الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

د.ربيع عبدالعزيز أستاذ النقد والبلاغة: الفكر الجاد أصبح سلعة بائرة والشللية أفسدت حياتنا الأدبية

د.ربيع عبدالعزيز أستاذ النقد والبلاغة: الفكر الجاد أصبح سلعة بائرة والشللية أفسدت حياتنا الأدبية
د.ربيع عبدالعزيز أستاذ النقد والبلاغة: الفكر الجاد أصبح سلعة بائرة والشللية أفسدت حياتنا الأدبية




يمتلك د.ربيع عبدالعزيز أستاذ النقد والبلاغة والأدب المقارن بكلية دارالعلوم جامعة الفيوم رؤية مستنيرة عن قضايا الثقافة العربية، فهو أحد النقاد المرموقين المطلعين على الأدب العربى ويعايش كل اتجاهات الأدب العالمى وتياراته النقدية من خلال تدريسه مادة الأدب المقارن، كما أسهم فى إقامة عدد من المؤتمرات العلمية والنقدية وأدارها فى مصر، والسعودية من خلال عمله أستاذا للنقد والأدب المقارن  بجامعة الملك فيصل، من أعماله النقدية «ثقافة الشاعر .. دراسة فى تراثنا النقدي»، «الثابت والمتغير.. دراسات فى البلاغة العربية»، «المبالغة فى شعر أبى الطيب المتنبى»، «مقاربات فى الأدب المقارن»، «محمد مندور ونقد الشعر».. حول رؤيته النقدية وأفكاره دار حوارنا معه.

■ لماذا اخترت التخصص فى النقد رغم أنه علم صعب؟
- لقد اختارنى النقد ولم أختره، فقد كنت أعتزم التخصص فى الأدب الشعبى، لكن أستاذى الدكتور رزق الخفاجى نصحنى بأن الأدب الشعبى لن يدخلنى أي جامعة، وعلى أن أتخصص فى النقد لكثرة الطلب عليه، ولما أبلغته إننى أكره النقد، كانت نصيحته: التحدى أن تصالح النقد وأن تحب ما تكره.
■ أطروحتك للماجستير كانت عن محمد مندور ونقد الشعر.. ما الذى تبقى من تراث مندور؟
- أهم ما تبقى هو تقليص نفوذ المناهج السياقية وتوجيه النقد إلى نصوص الأدب؛ فقد كان طه حسين يفسر الأدب بما يحيط به من أحداث، وكان العقاد يبحث فى الأدب عن نفسية الأديب أكثر مما يبحث عن جمال الأدب، وجاء مندور ليجعل النص وخصائص صياغته هما المجال الرئيس لعمل الناقد.
تبقت ريادة مندور فى النقد المسرحي، ونقد النقد، والتعريف بالمذاهب الأدبية، وهذه الريادة أثمرت نقادا من عينة الدكتور فوزى فهمي، وأثمرت عشرات من الكتب والرسائل العلمية التى دارت- أو سوف تدور- حول ناقد بعينه أو حول مذاهب، كالرومانسية والواقعية والرمزية.
■ كيف تفسر سخرية العقاد من مندور الذى قابل هذه السخرية بالأريحية واصفا العقاد بالأستاذ؟
- فى رأيى أن مندورا أحرج العقاد حين كشف عن تناقضاته؛ إذ أظهر للناس أن العقاد الذى دعا إلى تجديد الشعر، يهاجم محاولات عبد المعطى حجازى وجيله فى تجديد الشعر، ويحيل ديوان عبير الأرض للشاعر فوزى العنتيل إلى لجنة النثر للاختصاص!
كان العقاد ينعى على شوقى غياب الوحدة العضوية من شعره، وجاء مندور بقصائد للعقاد تغيب منها الوحدة العضوية، فأظهره متحاملا على شوقى.
وكان العقاد يرى أن الشاعر الذى لا يعرف من شعره لا يستحق أن يعرف ولو كانت له عشرات الدواوين، وأثبت مندور أن شخصية الشاعر يجب ألا تظهر فى الشعر الموضوعى، وأن شخصية هوميروس لا تظهر فى الإلياذة، فهل يمكن تجاهله وهو من أعظم شعراء الإنسانية؟
- كان العقاد يصطنع المنهج النفسى فى النقد، وأثبت مندور أن المنهج النفسى ينظر إلى الأدباء بوصفهم مجموعة من المرضى وذوى العاهات، وأن تطبيق قواعده على شعر ابن الرومى انتهى بالعقاد إلى تجاوز القيم الجمالية التى لا تستجيب لتلك القواعد، وإلى التعسف فى تفسير بعضها، فظاهرة الجناس فى شعر ابن الرومى يفسرها العقاد تفسيرا نفسيا مؤداه أن ابن الرومى لم يكن يجانس إلا إذا كان متطيرا، أما العطاء الدلالى والصوتى للجناس فلا قيمة له عند العقاد.
