السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الكاتبة براءة جاسم: الحبّ هو البطلُ فى كلِّ ما أكتب

الكاتبة براءة جاسم: الحبّ هو البطلُ فى كلِّ ما أكتب
الكاتبة براءة جاسم: الحبّ هو البطلُ فى كلِّ ما أكتب




براءة جاسم طبيبة نفسية وكاتبة، درست الفلسفة وعلم الاجتماع، وصدر لها كتابى «براءة» و»إليك» عن دار روافد للنشر.
تناقش براءة من خلال كتابتها العديد من القضايا المجتمعية المرتبطة بالحب والعلاقات الاجتماعية، من نصوص تجمع بين الكتابة القصصية والمقالات الصحفية، والرسائل. عن رحلتها بين الطب والكتابة دار معها هذا الحوار


■ عنوانُ كتابك الأول «براءة»، وكتابك الثانى «إليك»، وفى داخل الكتابين هناك مخاطبٌ دومًا، فإلى من تكتب براءة جاسم؟
أكتبُ لكل من يقرأ، أمَّا إن كنتَ تقصدُ بأنى أخاطبُ شخصًا ما بعينه فالإجابةُ لا، أنا أخاطبُ الرجلَ عمومًا، الحبيب، الأخ، الصديق، الابن، الزوج، وكذلك الحال بالنسبة للمرأة، كما أننى أخاطبُ المجتمعَ ككل.
■ كتابُك الأول كان إهداءً إلى والدك، وبدأتِ كتابَك الثانى بإهداءٍ إلى الأب، ثم إلى الأم على على العكس من الشائع، إذ تحظى الأمُّ بحفاوةٍ أكبر، كيف ترينَ علاقتَك بوالديْكِ وعائلتِك؟
توُفِّى والدى قبلَ أن يصدُرَ كتابى الأول، فأردتُ أن يكونَ الإهداءُ إليه، لكنَّ قيمةَ ومكانةَ والدتى أطال اللهُ عمرَها محفوظةٌ فى القلب. والدى كانَ رجلًا من طرازٍ خاص لا يتكررُ، ويَشهدُ له بذلك كلُّ من عرَفَه.
أنا الابنةُ الوحيدة و»دلوعته» وكان دائمًا ما ينادِنى: «براءة حبيبتى»، فكانت كلمة «حبيبتى» لا تنفصلُ أبدًا عن ندائه لي، آمنَ بى وكانَ دائمًا يدفعُنى إلى الأمام، تعلمتُ منه الكثير، لكنه صعَّب المهمّة على أيِّ رجلٍ يدخُلُ حياتى، ذلك أنَّه علَّى سقفَ توقعاتى تجاهَ أى رجلٍ فيما بعد، كان رجلًا طيبًا، هادئًا، مثقَّفًا، متّزنًا، مُحبًّا ومحبوبًا جدا. لم يحدثْ قطّ أن رفعَ صوتَهُ أو عنّفنِى بأى شكل، ومنذ وُلدتُ والناسُ والأقاربُ ينادونَه «أبو براءة»، وكان دائمًا ما يعبّرُ عن فخرِه وسعادتِه بهذا اللقب، وأنه الأقربُ إلى قلبِه. أمَّا والدتى فكانت وما زالت الأمُّ والحبيبةُ والصديقةُ والسند، هى سرِّى وأمنى وأمانى وملجئي، أحبُّها وأحترمُها. أمِّى سيدةٌ قوية جدا ومحبة جدا، ضحَّت بالكثير من أجلى ومن أجل أفراد أسرتِها. أنا أعتبر نفسى ابنةً محظوظةً جدا لأنَّ اللهَ أكرمنى بأن أكونَ ابنةً لهُما.
