى ويرجع الفضل فى ذلك إلى حركة الترجمة.
وفيما يتعلق بواقعنا العربى فى الترجمة إلى الروسية يحلل «الجبالي» هذا الواقع فيقول: إنه يتسم بانعدام المنهجية وطغيان العمل الفردي. حيث ظل كل فرد يترجم فى زاويته دون خطة مشتركة أو توجه عام إلا محاولات قليلة قامت بها مؤسسات علمية تعنى بتدريس اللغة الروسية نذكر منها إسهامات أساتذة كلية الألسن بجامعة عين شمس وقسم اللغة الروسية بجامعة بغداد وكذلك برنامج اللغة الروسية بجامعة الملك سعود.
وتحدث «الجبالى» عن ترجمته  لكتاب «موسوعة الحج والحرمين الشريفين»- حجاج آسيا الوسطى- طاجكستان» فقال: هذه الترجمة تأتى ضمن مشروع عملاق لإعداد موسوعة شاملة للحج والحرمين الشريفين تحت الرعاية المباشرة لصاحب السمو الملكى الأمير سلمان بن عبد العزيز ولى عهد المملكة العربية السعودية. ويقوم على إعداد الموسوعة دارة الملك عبد العزيز التاريخية بالرياض. وقد دشن المشروع عام 2004 وشارف على الانتهاء. وتقع الموسوعة فى 37 جزءا تتناول رصدا شاملا وموسوعيا عن الحج والحرمين الشريفين، وذلك فى مختلف العصور منذ عصر ما قبل الإسلام وحتى وقتنا الحاضر، بطريقة شاملة تجمع الأبعاد الحضارية والثقافية.
و عن تجربته فى الترجمة يقول: أعترف بأنها كانت تجربة جديدة من نوعها واستفدت منها كثير خاصة فيما يتعلق بالمعلومات الثمينة والنادرة عن تاريخ رحلة الحج.
ويخلص «الجبالى» إلى القول بأن ما تم انجازه على طريق تحقيق حلم ترجمة جميع الأعمال الكبيرة فى الثقافتين يعد قدرا لا بأس به ويمكن البناء عليه. وفى ظنى فإن صياغة منهجية وخطط كبيرة لترجمة الإصدارات الهامة أولا بأول واستقطاب كافة المترجمين بين اللغتين والاستفادة منهم بالشكل الأمثل وتشجيعهم يمكن أن يؤتى ثمارا جيدة.