الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«الملك لير» بهيبة المسرح الإنجليزى!

«الملك لير» بهيبة المسرح الإنجليزى!
«الملك لير» بهيبة المسرح الإنجليزى!




ارتبطت أعمال وليم شكسبير فى الأذهان بحالة من الهيبة والوقار ورغم المحاولات الكثيرة للاقتراب من الحد الأدنى لهذه الهيبة أو الشكل الذى قد يبدو عليه وقار المسرح الإنجليزى إلا أن معظمها لم يصل إلى حد الإبهار أو إلى حد تحقيق الصورة الذهنية لمحاكاة هذا المستوى الفنى من الإتقان؛ بينما فى الوقت الذى قرر فيه مسرح «كايرو شو» شق طريقه نحو إنتاج عروض للقطاع الخاص بمفهوم فنى مختلف قد يقترب من الخيال الذهنى للجهمور فى إعادة صياغة مسرح القطاع الخاص بما يلائم طموحات الأسرة المصرية فى مشاهدة مسرح يستحق مشقة الذهاب إليه؛

من هذا المنطلق اتخذ «كايرو شو» على عاتقه البدء فى تقديم أعمال مسرحية متنوعة مختلفة الشكل والمضمون اتخذ من برودواى منهجًا له فى آلية العرض والإنتاج وبالتالى كانت مفاجأة كبرى إقدام المنتج مجدى الهوارى على تقديم «الملك لير» للمخرج تامر كرم ضمن عروض كايرو شو؛ لأكثر من سبب..الأول لأن لير تصنف كأحد أعمال المسرح الكلاسيكى وفلسفة القطاع الخاص تجنح عادة إلى تقديم أعمال تجارية تضمن بها تحقيق أعلى المكاسب والإيرادات فمن غير المضمون الوصول إلى هدف المسرح التجارى بهذه النوعية من العروض ثانيًا إعادتها للمرة الرابعة بنفس البطل «يحيى الفخراني» والذى سبق وأن حقق بها نجاحًا كبيرًا على خشبة المسرح القومى مع المخرج أحمد عبد الحليم؛ فقد لا يقبل الجمهور على مشاهدة الفخرانى للمرة الرابعة بأسعار تذاكر تبدو خيالية إذا ما قورنت بأسعار تذاكر القطاع العام؛ ثالثًا حجم الإنتاج الضخم والتحدى الذى يجب أن تظهر عليه لير فى إعادتها الرابعة لابد أن تتجاوز خيال المسرحيين فى تقديم عمل جمالى محكم الصنع.
روح المغامرة
هل أزيلت هذه الصعوبات وهل التفت المنتج إلى كل هذه التحديات وقرر خوض المغامرة؟!؛ الإجابة نعم تميز الهوارى بروح المغامرة مع شركائه فى كايرو شو؛ وأقدموا على التجربة الأصعب والأنجح فى تاريخ عمرهم القصير بالمسرح؛ ففى الأيام الأولى لعروض لير أقبل الجمهور على حضورها وكأن الفخرانى يقدمها للمرة الأولى على خشبة المسرح المصرى وكثرت التساؤلات حول مواعيد وأسعار تذاكر العرض ومدى سهولة حضوره من عدمه؛ استطاع الهوارى مع فريق عمله تقديم عرض مسرحى يحمل هيبة ووقار المسرح الإنجليزي، للوهلة الأولى سوف تنتابك حالة من الإبهار عند دخول قاعة العرض بدء من تصميم الكتيب «الدليل» الصغير للمسرحية الذى يهيئك لمشاهدة عمل لم تشاهد مثله من قبل فى حجم إبهار ديكوراته وملابس ممثليه فقبل الحديث عن اى شيء لابد من الإشارة وذكر مصمم الديكور المبهر والمهيب لعرض «لير» المهندس كريم المهدى ثم مصممة الملابس نيفين رأفت فكلاهما ساهما بشكل كبير مع المخرج تامر كرم  فى معايشة الجمهور لأحداث العرض بدخولهم إلى قصر «الملك العجوز»  ومشاركته أحداث مأساته مع بناته.
الثراء الفني
اتقنت نيفين رأفت صنع الملابس بحرفة فنية عالية بدقة اختيار الألوان وتنوع الأزياء بين الرجال والنساء صنعت بهم حالة تشكيلية منحت العمل وقارًا يليق به وتناسق بصرى غير مسبوق؛ ولولا تحدث الأبطال الفصحى لخدعت فيهم وتصورت أنك فى مسرح الجلوب بلندن؛ وكذلك أضفى الديكور نفس الحالة على العمل وبجودة هذين العنصرين وثرائهما الفضل الكبير فى خروج العمل بشكل مختلف وكأنك لم تشاهده من قبل.
عقوق الآباء