■ التكنولوجيا ووسائلُ التواصلِ الاجتماعى لهما حضورٌ بارزٌ فى كتاباتك، برأيك كيف انعكسَ هذا التطورُ التكنولوچى على حياتِنا المعاصرة وعلى كتاباتك؟
ناقشتُ مشاكلَ التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعى فى كتاباتى كثيرًا، كتبتُ على سبيلِ المثال لا الحصر عن «الحُبّ الافتراضى»، وعمّن سميتُهم بـ «جوارح السوشال ميديا»، وعن التحدياتِ التى تواجهُ الآباءِ والأبناءِ فى عصر التطورِ التكنولوجي، ولكن لا أستطيعُ أن أُنكر دورهُ الإيجابى فى حياتِنا أيضًا. كإخصائية اجتماعية، ودكتورة نفسية، وكاتبة أستطيع القولَ إن وسائل التواصل الاجتماعيّ تساعدُنى فى رصدِ ظواهرَ كثيرةٍ كان يصعبُ رصدُها فى السابق، وأعتبرُها نافذةً أنظر من خلالها إلى العالم، وهى وسيلةٌ سريعةٌ تضعُ الكاتبَ فى مواجهةٍ حقيقيّةٍ مع القارئ، وتسمحُ بولادةٍ نقاشات متعدّدة، وقراءةِ الآراءِ دونَ وسيطٍ كما كان يحدثُ سابقًا. أحاولُ دائما أن آخذَ منها الإيجابيات قدر الاستطاعة، وأن أستفيدَ من سوءاتِها بأن أرصدَها وأحاولَ تحليلَها وأكتبَ عنها أو أجدَ لها حلولًا، وأتعاملَ معها بمنتهى الجديّة والتوازن، وأراجعَ الأراءَ والتعليقاتِ أولًا بأول لتزيد معرفتى بالمحيطِ الفكريّ العام.
■ الزمنُ وتغيّراتُه وآثارُه على الإنسانِ حاضرٌ بقوةٍ فى كتاباتكِ، إلى أى مدى يمثّلُ لكِ الزمنُ مصدرَ خوفٍ وقلقٍ أو مساحةً للتأمل؟
أنا متصالحةٌ مع الزمن وأعشقُ تأثيرَهُ عليَّ داخليًا، مرورُ الزمنِ وتجارِبُ الحياةِ تزيدنى نضجًا ووعيًا وإدراكًا، وبالتالى تتضحُ أولويات الأمورِ فى ذهني، بحيث لم تعد بعض الأمورِ غير المُجدية تأخذُ حيزًا أكبر، لكنّى أعترفُ بأنى فى بعضِ الأوقات لا أحبُّ ما يفعلُه الزمنُ بنا جسديًّا وصحيًّا.
■ العلاقاتُ العاطفيّةُ بين الرجلِ والمرأةِ والارتباطُ والزواجُ لهم حضورٌ كبيرٌ أيضًا فى كتاباتك، كيف ترينَ الحجمَ الكبير لحالاتِ الطلاقِ فى مجتمعاتِنا العربيّة؟
حالاتُ الطلاقِ مرتفعةٌ فى العالمِ كلّه وليس فى مجتمعاتنا العربيّة فقط. بعد أن كانت الأسبابُ الماديةُ تتصدرُ المراكزَ الأولى لأسباب الطلاقِ تراجعت وحلَّ مكانها أسبابٌ أخرى كالخيانةِ، والعنف، والتوقعاتِ غير الواقعيّةِ للزواج، وعدم تحمُّلِ المسؤولية.. إلخ. وفى مجتمعاتِنا على وجهِ التحديدِ، وفى كثيرٍ من الأوقاتِ يكونُ الزواجُ مبنيًّا على الخوف، الخوف من المجتمع، الخوف من تقدُّم العمر، الخوف من الوحدة، أضفْ إلى ذلك فكرةَ أن بعض الناس يتزوجُ لتحقيقِ احتياجات معينة، كالاستقرارِ المادى، أو الاستقلالِ والخروجِ من تحكّماتِ الأهل، وفى بعض الأحيانِ تكونُ الرغبةُ والشهوةُ وإشباعُ الغريزةِ هى المحركُ والدافعُ الأساسى للزواج عند بعض الناس، أضف إلى كل ذلك الاهتمامَ بالمظاهرِ السطحيّةِ للزواج، بالتالى من الطبيعيّ جدًا أن ينهارَ صرحُ الزواج ما دامَ الأساسُ الذى بنى عليه ضعيفًا وهشًّا.