وعندما أعيت العقاد الحجة  لجأ إلى السخرية من مندور، أما مندور فقد صان النقد من الانزلاق إلى الغمز واللمز.
■ لماذا اختفت المعارك النقدية الجادة فى حياتنا الأدبية مقارنة بمعارك الرواد فى النصف الأول من القرن العشرين؟
- لأسباب عديدة اختفت المعارك النقدية؛ منها أن الاهتمام بالقشور جعل الفكر الجاد سلعة بائرة.
ومنها أننا مزدوجون: نضيق بمن يخالفنا، ونتشدق بأن الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية.
ومنها تفشى داء الشللية فى حياتنا الأدبية، ومعه أصبحت الوجوه مكررة، والأفكار مستهلكة، والمصالح الشخصية أجدى من خوض المعارك النقدية.
ومنها غياب فلسفة حاكمة للإعلام الأدبي، فلسفة تؤمن بأن المعارك النقدية تكافح التطرف والجمود الفكرى، وتعظم مبدأ قبول الآخر.
■ حدثنا عن ملامح منهجك النقدى؟
- منهجى يمتزج فيه قديم نقدنا وبلاغتنا مع النظريات والمناهج الحديثة والمعاصرة.. ولكل دراسة مقتضيات منهجية؛ فحين أدرس التقديم والتأخير فى سورة قرآنية أنتقل من القرآن إلى التفاسير والدراسات البلاغية والأسلوبية. وفى نصوص الأدب غالبا ما أصطنع المنهج الفنى الجمالي؛ إيمانا بأن الأدب فن لغوى جميل على حد تعبير مندور، ولا مانع من الاستعانة بالمناهج الأخرى عند الضرورة.
عقيدتى النقدية أن النص هو- أولا وقبل كل شىء- مجال عملى كناقد أدبى ولا أغادره إلا لأفسر زاوية فيه لا يمكن تفسيرها إلا من خارجه، كأن أبحث عن مصادر غريب الألفاظ فى معجم هذا الشاعر أو ذاك، أو مصادر التناص فى نص من النصوص.
وأحيانا ينصب اهتمامى على زاوية معينة  فى النص، وهذه الزاوية تحدد منهجي؛ فإذا درست لغات الرواية كان بناء الجملة الروائية وعلاقة القول بالقائل هو شغلى الشاغل، وإذا درست جدل الذات العربية مع الآخر فى رواية صرفت اهتمامى إلى التحليل المضمونى بوصفه المرآة التى تظهرنا على هذا دوائر هذا الجدل.
وأحيانا أخرى أزاوج بين الاهتمام بالرؤية وتقنيات الأداء مختبرا صلاحية التقنية لاحتواء الرؤية والتعبير عنها.
■ لماذا لا يوجد كرسى للأدب المقارن فى الجامعات العربية؟
- ثبات السياسات التعليمية، وضآلة الوعى بمخاطر التشوهات التى لحقت بصورة العربى فى ذاكرة الآخر، يفسران الانصراف عن إنشاء أكاديمية للمقارنة، مع أن العرب أمس حاجة إلى جيوش من المقارنين؛ ليسدوا نقصا كبيرا فى الترجمة من العربية وإليها، ويفندوا مزاعم غلاة المستشرقين بلغات المستشرقين لا باللغة العربية. وكل خريجى أقسام اللغات الأجنبية مؤهلون للاشتغال بالمقارنة بعد تمكينهم من لغتهم الأم، ولكننا لا نفكر فى تعظيم الاستفادة من أولئك الخريجين.  