المعروف أن «لير» تدور أحداثها حول ملك أراد أن يتقاعد ليرتاح من هموم الملك وقرر تقسيم ملكه بين بناته الثلاث ريجان، جونيريل، وكورديليا بشرط أن تتنافس الثلاث فى مدى إظهار حبها وعشقها له وبقدر هذا الحب سوف يمنح لير كلًا منهن ما شاءت من الملك والجاه تبارت ريجان وجونيريل فى إعلان حبهما لأبيها بينما اكتفت الثالثة بحقيقتها فى أنها تحبه لا أكثر ولا أقل، ومن هنا انطلقت دراما العرض فى إعلان أبيها لعنته عليها لأنه تصور أن هذه الفتاة أحب الناس إليه تمقته وتبخل عليه فى التودد إليه؛ تتوالى أحداث العرض الذى يتناول فى خطى صراع شكل عقوق الأبناء بل وعقوق الآباء أيضًا فى قالب مسرحى راق؛ بعكس ما يتعاطف البعض مع لير ويرونه ضحية بناته هو فى الواقع ضحية جبروته وأنانيته فى امتلاك كل شيء حتى بعد أن ذهب ملكه لبناته أراد التسيد عليهن بهذا الملك وفعل ما شاء حتى لو على حساب راحتهن ففى مشهد خلاف جونيريل مع أبيها تتضح فيه انانية الملك العجوز الذى أراد أن يلعب ويرتع فى قصرها مستمتعًا مع حاشيته وغير عابئ براحتها وهذا المشهد يكشف لنا حكمة شكسبير فى عرض المأساة التى سيتعرض لها هذا الرجل فيما بعد، ففيه تأكيد على أن مأساته من صنع يديه وربما تجد الحق فى خلاف ابنته معه فكان رد فعلها على فوضى حياته منطقيًا إلى أن وصلت إلى حد العقوق طمعًا فى الانفراد بالثروة وبالتالى عق الرجل أبناءه أولًا بسوء تقديره لشكل الحب فدفعهم للتملق والمراوغة للحصول على ما يريدون فهو من ربى داخلهم الطمع والجشع  على حساب المشاعر الحقيقية وفى المقابل كانت النتيجة منطقية؛ لعب النص أيضًا على شكل آخر من العقوق فى جلوستر وإدنموند وادجر؛ جلوستر والد الاثنين لكنه كان ينعت الأول ويعايره بأنه ابن العاهرة وبالتالى عق الرجل ابنه فرد له الابن نفس العقوق بالانتقام منه والتآمر عليه وبالتالى يستعرض شكسبير فى هذا النص فى قالب فنى شديد الثراء بالأفكار الإنسانية والمشاعر حال المجتمع الإنسانى والترابط الأسرى ويدين الجميع وليس الأبناء فقط لأنهم فى النهاية نتاج وضحايا عقد آبائهم وتطرف أفكارهم وتجردهم من المشاعر فبين الشفقة على ما وصل إليه الأبناء من أقصى حدود الشر والجشع والتعاطف والحزن على مصير كورديليا الرمز الوحيد السوى للطهر والبراءة والصدق والحب الحقيقى دارت أحداث «الملك لير».
بين الأداء الكلاسيكى وثراء التجربة
لم يتوقف غنى العمل عند حد تصميم الديكور والأزياء بل كان غنيًا بأبطاله متعددى المواهب والذين يمثلون مدارس مختلفة فى التمثيل فوقع العمل بين مدرستين الأولى تمثل ثقل وثراء الخبرة والتجربة الفنية وبالطبع كان على رأسها النجم يحيى الفخرانى ومعه فاروق الفيشاوى وأحمد فؤاد سليم فهؤلاء قدموا أدوارهم بطبيعة الشخصيات وكأنها كتبت من أجلهم يليهم فى القوة والتى كانت مفاجأة العرض فى العنصر النسائى رانيا فريد شوقى اثبتت جدارتها وبأنها ممثلة مسرحية من طراز رفيع فى تمكنها من أداء الشخصية التى مزجت الشر بالغرور والكبرياء شاركها التميز حمادة شوشة فى دور خادمها المطيع ثم مدرسة المسرح الكلاسيكى والتى اهتمت بالأداء الظاهرى للشخصيات ويمثلها نضال الشافعي، ناصر سيف، أحمد عزمي، ايمن الشيوي، ريهام عبد الغفور، وهبة مجدي؛ بينما كان لمحمد فهيم فى دور المهرج حضور قوى وطاغ على خشبة المسرح اشتد وانضبط إيقاع العرض بظهوره قدم فهيم شخصية المهرج الذى يدور على لسانه الحقيقة بسخريته اللاذعة فى التعليق على الأحداث فى قالب موسيقى استعراضى بخفة ورشاقة فعلى أنغام السخرية والمصارحة وإلقاء الحكمة رقص وغنى ومثل فهيم مهرج لير وخادمه العرض إخراج تامر كرم؛ تصميم حركى عمرو باتريك وإضاءة عمرو عبد الله ماكياج محمد عبد الحميد.