■ كتاباتُك تمزجُ بين الكتابةِ القصصيّة والمقالاتِ الصحفيّة والرسائلِ البريديّة، لماذا اخترتِ هذا الأسلوب، وكيف ترينَ فكرةَ التصنيفِ الأدبي؟
لم أخترْ هذا الأسلوب، بل هو ما اختارني، وجدتُ نفسى فيه وأحببتُه. أما وكان موضوعى الأولُ والأخيرُ هو الإنسان، فحديثى معهُ ممتدٌّ متى توفَّرَ السبيلُ إلى ذلك، سواء عن طريقِ الرسائل أو المقالات أو القصص.. إلخ
ولكلٍّ متعتُهُ الخاصّةُ التى تميّزُه، ففى الرسائلِ أطرحُ موضوعاتٍ كثيرةً ومتشعّبَة، فتارةً أوجهُها لمن عاثَ فى قلبِ أحدهِم حزنًا، أو نثرَ فى روحِ أحدهِم ألمًا، أبتكر شخصيةً يتماهى فيها الناس، أناجى حبيبًا، أشكر صديقًا وإن كان ذلك افتراضيًّا من أجل توصيل رسالة ما.
أما طبيعةُ كتابة المقال فهى سرديةٌ وتقريريةٌ إلى حدٍّ ما، وفى أحيانٍ أخرى تكونُ القصةُ القصيرةُ بالنسبةِ إليَّ هى السبيلُ الأفضل للتعبيرِ أو لطرحِ فكرةٍ ما. بصراحة حين أكتبُ أو أقرأ لا يهمُّنى التصنيفُ بقدر ما يهمُّنى ما يقدَّم، فالفكرةُ هى الأساس، وبعدها تبدأُ الأعمدةُ فى الظهور، ليكتملَ البناء.
■ الحبُّ حاضرٌ دومًا فى كتاباتك، ما الذى يعنيه لك الحُبُّ، وإلى أى مدى تمارسينَ الكتابة بوصفِها صورةً من صُورِ المحبة؟
الحبّ هو البطلُ فى كلِّ ما أكتب، فهو إكسير الحياةِ فى نظري، وهو الباعثُ وراء تصرفاتنا سواء كنا مدركينَ لهذا أم لا، وهو الدافعُ وراء كلِّ الفنون، خاصةً الكتابة.
■ لا تخلو كتاباتكِ أيضًا من مشاعرِ الغيابِ والفقدِ والخذلان، فإلى أى مدى تمنحكِ الكتابةُ مساحةً للتصالحِ مع الحياة والتخفّف من تلك الآلام؟
أؤمن أن الكتابة متنفس، وفيها دواء للروح، فمن منا لم يعانى الغياب والفقد والخذلان، ولكن ليس كل ما أكتبه يعبر عني، فأنا أحاولُ قدر الإمكانِ أن أتخيلَ حالاتٍ مختلفة، وأن أتقمصَها لأعبِّر عنها بشكلٍ صادقٍ كما لو كانت الأزمةُ أزمتى أنا شخصيًا، وهذا الأسلوبُ قريبٌ إلى نفوسِ بعض القراء، أحاولُ من خلال ما أكتبُ أن ألمسَ الحقيقةَ قدر استطاعتي، وأعى أن ما أكتبُهُ يفسّرُهُ المتلقى من وجهة نظرِه، فهو يرتدى نظارةَ تجارِبِهِ وخبراتِهِ ليقرأ النصَّ من خلالِها فيخضع للتأويلاتِ المتعدّدة.