■ عملت أستاذا للنقد بجامعة الملك فيصل، حدثنا عن هذه التجربة وكيف تقيم المشهد الأدبى فى السعودية؟
- لقد وجدت فى جامعة الملك فيصل بنية تعليمية بالغة الرقى، ووجدت فى كلية التربية مقررات تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتقديرا منقطع النظير للجادين. ووجدت فى مدينة الأحساء حياة أدبية بالغة الثراء؛ فهناك جمعيات حكومية؛ كجمعية الثقافة والفنون؛ التى تعقد ندوة أسبوعية وتقدم أحيانا عروضا مسرحية. وهناك صالونات أدبية  ينفق عليها وجهاء الأحساء، من أمثال السفير أحمد بن على آل شيخ مبارك، والأديب محمد بن صالح النعيم، والدكتور نبيل المحيش، والدكتور محمد بودي، ولكل صالون ندوة أسبوعية تقام بعد صلاة العشاء، ويؤمها هواة الثقافة والأدب من السعوديين والعرب. ويحرص أصحاب الصالونات على تكريم المفكرين والأدباء والنقاد، ومن هذا المنطلق كرمت اثنينية النعيم وأربعائية المحيش الشاعر الكبير فاروق شوشة، والدكتور عثمان موافى. وانفردت اثنينية النعيم بتكريم الشاعر سمير فراج والشيخ سعود البابطين، والمؤرخ الدكتور فهمى مقبل والناقد الدكتور أحمد درويش وغيرهم.
■ لماذا وصل الأدب العربى للعالمية ممثلا فى حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، فى حين تخلف النقد العربى عن العالمية؟
- القيم الإنسانية الخالدة فى أدب نجيب محفوظ كانت أقوى محرض على ترجمته وخروجه إلى العالمية وتجاوب المتلقين على اختلاف مشاربهم معه، وليس للنقد نصيب من هذه القيم، والمهتمون بالنقد قليلون جدا بالقياس إلى جمهور الأدب.
أما عالمية النقد العربى فتبدأ بوضع نظرية نقدية  قابلة للتطبيق على آداب الأمم الأخرى، وبالتوازى معها يتم تبنى سياسات ممنهجة فى الترجمة العكسية.
لكن المشكلة أننا راضون بموقع التابع، راضون بالبقاء فى الظل، وهذا الرضا لا يؤهل للخروج إلى العالم بنظرية نقدية عربية الأصل إنسانية الطابع. ولا يكفى أن نضع النظرية بل لا بد من تسويقها عالميا، وهذا التسويق يحتاج إلى نفقات فى الترجمة والنشر والدعاية بمختلف أشكالها، وليس بوسع ناقد أو مجموعة من النقاد أن يتحملوا الأعباء المالية اللازمة لتسويق نظرية، وأتصور أن تلك مسئولية وزراء الثقافة، وأثرياء العرب.
■ برأيك.. هل تصلح نظرية النظم لعبد القاهر الجرجانى كنواة لنظرية نقدية عربية؟
- لو غربلنا ما كتبه من القدامى: ابن سلام الجمحى وقدامة بن جعفر والآمدى والقاضى الجرجانى وعبد القاهر الجرجانى وحازم القرطاجنى  وابن إسحق الكاتب والقلقشندي، وما كتبه من المحدثين: طه حسين والعقاد ومندور وأمين الخولى والدكتور سعد مصلوح والدكتور محمد عبد المطلب والدكتور جابر عصفور والدكتور صلاح فضل والدكتور الهادى الطرابلسى والدكتور عبد الملك مرتاض والدكتور عبد الله الغذامي، يمكننا استخلاص أعمدة نظرية نقدية نابعة من تربتنا وفى غضون خمسة أعوام، وليس هذا بالمستحيل إذا صدقت عزائم من بيدهم المال.
■ كيف تتأمل غربة اللغة العربية فى أوطانها؟
- نحن أصحاب أشرف اللغات ولكننا لم نعد على أهلا لهذا الشرف، والمخاطر المحدقة بالعربية كثيرة ولكن تهاون العرب هو أخطرها على الإطلاق.. العربية غريبة لأن العرب أرادوا لها ذلك، ومع غربتها سوف تتسع الفجوة بين العربى وجذوره، وسوف تتآكل الثقة فى الذات الحضارية وتتعاظم الفتنة بالآخر، وساعتها سيلفظنا الآخر ليبقى علينا لا نحن أحياء ولا نحن أموات..إنقاذ العربية من غربتها ليس مستحيلا، فالمهم أن تصدق النوايا فى إنقاذها، وللإعلام والإعلان والتعليم والثقافة أدوار بالغة الأهمية فى بعث الغيرة على العربية.