■ بجانبِ الكتابة الأدبية درستِ الترجمة، علمَ الاجتماع وعلمَ النفس، أى تلك المجالاتِ أقربُ إليك، وماذا وجدتِ فى كلٍّ منهم ولمْ تجِديه فى الآخر؟
الترجمةُ عالمٌ مختلف، وخصوصًا أننى كنتُ مترجمةً فوريةً فى المستشفيات ومع الشرطة وفى السجون، والترجمةُ الفوريّةُ فى السويد تختلفُ عما رأيتُه فى بعض الدول العربيّة، فأنا حين أترجمُ أتحدثُ بصيغةِ المتكلّم وليس الغائب، بمعنى أنه إذا قال الشخص الذى أُترجمُ عنه مُعترفًا: «لقد قتلتُ فلانًا»، فإننى أتحدّث بلسانِه هو وليس نقلًا عنه، فأقولُ: «لقد قتلتُ فلانًا»، وذلك على العكس مما نراهُ فى بلادنا عندما يقول المترجِم: «إنه يقول إنهُ هو مَن قتلَ فلانًا»، كما أنَّكَ تتدربُ على أن تكونَ صدى صوتِ المتحدثِ وأن تتحدَّثَ بنفسِ طبقةِ صوتِه ونبرتِه وشعورِه، فإن قال جملتَه فرِحًا، نقلتها بفرحٍ كما قالها تمامًا، وإن كان حزينًا، تترجمُ الجملةَ بحزنِ قائِلها، فلا تضيفُ أو تنقصُ حرفًا من عندك، وتجلس بعيدًا عن الجالسين لأنَّك مجرد صوت. ولقد رأيتُ كمًّا من الأفراحِ والمآسى لا حصر له، فكنتُ صوتَ الطبيبِ حين بشَّر إحدَاهنَّ بالحمل بعد سنواتِ انتظار، وكنتُ صوتَ طبيبٍ آخر حين قال لأحدهم إنّهُ مصابٌ بسرطان، وصوتَ القاتل، وصوتَ المنقذ.. إلخ.
كانت تجربةً ثريةً جدًا، عشتُ تجاربَ الكثيرين، وسمعت قصصَهم وحكاياتِهِم، ورأيتُ فرحتَهم وأحزانَهُم وخوفَهم وقلقَهم. وقد سهَّل كلُّ ذلك عليَّ مهمتى حين اخترتُ دراسةَ الخدمةِ الاجتماعية، فكان لديَّ بعضُ الخبرة، وحين قررتُ الانتقالَ من السويد إلى الولاياتِ المتحدة لأكونَ دكتورةً نفسية كانت كلُّ تجربةٍ سابقةِ بمثابة درجة فى سُلَّمِ الوصولِ إلى هدفى بخطىً أكثر ثباتًا. كنتُ متفوقةً فى مجال الترجمة، وكإخصائية اجتماعية، وبعد ذلك كدكتورة نفسية، حققتُ نجاحاتٍ أفخرُ بها فى هذه المجالات، ولكن كما يقول المثلُ: «القلب وما يريد»، فحلم الكتابةِ يناديني، وهو الحبُّ الأولُ والأخير، فروحى تميلُ إلى الكتابة أكثرَ من أى مجالٍ آخر.
■ حصلتِ على دبلومة فى الترجمة، وبكالوريوس خدمة اجتماعية، ثم الماجستير فى الفلسفة من السويد، ثم بعد ذلك انتقلتِ إلى الولايات المتحدة وحصلتِ على الماجستير والدكتوراه فى علم النفس الإكلينيكي، كيف كانت هذه التجربة، وبرأيك إلى أى مدى لم تزلْ ثنائية الشرقِ والغربِ حاضرةً رغم شعاراتِ العولمة عن عالم واحد؟
التجربةُ رائعةٌ بكل المقاييس، اكتسبتُ خبرات، لغات، صداقات، معارف وأشياء أخرى كثيرة، أنا نتاجُ هذا الماضى وهذه التجاربِ وسعيدةٌ بها.
لِمَاذا نكونُ عالمًا واحدًا؟ علينا أن ندركَ أن الاختلاف جميلٌ فى كثير من الأحيان، لو أرادنا اللهُ «عالمًا واحدًا» لخلقَنا كذلك،
■ ما هو عملُك القادم؟
سيكون هناك عدة أعمال، سيصدُرُ قريبًا أولُ كتابٍ فى سلسلة «روايات براءة»، وهناك أيضًا كتابٌ متخصّصٌ فى علم النفس.